Skip to main content

كتب رايان هوليداي كتاب الرواقي اليومي يشارك مقتطفات مختلفة من الفلسفة الرواقية. اختارَ منها أكثر من ٣٦٦ اقتباس، وقسّمها إلى ٣ أقسام وكلّ قسم بهِ ١٢٠ اقتباس تستهدف زواية مختلفة:

القسم الأول: انضباط الإدراك

  • الوضوح
  • الشغف والعواطف
  • الوعي
  • فكر غير متحيّز

القسم الثاني: انضباط التصرف والأفعال

  • التصرّف الصحيح
  • حلّ المشاكل
  • الواجب
  • البراجماتية

القسم الثالث: انضباط الإرادة

  • القوة والمرونة
  • الفضيلة واللطف
  • القبول
  • التأمّل في الموت

القسم الأول: انضباط الإدراك

الوضوح

١: التحكم والاختيار

“المهمة الجوهرية في الحياة تكمن في أمر واحد: التمييز بوضوح بين ما يقع خارج نطاق سيطرتي وما يخضع لاختياري وإرادتي. فأين يجب أن أبحث عن الخير والشر؟ ليس في العوامل الخارجية التي لا أملك التحكم بها، بل في قراراتي واختياراتي التي تنبع من ذاتي.”— إبيكتيتوس، المحاضرات، 2.5.4-5

 

القدرة على معرفة الاشياء التي تقع تحت سيطرتنا والتي لا تقع تحت سيطرتنا توفّر علينا عناءً كثيرًا. ستتخلص من القلق حولَ الاشياء التي لا تستطيع السيطرة والتحكم فيها. مثلَ مزاجِ الناسِ ورأيهم عنك وحتّى حالة الطقس. كلّها اشياء لا تستطيع التحكّم بها. وما سيميّزكَ عن الناسِ حقًا هوَ انسحابك من معركة تعرفْ أنّك لن تفوزَ بها، وستعيش بسعادة أكبر عندما تصبُّ اهتمامك في ما تستطيع التحكّم فيه.

 

 

٢: التعليم هو الحرية

“ما ثمرة هذه التعاليم؟ إنها أجمل وأكمل ما يمكن أن يجنيه الإنسان من التعلم الحقيقي—الطمأنينة، والتحرر من الخوف، والحرية. لا ينبغي أن نصغي إلى العامة الذين يزعمون أن الحرية شرط للتعلم، بل إلى محبي الحكمة الذين يؤكدون أن التعلم هو السبيل إلى الحرية.”— إبيكتيتوس، المحاضرات، 2.1.21-23

 

كلّما تعلّمتُ أكثر كلما اكتشفت أنّ هنالكَ الكثير لم أتعلّمه. أفادني التعلّم في تخفيف مآسي الحياة، وكيفية التحكّم في ما يؤثّر فيني. وقراءتك الآن هيَ لأجلِ هدفٍ أعظم، ألا وهوَ التعلّم لعيشِ حياةٍ أقلّ عناءً، بامتصاصِ الحكمةِ من أفواهِ العلماء الذينَ سبقونا. إنّها السبيلُ إلى الحرّية.

 

٣: كن قاسياً مع الأشياء التي لا تهمك

“كم من الناس أهدروا عمرك وأنت لا تعي ما كنت تفقد، وكم من وقت ضاع في أحزان لا طائل منها، وأفراح حمقاء، ورغبات جامحة، ولهوٍ اجتماعي—حتى لم يبقَ لك من حياتك إلا القليل. ستدرك حينها أنك تهدر عمرك قبل أوانه!”— سينيكا، عن قِصَر الحياة، 3.3

 

نشعر بالضيق عندما نرفض طلبَ شخصٍ ونحنُ قادرين على تأديته، لذا ترانا نوافق على أغلب طلبات المساعدة لمن حولنا بحجّة أنّهم اصدقائنا ويستحقّون مساعدتنا. بقولكْ نعم لطلب ما فأنتَ تُعطي جزءًا من وقتك وحياتك لهذا الشخص وفي نفسِ الوقت أنتَ تقولُ “لا” لمائة شيء أخر وربّما أشياء أكثر أهمية. تعلّم الرفض، وحتّى لو أذى مشاعر من حولك.

 

 

٤: الثلاثة الكبار

“لا تحتاج في حياتك إلا إلى ثلاثة أمور: يقين راسخ في أحكامك عند اللحظة الراهنة، عمل يسهم في الخير العام في اللحظة الراهنة، وروح ممتنة في اللحظة الراهنة لكل ما يصادفك.”— ماركوس أوريليوس، التأملات، 9.6

 

  • التحكم في تصوراتك.
  • توجيه أفعالك بشكل صحيح.
  • قبول ما هو خارج عن سيطرتك عن طيب خاطر.

هذا كل ما تحتاج.

تحكّم في منظورك للاشياء. انظر للاشياء بموضوعية، أيْ بدونِ إضافة تفسيرك الشخصي لها. إذا انفجرَ إطارك في نصفِ الطريق فهذا يعني أنّهُ انفجرَ إطارك ولا يعني أنّك سيء الحظ، وأنّك ستخسر عملك أو أنّك ستفلس. لا تفسّر الموقف بطريقتك الخاصة بناءً على قصتك الشخصية.

 

 

٥: وضح نواياك

“اجعل كل جهد تبذله موجّهًا نحو غاية محددة، ولا تحِد عنها. فليس الانشغال في ذاته ما يُرهق الإنسان، بل التصورات الخاطئة عن الأمور هي ما يزرع الاضطراب في النفوس.” — سينيكا، عن هدوء العقل، 12.5

 

مفاهيمنا أو تفاسيرنا هيَ التي تعطي للاشياءِ معنى. الجو الماطر في المساء قد يُزعجك لأنّهُ أفسدَ حفلة الشواء، ولكنّهُ أسعدَ حبيبين يركضانِ ويغنّيانْ تحت قطراتِ المطر.

القانون التاسع والعشرون من كتاب “قواعد السطوة الثمانية والأربعون” هو: “خطط حتى النهاية”. كتب روبرت قرين: “من خلال التخطيط حتى النهاية، لن تطغى عليك الظروف وستعرف متى تتوقف. قم بتوجيه الحظ بلطف وساعد في تحديد المستقبل من خلال التفكير في المستقبل البعيد”. العادة الثانية في كتاب “العادات السبع للناس الأكثر فعالية” هي: ابدأ بغاية في الاعتبار.

“إن وجود غاية في الاعتبار لا يضمن أنك ستصل إليها – لن يتسامح أي شخص من أتباع الفلسفة الرواقية مع هذا الافتراض – ولكن عدم وجود غاية في الاعتبار يضمن أنك لن تصل إليها”. – رايان هوليداي

 

 

٦: أين، من، ماذا، ولماذا

“من يجهل ماهية الكون، يجهل موقعه فيه. ومن يجهل غايته في الحياة، يجهل هويته، ويجهل الكون ذاته. ومن يجهل أحد هذه الأمور، لا يعلم لماذا هو هنا. فماذا نقول إذن عن أولئك الذين يسعون إلى مدح من لا يعرفون حتى من يكونون ولا أين يقفون؟” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 8.52

 

حدّد اتجاهك في الحياة واعرف هدفك حتّى ولو لم يكُن دقيق، الاقتراب سيوضّح لك الصورة أكثر وستعرف ما هوَ هدفك الأسمى في هذه الحياة. وفي الطريقِ نحوَ تحقيقِ هدفك، ستعرف من أنت.

 

 

٧: الوظائف السبع الواضحة للعقل

“العقل وظيفته اتخاذ القرارات، والرفض، والتوق، والنفور، والاستعداد، والتصميم، والقبول. فما الذي يمكن أن يفسده أو يعيق عمله السليم؟ لا شيء سوى قراراته الفاسدة التي تنبع من ذاته.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 4.11.6-7

 

  • الاختيار- لأن يفعل ويفكر بشكل صحيح
  • الرفض- للإغراء
  • الشوق- لأن يكون أفضل
  • النفور- من السلبية والتأثيرات السيئة وما ليس صحيحًا
  • الاستعداد- لما ينتظرنا أو أي شيء قد يحدث
  • الغرض- لمبدأنا التوجيهي وأولويتنا القصوى
  • الموافقة- أن نكون خاليين من الخداع بشأن ما هو داخل وخارج سيطرتنا (ونكون مستعدين لقبول ما هوَ خارج سيطرتنا)

 

 

٨: رؤية إدماننا

“علينا أن نتخلى عن أمور كثيرة ألفناها معتقدين أنها خير، وإلا فإن الشجاعة ستتلاشى، مع أنها يجب أن تُختبر باستمرار. كما ستضيع عظمة النفس، إذ لا يمكن لها أن تتجلّى إلا حين تحتقر ما يعتبره العامة غاية المنى.”— سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 74.12-13

 

ما تراهُ تصرّفًا بسيطًا، سيصبح إدمانًا مع مرور الوقت. فكوبْ القهوة الذي لا تراهُ مُضرًا، سيُصبح في روتينك اليومي ولن تستطيعَ بدءَ يومِكَ بدونه.

لفترة طويلة، كُنتُ أظنّ أنّ إدمانَ النيكوتين هوَ لعنة لن أتخلّص منها، ويا للمفاجأة، في أقلّ من اسبوعين تخلّصتُ منه كلّيًا. كما قالَ أحدُ المدمنين، إنّ الإدمان هوَ “عندما نفقد حرية الامتناع”. الإدمان ما هوَ إلّا عادة سيئة. ما هوَ إدمانك؟ مشروبات غازية؟ مأكولات ذات سعرات حرارية عالية؟ شكوى؟ نميمة؟ سوشل ميديا؟ نيكوتين؟ استعدْ القدرة على الامتناع، لأنّ خلفها يكمن ضبطك لذاتك.

 

 

٩: ما نتحكم فيه وما لا نتحكم فيه

“هناك أمور تقع تحت سيطرتنا، وأخرى خارجة عنها. نملك التحكم في آرائنا، وخياراتنا، ورغباتنا، ونفورنا، وكل ما يصدر عنا. أما أجسادنا، وممتلكاتنا، وسمعتنا، ومناصبنا، فليست لنا السيطرة عليها. إن ما يقع ضمن سيطرتنا هو بطبيعته حر وغير مقيّد، أما ما لا نتحكم به فهو ضعيف، مستعبد، وعرضة للعوائق، وليس ملكًا لنا.”— إبيكتيتوس، دليل الحياة، 1.1-2

 

لا تستطيع التحكم بالأحداث الخارجية ولكن ستتحكم برأيك عنها. وستقرر ما إذا كانت سيئة أو جيّدة. عادلة أم لا. لن تتحكم بالموقف ولكن ستتحكم بما تفكر به.

 

 

١٠: إذا أردت أن تكون ثابتًا

“جوهر الخير يكمن في اتخاذ القرارات المستندة إلى العقل، وجوهر الشر في اتخاذ قرارات معاكسة لذلك. أما العوامل الخارجية، فهي ليست خيرًا ولا شرًا بحد ذاتها، بل مجرد مادة خام تُشكّلها قراراتنا. فكيف نُحسن التعامل معها؟ ليس بالإعجاب بها، بل بتوجيه أحكامنا بشأنها بشكل مستقيم، إذ بصحة الحكم تستقيم خياراتنا، وإن فسدت أحكامنا فسدت اختياراتنا.”— إبيكتيتوس، المحاضرات، 1.29.1-3

 

يسعى الرواقيّون إلى ثباتِ وراحة البال، ويشعروا بهذا الحال بشكلٍ مستمر، ليسَ بالعزلة والخروج من المدينة، بل عن طريقِ الحكم السليم. وهذا يعني تصفية كلّ أحداث الحياة المزعجة والمربكة عند دخولها لعقلنا، أيّ بدونِ إضافةِ اراءٍ لها.

إذا أردت أن تكون ثابتًا، وإذا أردت الوضوح، فإن الحكم السليم هو أفضل طريقة.

 

 

١١: إذا أردت أن تكون غير مستقر

“حين يوجه الإنسان حذره إلى أفعاله وقراراته، فإنه يكتسب بذلك القدرة على تجنّب الشرور. أما إذا صرف حذره عن أفعاله إلى أمور لا تخضع لسيطرته، محاولًا تجنّب ما يملكه الآخرون، فإنه لن يحصد سوى القلق والخوف والاضطراب.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 2.1.12

 

يُذكّرنا إبيكتيتوس بأنّ السكينة والاستقرار هما نتيجة لاختياراتك وحكمك، وليسَ بيئتك. لأنّكَ لو سعيتَ تتجنّب كلّ ما يعيق هدوئك، مثلَ الأشخاص والأحداث الخارجية والضغوط، فلن تنجح أبدًا. ستلاحقك المشاكل أينما هربت. الحلْ يكمن في تجنّب الأحكام التي تُسبّب لكَ الضرر وتزعجك.

 

 

١٢: الطريق الوحيد إلى السكينة

“اجعل هذه الفكرة حاضرة في ذهنك مع كل إشراقة فجر، وطوال يومك وليلِك—لا سبيل إلى السعادة إلا بالتخلي عن كل ما يقع خارج نطاق إرادتك، وألّا تعتبر أي شيء آخر ملكًا لك، وأن تسلّم كل شيء إلى الله والقدر.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 4.4.39

 

ذكّر نفسك كلّ صباح عن ما هوَ تحتَ سيطرتك وما ليسَ تحت سيطرتك. وقبلَ الغداء، ذكّر نفسك بالشيء الوحيد الذي تمتلكه هوَ القدرة على اتخاذ القرارات. وهذه قوة لن يستطيع أحد نزعها منك أبدًا. وبعدَ الظهر ذكّر نفسك أنّ العالم يدور ونحنُ ندور معه ومصيرنا ليسَ بيدنا تمامًا. وفي المساء ذكّر نفسك مرة أخرى بما هوَ خارج عن سيطرتك. وعندما تستلقي في سريرك، تذكّر أنّ النوم هوَ شكل من أشكال الاستسلام، واستعد لبدء الدورة غدًا من جديد.

 

 

١٣: دائرة التحكم

“نملك سيطرة تامة على قراراتنا الأخلاقية وكل الأفعال التي تنبع منها. أما أجسادنا وأي جزء منها، وممتلكاتنا، ووالدينا، وإخوتنا، وأبناؤنا، ووطننا—فكل هذه أمور خارجة عن نطاق سيطرتنا، رغم ارتباطنا بها.”— إبيكتيتوس، المحاضرات، 1.22.10

 

هذا مهم بما يكفي لتكراره: يعرف الشخص الحكيم ما هو داخل دائرة سيطرته وما هو خارجها. ما هو تحت سيطرتك هو: اختياراتك، وإرادتك، وعقلك.

 

 

١٤: اقطع الخيوط التي تسحب عقلك

“افهم أخيرًا أن لديك في داخلك قوة أعظم وأسمى من تلك الدوافع الجسدية التي تجذبك كما لو كنت دمية في يد الأقدار. تأمل جيدًا: ما الأفكار التي تشغل بالك الآن؟ هل هو الخوف، أم الشك، أم الرغبة، أم شيء آخر؟” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 12.19

 

الإنسان مدفوع بالرغبة ولكن تجذبه القيم“. هذه القيم والوعي الداخلي يمنعاننا من أن نكون دمى. من المؤكد أن الانتباه يتطلب العمل والوعي، ولكن أليس هذا أفضل من أن يتم تحريكك بخيط؟

 

 

١٥: السلام يكمن في الاستمرار على نفس المسار

“لا يمكن بلوغ السكينة إلا لمن وصل إلى ثباتٍ راسخٍ في الحكم واتزانٍ لا يتزعزع—أما سائر الناس فهم في تقلب دائم، بين القبول والرفض، متأرجحين بين الانجذاب إلى الأشياء والنفور منها. وما سبب هذا التذبذب؟ إنه الغموض الذي يحيط بأحكامهم، واعتمادهم على أكثر الأدلة اضطرابًا—الرأي العام.”— سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 95.57-58

 

كتبَ سينيكا في مقالةٍ له عن أنّ السكينة والهدوء تأتي من تحديدنا واتّباعنا لمسارٍ واحد دونَ تغيّيره كلّ ثلاث ثوانٍ بناءً على معلوماتٍ جديدة. فالسكينة تكونُ في تأكيدنا للمسارِ الذي سنتّبعه، والتخلّص عن كلّ ما سيشتّتنا عنه.

 

 

١٦: لا تفعل أي شيء من باب العادة

“في أغلب الأمور، لا نتصرف وفق المبادئ السليمة، بل نتبع العادات البائسة التي ترسخت فينا. وبما أن الأمر كذلك، فعلى من يسعى إلى التهذيب أن يسمو بنفسه، فيتوقف عن ملاحقة اللذة وتجنب الألم، ويتحرر من التعلق بالحياة والخوف من الموت، ويتعلم ألا يرى في الثروة والمال قيمة في الأخذ تفوق قيمة العطاء.” — موسونيوس روفوس، المحاضرات، 6.25.5-11

 

المقصد هوَ قبلَ أنْ تتصرف مباشرةً فكّر إنْ كانَ هذا التصرف من بابِ العادة، أم هوَ بعدَ تفكيرٍ وتحليل؟ اتّبع طرقًا مختلفة لتجنّب الوصول لنفسِ النهايات التي أنتجت حياتك الحالية. فكما قالَ اينشتاين، أنّ تعريفَ الجنون هوَ فعل نفسَ الشيء، وتوقّع نتائج مختلفة.

 

 

١٧: أعد تشغيل العمل الحقيقي

“أنا معلمك، وأنت تتلقى العلم في مدرستي. هدفي أن أرتقي بك إلى الكمال، فتصبح حرًا، غير مقيد بالهوى، منزهًا عن الإكراه، لا يعوقك الخجل، متفتحًا، مزدهرًا، وسعيدًا، متطلعًا إلى الله في كل كبير وصغير. أما هدفك فهو أن تتعلم هذه الأمور وتمارسها بجد. فلماذا إذن لا تكمل المسيرة، إذا كنتَ قد حدّدت غايتك، وأنا قد حددت غايتي وأعددتُ العدة لها؟ ما الذي ينقصك؟ … العمل في متناول اليد، وهو الشيء الوحيد الذي نملك السيطرة عليه … لا تعلق نفسك بالماضي. علينا فقط أن نبدأ. صدقني، وسترى.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 2.19.29-34

 

في طفولتنا ومراهقتنا، كنّا نتجنّب بدء شيء بسبب الخوف من الفشل. عُلِّمنا أنّ الخطأ غير مسموح، ودرجتك تكونُ بناءً على صحّتها وليسَ بناءً على المحاولة من عدمها. ثمّ اختلف الوضع في الحياة الحقيقية، فشلنا يعني جودة حياة سيئة إلّا عندما نتعلّم من اخطائنا. من حسنِ الحظ أنّ لدينا معلمّين عظماء، مثلَ الأنبياء والحكماء والفلاسفة الذينَ سبقونا. ثق بكلامهم، وابدأ بالعمل فقط، والباقي سيتبعه.

 

 

١٨: انظر إلى العالم كشاعر وفنان

اعبر هذه الفترة القصيرة من الزمن (الحياة) في وئام مع الطبيعة، ثم ارحل بسلام إلى مستقرّك الأخير، كما تسقط الزيتونة الناضجة برفق، وهي تمدح الأرض التي غذّتها، وتشكر الشجرة التي حملتها ونمّتها.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 4.48.2

 

كُن ممتنًا في حياتك. ممتنًا لما هوَ موجود، بدلَ التحسّر على ما لا تملكه.

 

 

١٩: أينما ذهبت، هناك اختيارك

“المنبر والسجن كلاهما مكان—أحدهما مرتفع والآخر واطئ—لكن في كلتيهما يمكنك أن تحتفظ بحريتك في الاختيار، إن أردت.”— إبيكتيتوس، المحاضرات، 2.6.25

 

مهما كانت ظروفُ حياتك، سواءً تتمتّع بالثراء أم غارقٌ في حفرة الفقر، ركّز على ما هوَ تحت سيطرتك. الشيءْ الوحيد الذي سيبقى هوَ حرّية اختياراتك. فما هيَ خياراتك؟ وكيفَ تستفيد منها؟ هذه الأسئلة التي ستُجيبها في هذه الحياة.

 

 

٢٠: أعد إشعال أفكارك

“مبادئك لا يمكن أن تنطفئ إلا إذا أطفأتَ أنت الأفكار التي تغذيها، فما دام في يدك القرار على إشعالها من جديد، فلديك القدرة على إعادة الحياة لنفسك… انظر إلى الأمور بعين جديدة، كما كنت تفعل من قبل—فهكذا تبدأ الحياة من جديد!” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 7.2

 

بغض النظر عن مدى خيبة أمل سلوكنا في الماضي، فإن المبادئ نفسها تظل دون تغيير. قدْ تمرّ بأسبوعٍ الاكتئاب، أو شهرٍ من الكسل نحوَ عملك بسبب حدثٍ في حياتك أثّر عليك، وكلّها أمورٌ طبيعية تحدث لأفضلنا. ولكن تذكّر أنّ مبادئك موجودة، بإمكانك إشعالِ قوة إرادتك من جديد، وفي أيّ وقت.

 

 

٢١: طقوس الصباح

“اسأل نفسك كل صباح:

  • ما الذي ينقصني لأتحرر من الانفعالات؟
  • ما الذي أفتقر إليه لأبلغ الطمأنينة؟
  • من أنا؟
  • هل أنا مجرد جسد؟
  • أم مالك أرض؟
  • أم صاحب سمعة؟

لا، لستُ أيًا من هذه الأشياء. إذن، ما أنا؟ كائنٌ عاقل. فما المطلوب مني إذن؟ أن أتأمل أفعالي. كيف انحرفت عن السكينة؟ماذا فعلتُ وكان غير ودي؟ أو غير اجتماعي؟ أو خالٍ من العناية بالآخرين؟ وما الذي قصّرت في فعله في كل هذه الأمور؟” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 4.6.34-35

 

 

٢٢: المراجعة اليومية

“سأراقب نفسي عن كثب، وسأحرص—وهذا هو الأهم—على مراجعة كل يوم من حياتي. فمصدر فسادنا أننا نادراً ما ننظر إلى حياتنا الماضية، إذ لا نشغل تفكيرنا إلا بما سنفعله، بينما كل مخططات المستقبل لا يمكن فهمها إلا من خلال الماضي.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 83.2

 

قبلَ أن تقدم وتخطط وتركز مع مستقبلك فقط، راجع نفسك وافعالك السابقة. لديّ ثلاث مرّات في اليوم أواجه فيها نفسي والطريقة تكون عبرَ الكتابة في الجورنال (دفتر اليوميات) الخاص بي. إنها مساحتي الشخصية حيثُ القيودُ ليسَ لها معنى. أنا وأنا نتواجه في حوارات حقيقية واسئلة لا ترضي الطرف الآخر. والنتائج؟ فعّالة جدًا. تجد نفسك أكثرَ إدراكًا لحياتك اليومية وتصرفاتك وعاداتك مما يعطيك المساحة لتطوّر من نفسك.

 

 

٢٣: الحقيقة بشأن المال

“لننظر إلى الأثرياء حقًا—كم من الأحيان يبدو حالهم شبيهًا بحال الفقراء! حين يسافرون، يضطرون إلى تقليل أمتعتهم، وحين يكونون في عجلة من أمرهم، يستغنون عن حاشيتهم. وأما من يخدمون في الجيش، فكم هو قليل ما يُسمح لهم بامتلاكه …” — سينيكا، العزاء إلى هلفيا، 12.1-2

 

يُشير سينيكا إلى أنّ الأغنياء وبالرغمِ من أموالهم الطائلة، فهُم يمتلكونَ مشاكلًا يومية مثلَ جميع الناس العادية. وسينيكا كانَ من أغنى الرجال في روما، واعترفَ أنّ المالَ لا يغيّر حياة الإنسان إلّا بشكلٍ طفيف. والاشياء الخارجية (كالممتلكات) لن تحلّ المشاكل الداخلية.

 

 

٢٤: ناضل نحو الفهم العميق

“من روستيكوس … تعلمتُ أن أقرأ بتمهل، وألا أكتفي بفهمٍ سطحيٍّ للأمور، وألا أسارع إلى الاتفاق مع من يُسهب في الحديث عن أي شيء.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 1.7.3

 

القراءة السريعة بدونِ التمعّن وحتّى لو قرأتَ كتابًا كلّ يوم، ليست مثلَ التمعّن والتعمّق في المعلومة وشربها حتّى تترسّخ وتصبح جزءًا منك. نحنُ لا نقرأ لأجلِ المتعةِ فقط، بل نريدُ حكمة وعلوم الذينَ نسعى لِنُصبَح مثلهم، أنْ تُصبح جزءًا منّا نُمارسها في حياتنا بشكلٍ مستمر، وسعيًا نحوَ الفضيلة التي تحدّثَ عنها الفلاسفة الرواقيّون.

 

 

٢٥: الجائزة الوحيدة

“ما الذي ينبغي أن نعتبره أثمن ما في الحياة؟ أعتقد أنه هذا: أن نحصر أفعالنا وأفكارنا فيما يوافق استعدادنا الذاتي … فهذه هي الغاية الحقيقية من التعلم والتربية—وهذا هو ما يستحق أن يُثمَّن! فإذا تمسكتَ بهذا، فلن تسعى بعد ذلك إلى امتلاك أي شيء آخر … أما إذا لم تفعل، فلن تكون حرًا، ولن تكون مكتفيًا بذاتك، بل ستكون ممتلئًا بالحسد، والغيرة، والارتياب، ولن تكفَّ عن التآمر ضد من يملكون ما ترغب فيه … لكن إذا احترمت عقلك وأعطيته الأولوية، فسترتاح مع نفسك، وستكون أكثر انسجامًا مع بني البشر، وأقرب إلى الإله—ممتنًا لكل ما دبرته لك الأقدار وأعطتك إياه.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 6.16.2-4

 

وارين بافيت يمتلك ثروة تقدّر ب٦٥ مليار دولار ولازالَ يعيش في نفسِ البيت الذي اشتراه عام ١٩٥٨. ويفطر كلّ يوم ماكدونالدز ويشرب ٥ عبوات كوكا كولا. هل لأنّهُ بخيل؟ بل هذا يعني أنّ الأشياء التي تهمّه في حياته بخسة الثمن. كلّما ازدادت رغباتك، كلّما تعِبتَ أكثر في طريق الحصولِ عليها أو إنجازها مما يقلّل استمتاعك بحياتك واللحظة، وكلّما قلّت حريتك.

 

 

٢٦: قوة المانترا

“امحُ التصورات الخاطئة من عقلك بأن تكرر لنفسك باستمرار: أملك في روحي القدرة على صد أي شر، وأي شهوة، وأي اضطراب—وبدلًا من ذلك، سأرى الأشياء على حقيقتها، ولن أمنحها أكثر مما تستحق. تذكر دائمًا هذه القوة التي وهبها لك الإله.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 8.29

 

نتصرّف غالبَ الأحيان بناءً على ما ترميه الحياة علينا، وننسى أنّ لدينا القدرة على منعه من التسلل لعقولنا والتأثير عليها.

 

 

٢٧: المجالات الثلاثة للتدريب

“هناك ثلاث مجالات لا بد لمن يسعى إلى الحكمة والصلاح أن يتمرن عليها. أولها يتعلق بالرغبات والنفور—حتى لا يخفق المرء في مسعاه ولا يقع فيما يخشاه. الثاني يتعلق بالدوافع نحو الفعل أو الامتناع عنه، بل وأوسع من ذلك، بالواجب ذاته—حتى يتصرف الإنسان بحكمة ولأسباب وجيهة، لا بتهور. أما الثالث، فيتعلق بالتحرر من الخداع، وبالثبات، وبسلامة الأحكام، إذ إن تصديق عقولنا لما تعرضه علينا الحواس من تصورات هو أمر بالغ الأهمية. ومن بين هذه الأمور الثلاثة، فإن الأهم والأكثر إلحاحًا هو المجال الأول، المرتبط بالعواطف، لأن المشاعر العنيفة لا تنشأ إلا حين نخفق في التحكم برغباتنا ونفورنا.”— إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.2.1-3

 

كما قالَ إبيكتيتوس: يجب أن نفكّر فيما نرغب وفيما نكره، حتّى نختار الرغب في الجيّد وتجنّب السيء. ثمّ نتحرّى الدوافع التي تدفعنا للتصرّف. هل هيَ لأسبابٍ صحيحة؟ أم غيرُ صحيحة؟ وأخيرًا حُكمنا. باستخدامِ عقلنا، نستطيع معرفة إذا ماكانَ الشيءُ مناسبٌ لنا أم لا.

 

 

٢٨: مراقبة الحكماء

“تأمل مليًا في المبادئ التي تحكم الناس، لا سيما الحكماء منهم، وانظر إلى ما يفرّون منه وما يسعون إليه.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 4.38

 

قلّد العظماء لتحصل على نتائج العظماء.

 

 

٢٩: حافظ على البساطة

“حافظ في كل لحظة على ذهن ثابت ومنضبط في أداء واجبك، كروماني وكإنسان، مُخلصًا له بكرامة صارمة وبساطة، بمحبة، بحرية، وبعدالة—متخففًا من كل اعتبار آخر. يمكنك تحقيق ذلك إذا تعاملت مع كل مهمة كما لو كانت الأخيرة لك، متخليًا عن أي تشتت، وأي خضوع للعاطفة على حساب العقل، وأي ميل للدراما، والغرور، والتذمر مما هو مقدر لك. ستدرك حينها كيف أن الإتقان في أمور قليلة يتيح لك أن تحيا حياة غنية ومكرسة للفضيلة—إذ إن تمسكت بهذه الأمور، فلن يطالبك الإله بأكثر من ذلك.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 2.5

 

لم يكتب ماركوس أوريليوس هذه الاقتباسات حتّى تُنشر في كتابه، بل كتبها مُخاطبًا لنفسه، ثمّ وجدوها بعد مماته.

ركّز على الشيء الذي أمامك وواضح وابتعد عن تعدد المهام والعمل على أكثر من شيء في نفس الوقت. ليستْ مسؤوليتك ضمان نجاح كلّ مشروع في حياتك، ركّز على الأهم وصبّ كلّ قوتك عليه.

 

 

٣٠: لستَ مضطرًا إلى أن تظل على اطلاع بكل شيء

“إذا رغبت في التحسن، فاكتفِ بأن تبدو للآخرين جاهلًا أو غبيًا في الأمور غير الضرورية—ولا تسعَ لأن تبدو عليمًا بها. وإن حظيت بتقدير الآخرين، فاحذر من نفسك.” — إبيكتيتوس، دليل الحياة، 13

 

قل لا أعرف.

كم من الوقت ستوفّر إذا قللتَ استهلاكك للأخبار ومتابعة السوشل ميديا؟ اشياء لن تَصنَع فارقًا في حياتك. أزمات محتملة لم ولن تحصل. فضائح ممثلين وفنانين يتعبُ حلقك في نقاش صحّة الخبر من كذبه. تخيّل لأيّ درجة ستكونُ مُرتاحًا إن ابتعدتَ عن متابعة احداث وأخبار العالم التي لن تؤثّر على حياتك؟ بل بالعكس، ستسرق من وقتك الكثير.

 

 

٣١: الفلسفة دواء الروح

“لا تعد إلى الفلسفة وكأنها واجب مفروض عليك، بل كما يلجأ المرضى إلى الدواء لعلاج أعينهم، أو كما توضع الضمادات على الحروق، أو كما تُستخدم المراهم للشفاء. بهذه النظرة، ستخضع للعقل دون تكلّف، وستجد فيه راحة وسكينة.”— ماركوس أوريليوس، التأملات، 5.9

 

الرواقية هيَ دواء للروح. تَجبُر نقاط ضعفنا في الحياة الحديثة، وتمدّنا بالقوة التي تسندنا حتّى ننجح. تُشغلنا الحياة بالإنجازاتِ والنجاح، ثمّ يزدادُ توتّرنا وضغطنا ونتذكّر أننا بعيدونَ عن الفلسفة، ثمّ نعودُ إليها طالبينَ العلاجَ لمرضنا، ثمّ لا تخيّب ظنّنا.

 

 

 

الشغف والعواطف

٣٢: للرجل المتهور

“حين تشعر بالغضب يسيطر عليك، تذكر هذا الأمر—ليس من الرجولة أن تثور غضبًا. بل إن اللين والرفق هما الأكثر إنسانية، والأكثر رجولة كذلك. الرجل الحقيقي لا يستسلم للغضب والسخط، بل يتحلى بالقوة، والشجاعة، والجلَد—على عكس الغاضب والمشتكي. فكلما اقترب الإنسان من السكينة، ازداد قربًا من القوة الحقيقية.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 11.18.5

 

الغضب ليسَ صفة مُحببة، إنما ضعف وعلامة على شخص لا يستطيع السيطرة على ذاته. كُن الشخص الذي لا يمكن إغضابه وإزعاجه لأنّه يتحكم في عواطفه.

 

 

٣٣: الإطار الصحيح للعقل

“حين أرى شخصًا قلقًا، أسأل نفسي: ما الذي يريده؟ إذ لو لم يكن يسعى وراء شيء خارج عن إرادته، فما الذي قد يجعله غارقًا في القلق؟” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 2.13.1

 

نكرهُ من يحاولُ التحكّم فينا. لا تخبرني ماذا أرتدي، وكيفَ أفكّر، وكيفَ أعمل وأعيش. لأنّنا أشخاصُ مستقلّون. (هذا ما نخبرُ أنفسنا). مع ذلكَ لو اختلفَ معنا شخص، نُجادله. لو رأينا طبقَ بسكويت، نأكله. لو فعلَ شخصٌ ما لا نحب، نغضب منه. لو حدثَ شيءٌ سيء، نحزن ونكتئب ونقلق.

لن نسمح أبدًا لشخص آخر بأن يخدعنا. لقد حان الوقت لنبدأ في رؤية الأمر بهذه الطريقة – أننا لسنا دمى يمكن جعلها ترقص لمجرد أننا نشعر بذلك. يجب أن نكون نحن المسيطرين، وليس عواطفنا، لأننا أشخاص مستقلون ومكتفون ذاتيًا.

 

 

٣٤: مصدر قلقك

“عندما أرى شخصًا قلقًا، أسأل نفسي، ماذا يريد؟ فإذا لم يكن الشخص يريد شيئًا خارج سيطرته، فلماذا يصاب بالقلق؟” —إبيكتيتوس،

 

الأب القلق على أطفاله، يريدُ عالمًا آمن. اليوم، عندما تجد نفسك قلقًا، اسأل نفسك: لماذا تتشابك أحشائي؟ هل أنا المسيطر هنا أم أن القلق هو السبب؟ والأهم: هل القلق يفيدني بأي شيء؟ لا نستطيع التحكّم بأغلب الاشياء في حياتنا، فلا تقلق على ما لا تستطيع فرض سيطرتك عليه. القلق يسلبك من حاضرك، لأنّهُ يأخذك لتفكّر في المستقبل ولكن بالطريقةِ السلبية.

 

 

٣٥: عن كونك لا تقهر

“من هو الذي لا يُقهَر؟ إنه ذاك الذي لا يمكن أن يُزعزع بأي شيء خارج عن نطاق اختياره العقلاني.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 1.18.21

 

هل شاهدتَ لقاءً ضدّ ضيفٍ يحاولُ المذيع إغضابه واستفزازه ولكنْ الضيف يردّ بكل هدوء ورزانة؟ نحنُ نختار الانزعاج من عدم الانزعاج من الاشياء التي لا نستطيع التحكّم بها. فالخيارُ مُلكك، هل ستنزعج من قرارتِ الحكومة المفروضة عليك؟ أم تتقبّل الأمرَ الواقع وتمضي قُدماً؟

 

 

٣٦: ثبت دوافعك

“لا تكن متقلبًا، بل اخضع كل دافع ومعنى لما تقتضيه العدالة، وتمسك بقناعتك الواضحة في مواجهة أي مظهر من مظاهر الخداع.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 4.22

 

فكّر في الأشخاصِ الذينَ يعيشونَ حياتهم باختياراتٍ فوضوية. يومهم إمّا رائعٌ للغاية، أو سيء الحظ. ألا يُتعبه هذا الأمر؟ لكن الرجل الحكيم يستعينْ بالعدالة، والمنطق، والفلسفة في حياتهم اليومية. قبلَ أن تتصرّف، اسأل: من هوَ المسيطر هنا، ما هيَ المبادئ التي توجّهني؟

 

 

٣٧: لا تبحث عن الصراع

“لا أتفق مع أولئك الذين يرمون بأنفسهم في خضم الحياة الصاخبة، والذين يقبلون العيش وسط العواصف اليومية، مجاهدين بشجاعة ضد الأقدار القاسية. فالحكيم قادر على تحمّل ذلك، لكنه لن يختاره—بل سيختار السلام على الصراع، والسكينة على الفوضى.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 28.7

 

لا يقيّم الرجل بالأشياء التي تحصل لهُ في حياته، بل يقيّم بردّة فعله وتصرّفه تجاه الأشياء التي تحصل لهُ في حياته.

 

 

٣٨: الخوف نبوءة تتحقق بذاتها

“كم من الناس أهلكهم الخوف ذاته، وكم من شخص كان خوفه من المصير هو ما ساقه إلى المصير!”— سينيكا، أوديب، 992

 

الشجاعة ليست عدم الخوف، بل الشجاعة هيَ المضي قُدُمًا حتّى مع وجود الخوف. الندم من تضييع الفرصة بسبب الخوف أكبر من الندم من أخذ الفرصة والفشل.

 

 

٣٩: هل جعلك هذا تشعر بتحسن؟

“تقول: أعاني ألمًا شديدًا! لكن هل يخفف ذلك من معاناتك إن كنتَ تتحملها بطريقة غير رجولية؟”— سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 78.17

 

نبالغ في ردّات فعلنا تجاهَ آخرينَ قاموا بإيذائنا. ربما لم يعرف الشخص أنهُ آذاك ولكنّك بالغت في ردة فعلك. يقول ماركوس اوريليوس أن نستحمل الآخرين أكثر ونكونُ صارمين مع نفسنا.

المقصد من كلام سينيكا أنهُ لو تعاملنا مع ما يُغضبنا أو يؤلمنا بالصراخ والغضب ونوبات الهلع، فلن تُساعدَ في تخفيفِ الألم على الإطلاق. تعاملَ معها بالطريقة الرجولية ألا وهيَ الهدوء وعدم إلقاء اللوم على الآخرينْ سوا نفسك.

 

 

٤٠: ليس من الضروري أن يكون لديك رأي

“نملك القدرة على ألا نصدر أي حكم على الأشياء، وألا نسمح لها بأن تعكر صفونا—فالأشياء في ذاتها لا تملك أي سلطة على تشكيل أحكامنا.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 6.52

 

رؤية الشيء بشكل موضوعي بدون إضافة تفسير شخصي والابتعاد عن الإبداء بالرأي لن يؤثّر على حالتك العقلية سلبًا. أو تعاملَ مع الأشياء كما لوَ أنّها ليستْ موجودة. لن تغضب عن رأي أصدقائك عنكَ خلف ظهرك إن لم تعرفهُ من الأساس.

 

 

٤١: الغضب وقودٌ سيئ

“ليس هناك شيء أكثر إذهالًا من الغضب، ولا شيء أشد افتتانًا بقوته الخاصة. إن نجح، كان أكثر المشاعر تعاليًا، وإن خاب، كان أشدها جنونًا—فهو لا يردعه الإعياء حتى في الهزيمة، وإن أزاحت الأقدار خصمه، فإنه ينقلب على نفسه ويفترس ذاته.” — سينيكا، عن الغضب، 3.1.5

 

كما قال الرواقيون مرات عديدة، فإن الغضب لا يحل أي شيء تقريبًا. وعادة ما يجعل الأمور أسوأ. نغضب، ثم ينزعج الشخص الآخر – والآن ينزعج الجميع، ولا تقترب المشكلة من الحل. الغضب من العواطف السلبية، سيسلبك الوضوح وسكينة بالك.

 

 

٤٢: البطل أم نيرون؟

“روح الإنسان تكون ملكًا حين تسلك طريق الشرف، فترعى صحة الجسد الذي في عهدتها، ولا تأمره إلا بما يليق. لكنها حين تُطلق العنان لشهواتها وتفرط في الانغماس، تتحول من ملك إلى أكثر الأشياء رهبةً وبغضًا—طاغية.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 114.24

 

 

٤٣: احمِ راحة بالك

“احرص على مراقبة تصوراتك باستمرار، فليس ما تحميه أمرًا بسيطًا، بل هو احترامك لذاتك، وموثوقيتك، وثباتك، وسكينتك، وحريتك من الألم والخوف—بكلمة واحدة، إنه حريتك ذاتها. فبكم ستبيع هذه الأشياء؟” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 4.3.6-8

 

الرواقية تساعدنا في إدارة ردودِ أفعالنا والتفكير فيها. فهيَ تجعل المواقف أكثر سهولة في التحمّل. اسأل نفسك: هل الشيء الذي سيغضبني يستحقّ الطاقة التي سأستهلكها عليه؟ هل هذه الحياة التي أريدها حقًا؟

 

 

٤٤: يمكن أن تتحول المتعة إلى عقاب

“حين تراودك فكرة لذة ما، كما هو الحال مع أي فكرة أخرى، احذر من أن تنجرف خلفها. دعها تنتظر فعلَك، امنح نفسك لحظة توقف. ثم استحضر في ذهنك حالتين: الأولى حين استمتعت بهذه اللذة، والثانية حين ندمت عليها وكرهت نفسك بسببها. ثم قارن بينهما وبين الشعور بالفخر والرضا عن نفسك حين تمتنع عنها تمامًا. وإن بدا لك أن الوقت مناسب للانغماس فيها، فلا تنخدع براحتها وحلاوتها وجاذبيتها، بل ضع في ميزانك أمرًا يفوق كل ذلك—شعورك بالقوة بعد أن تسيطِر عليها.” — إبيكتيتوس، دليل الحياة، 34

 

يشير إبيكتيتوس إلى الندم بعدَ المتعة. أتعرف شعورك عندما تقطع شوطًا طويلا في دايت أو الامتناع عن السكر ثم يأتي يوم وتُقنعك نفسك بأكلِ قطعة دونت واحدة، ثمّ تصبح اثنين وثلاثة حتّى تمتلئ. فيخالجك شعور الندم وكره الذات في اليومِ التالي وتجبر نفسك على مضاعفة التمارين ثم يسوء حالك أكثر فأكثر.

 

 

٤٥: فكر قبل أن تتصرف

“أن تكون حكيمًا هو أمر واحد—أن تثبّت تركيزك على عقلك، فهو الذي يقود كل شيء، في كل زمان ومكان.” — هيراقليطس، نقلاً عن ديوجين لايرتيوس، سير الفلاسفة البارزين، 9.1

 

عقلك هو المتحكم، وليس عواطفك، وليس أحاسيسك الجسدية. استوعب هذا الكلام جيّدًا، العقلَ هوَ الذي يجب أن يتحكّم فيك.

 

 

٤٦: الأحلام السيئة فقط

“صفِّ ذهنك، وأحكِم سيطرتك على نفسك، وكما يستفيق المرء من حلم مزعج فيدرك أنه لم يكن سوى وهم، استيقظ أنت أيضًا، وانظر إلى الواقع من حولك، فهو ليس إلا كالأحلام.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 6.31

 

في أحلامنا وكوابيسنا، لا نتسائل عن منطقية الأحداث، بل ردات فعلنا تكون حقيقية تمامًا. رغمَ أنّ الحلم هوَ نتاج العقل، خيال. وفورَ استيقاظك، تكتشف مدى سخافته. نوبات الغضب والخوف في العالم الحقيقي تتبع نفس النهج، ما هيَ إلّا نتاج عقلنا، فاستيقظ قبلَ أنْ تقترف شيئًا سيئًا.

 

 

٤٧: لا تجعل الأمور أصعب مما ينبغي

“إذا سألك أحدهم كيف تكتب اسمك، هل ستصرخ بكل حرف؟ وإن غضب، هل سترد عليه بالغضب؟ ألن تهجئه له بلطف؟ إذن، تذكر في الحياة أن واجباتك ليست سوى سلسلة من الأفعال الفردية. ركّز على كل منها كما تؤدي واجبك … وأكمل مهمتك بهدوء ومنهجية.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 6.26

 

الحياة (ووظيفتنا) صعبة بما فيه الكفاية. دعونا لا نجعلها أصعب من خلال الانفعال بشأن أمور تافهة أو الخوض في معارك لا نهتم بها حقًا. حتّى لو كُنتَ على خلافٍ، وكُنتَ تكره مديرك أو زميلك، ففي النهاية عليكَ تأدية العمل الذي يفوّضونه لك. انظر للأمورِ بشكلٍ موضوعي.

 

 

٤٨: عدو السعادة

“من المستحيل الجمع بين السعادة والرغبة فيما لا نملك. فالسعادة مكتفية بذاتها، وكالشخص الشبعان، لا ينبغي أن يكون فيه جوع أو عطش.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.24.17

 

“عندما أصبح غنيًا، سأكون سعيدًا. عندما أتزوّج، سأشعر بالرضى والامتنان.”

كما يسمّيها العلماء: السعادة المشروطة. هيَ في عيونِ الشخصِ العطش كسرابٍ في صحراء لن يَصِلَ إليها طوالَ مّشيِه. الحلّ هوَ اختيار اللحظة الحالية والعيش في سعادة وامتنان، وعدم ربط سعادتنا بممتلكات وأشياء خارجية، فالسعادة تنبع من الداخل.

 

٤٩: الاستعداد للعاصفة

“هذا هو الرياضي الحقيقي—ذاك الذي يخوض تدريبًا صارمًا ضد التصورات الزائفة. اثبت في موضعك، أنت الذي تعاني، ولا تدع تصوراتك تختطفك! إنها معركة عظيمة، ومهمة سامية—أن تبلغ السيادة على نفسك، والحرية، والسعادة، والسكينة.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 2.18.27-28

 

بدونِ خطّة سابقة وجاهزية، سنكونُ عُرضة للأحداث الخارجية والداخلية. وكيف ستواجه العاصفة إذا لم تبني لنفسك مأوىً يحميك؟ ميزتك هيَ القابلية للاستعداد ضدّ أيّ مخاطر خارجية.

 

 

٥٠: مأدبة الحياة

“تذكر أن تتصرف في الحياة كما لو كنت في مأدبة. فإن وصلت إليك إحدى النِعم، فمد يدك وخذ نصيبًا معتدلًا. وإن لم تصلك، فلا تسرع بإيقافها. وإن لم تأتِ بعد، فلا تتحرّق شوقًا إليها، بل انتظر حتى تحين لحظتك. تصرف بهذه الطريقة مع الأبناء، والزوجة، والمناصب، والثروة.” — إبيكتيتوس، دليل الحياة، 15

 

كلّما اخذتك الحماسة في الحصولِ على ما تريد دونَ الاهتمام بالطريقة، وحتّى لو كانَ إقتلاعها من بينِ يديّ شخصٍ آخر، فأنتَ كما قالَ إبيكتيتوس، تمدّ يدكَ وتأخذُ الصحنَ من الطرف المقابل من المائدة، وهذا غيرُ أخلاقي.

يفضّل، وعندَما يدعونك للمائدة، احمدِ الله على الأصناف الموجودة (الامتنان)، واستمتع بوجودها أمامك (عيش اللحظة، الآن)، وبعدَ انتهائك من الأكل، ساعد المضيف في التنظيف (عدم الأنانية). واحرص أن تردّ الجميلَ بأنْ تدعوهم لمائدة مماثلة في المرة القادمة (فعل الخير والتبرّع).

 

 

٥١: العرض الكبير للرغبة

“لصوص، فاسقون، قتلة، وطغاة—تأملوا متعتهم المزعومة!” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 6.34

 

بعدَ العودة لعدّة مصادر، اكتشفت المعنى من هذا الاقتباس هوَ أنّ نفكّر أولًا وقبل الخوض في ملذاتنا. ليسَ كلّ الملذات سيئة ولكن ما تحوّل لإدمانٍ منها قد يسمّى سيء. لا تحكم على الآخرين وكُن صارمًا مع نفسك.

 

 

٥٢: لا تتمنى، ولا ترغب في شيء

“تذكر أن الرغبة في الثروة والمنصب ليست وحدها ما يفسد الإنسان ويستعبده، بل كذلك الرغبة في السلام، والراحة، والسفر، والتعلم. لا يهم ما هو الشيء الخارجي، بل القيمة التي نمنحها له هي ما تجعلنا عبيدًا له … حيثما وُجِهت قلوبنا، هناك سيكون قيدنا.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 4.4.1-2

 

عدم الرغبة في أي شيء يجعل المرء لا يقهر

عندما يتعلق الأمر بأهدافك والأشياء التي تسعى لتحقيقها، اسأل نفسك: هل أنا أتحكم فيها أم هيَ تتحكم فيني؟

 

 

٥٣: ما هو أفضل، بقي غيرُ مُقال

“كان كاتو يمارس فن الخطابة القادر على تحريكِ جماهير، مؤمنًا بأن الفلسفة السياسية السليمة، كأي مدينة عظيمة، ينبغي أن تحافظ على الروح القتالية. لكنه لم يُرَ قط وهو يتدرب أمام الآخرين، ولم يسمعه أحد وهو يراجع خطبه. وحين قيل له إن البعض يلومونه على صمته، أجاب: ‘خيرٌ لهم أن لا يلوموا حياتي. لا أنطق بكلمة إلا عندما أتيقن أن ما سأقوله ليس أفضل لو بقي غير مُقال.’” — بلوتارخ، كاتو الأصغر، 4

 

من السهلِ الاندفاع، والتصرّف ولكنْ من الصعب التوقّف والتفكّر ما أنا بفاعل؟ هل هذا ما يجب اتّخاذه؟ لما لا أحَلّل الموقف أولًا؟

القاعدة الرابعة في قواعد السطوة، قٌل أقلّ من الضروري. لأنّ الكلام الكثير يقلّل من هيبتك، ويعرّضك لخطر زلّة اللسان أو التفوّه بشيءٍ أحمق.

 

 

٥٤: الظروف لا تهتم بمشاعرنا

“لا ينبغي أن تمنح الظروف سلطة إثارة غضبك، فهي لا تبالي بك على الإطلاق.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 7.38

 

انفعالك وغضبك في موقف معيّن لن يؤثّر إيجابيًا، لأنّ الظروف لا تهتم لمشاعرك وقلقك. هيَ ظروفٌ فقط، وليستْ بشرًا. لا تجعلها المتحكمة. انظر لظروفك بشكلٍ موضوعي، كما قالَ كاني ويست: It Just Is and We Just Are.

 

 

٥٥: المصدر الحقيقي للأذى

“تذكر أن من يؤذيك ليس من يناصبك العداء أو يوجه لك الإهانة، بل الضرر الحقيقي ينشأ من تصديقك لهذه الإهانة ومنحها قيمة. لذا، حين يستثيرك أحدهم، اعلم أن مصدر غضبك هو رأيك أنت. فليكن رد فعلك الأول ألا تنساق وراء هذه التصورات، فمع مرور الوقت، يصبح ضبط النفس أسهل منالًا.” — إبيكتيتوس، دليل الحياة، 20

 

إن ردًّ فعلنا هو ما يقرر ما إذا كان الضرر قد حدث. بالفعل إذا شعرنا بأننا تعرضنا للظلم وغضبنا، فبالطبع سيبدو الأمر كذلك. إذا رفعنا صوتنا لأننا نشعر بأننا نتواجه، فمن الطبيعي أن تحدث مواجهة. كلّها تعتمد على تفسيرك للموقف.

فلماذا لا تختار عدم الرد والتفسير الحسن؟

 

 

٥٦: دخان وغبار الأسطورة

“استحضر في ذهنك قائمة بأولئك الذين استبد بهم الغضب والحنق—حتى أولئك الذين اشتهروا بالنجاح أو الفشل أو الشر أو العظمة. ثم اسأل نفسك: ما كانت النتيجة؟ لا شيء سوى دخان وغبار، مجرد حكايات وُلدت لتكون أساطير زائفة…” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 12.27

 

في النهاية، سوف يموت كل منا ببطء وسوف يُنسى. يجب أن نستمتع بهذه الفترة القصيرة التي لدينا على الأرض – وليس أن نستعبد للعواطف التي تجعلنا بائسين وغير راضين.

لا يهمّ قوة الشخص الذي أمامك، ففي النهاية سيدفن ويُنسى. يذكرنا ماركوس أوريليوس بالاستمتاع بحياتنا لأنّها قصيرة وقريبًا سنُدفن جميعنا.

 

 

٥٧: لكلّ منا ما يناسبه

“أذاقني أحدهم ظلمًا؟ فليكن شأنه، فهو يتصرف وفق طبيعته ووفق شؤونه الخاصة. أما أنا، فما أملكه الآن هو ما أرادته الطبيعة الكونية، وما أسعى إليه الآن هو ما تمليه عليَّ طبيعتي الخاصة.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 5.25

 

ابراهام لينكولن حينما يغضب من شخص يكتب رسالة تحتوي كلّ ما يغضبه من ذلك الشخص ويخاطبه مباشرةً ولكنّه لا يرسلها. لا يمكن لشيء أنْ يُغضبك، إلّا بإرادتك. اختر راحةَ بالك على الغضب في وجيههم. فكمْ من مرّةٍ تفوهتَ بكلامٍ ندِمتَ عليه؟ رسائلَ تمنّيتَ لو بلعتكَ الأرضَ بعدَ أن أرسلتها؟

 

 

٥٨: تنمية اللامبالاة حيث ينمو الشغف لدى الآخرين

“كل الأشياء تنقسم إلى ثلاثة أصناف: الخير، والشر، وما هو بينهما. فالخير هو الفضائل وكل ما يشارك فيها، والشر هو الرذائل وكل ما يخضع لها، أما الأمور المتوسطة بين الفضيلة والرذيلة، فهي تشمل الغنى والفقر، والصحة والمرض، والحياة والموت، واللذة والألم.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 2.19.12-13

 

فلتنظر لكلّ الأشياءِ الصغيرةِ بالنسبة لك، ولكنّها كبيرةٌ بالنسبةِ للآخرين. ثروتهم، عملهم، علاقاتهم، غضبهم، حسدهم وجميع الصفات السيئة. في الجهةِ الأخرى أنتَ تعلم قيمةَ الهدوء والنظر لكلّ الأمور بشكلٍ موضوعي. فلا تلوّنُ مشاعركَ اختياراتك في أسوأ الظروف، بل وبكلّ هدوء، تعرفْ ما هوَ الصواب لأنّك تستخدمُ عقلكَ الحاكم، ولا تستخدم عواطفك وأحاسيسك.

 

 

٥٩: عندما تفقد السيطرة

“الروح تشبه وعاء الماء، والتصورات أشبه بأشعة الضوء الساقطة عليه. عندما يضطرب الماء، يبدو كأن الضوء نفسه يتحرك، لكنه في الواقع ثابت. وهكذا، حين يفقد الإنسان توازنه، لا تتأثر مهاراته وفضائله ذاتها، بل النفس التي تحملها، وحين تهدأ النفس، يعود كل شيء إلى حاله.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.3.20-22

 

عندما تفقد السيطرة توقّف لوهلة واستجمع افكارك واعتذر. ليسَ للشخص الذي أمامك، بل أعتذر حتّى تخفّف على نفسك العبء. وستجد نفسكْ تعودُ ومعكْ قوّة عقلك الحاكم، والفلسفة التي تعلّمتها خلالَ فترة حياتك. ففقدانُ السيطرة لا يعني النهاية.

 

 

٦٠: لا يمكنك دائمًا الحصول على ما تريد

“عندما يُدخل الأطفال أيديهم في جرة مليئة بالحلوى، لا يستطيعون إخراج قبضاتهم الممتلئة ويبدأون في البكاء. أسقط بعض الحلوى، وستتمكن من إخراج يدك! اكبح رغباتك، ولا تتعلق بالكثير من الأشياء، وستحصل على ما تحتاجه.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.9.22

 

يقصد إبيكتيتوس أن نركّز ونحدّد الأولويات. درب نفسك على سؤال: هل أحتاج هذا الشيء؟ أم يمكنني الاستغناء عنه؟ الاشياء غير الضرورية ستجعلك مشغولًا بعيدًا عن توازن الحياة وطريقك للسعادة.

 

 

 

الوعي

٦١: أينما تبدأ الفلسفة

“الخطوة الأهم في الفلسفة تبدأ من هنا: الإدراك الواضح للمبدأ الذي يحكم نفسك.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 1.26.15

 

يقول إبيكتيتوس إن المرء يصبح فيلسوفًا عندما يبدأ في التشكيك في المشاعر والمعتقدات وحتى اللغة التي يعتبرها الآخرون أمرًا مسلمًا به. يُعتقد أن الحيوان لديه وعي ذاتي عندما يكون قادرًا على التعرف على نفسه تمامًا في المرآة. ربما يمكننا القول إننا نبدأ رحلتنا في الفلسفة عندما ندرك القدرة على تحليل عقولنا الخاصة.

 

 

٦٢: تقييم ذاتي دقيق

“قبل كل شيء، من الضروري أن يكون لدى الإنسان تقدير صادق لنفسه، إذ إننا غالبًا ما نعتقد أننا قادرون على أكثر مما نطيق.”— سينيكا، عن هدوء العقل، 5.2

 

من أساسيات وعي الذات هوَ الإقرار بنقاطِ ضعفنا وعيوبنا. احكم على نفسك بدقّة وصدق، واعرف ما انت قادرٌ عليه، وكيفَ تستطيعْ تطويرَ نفسك للاستفادة من قدراتك الخامدة.

 

 

٦٣: (عدم) التكامل

“لا يجتمع هذان الأمران أبدًا—إما أن تكون إنسانًا موحدًا، خيرًا أو شريرًا. إما أن تعمل بجد على تهذيب عقلك، أو أن تنشغل بما لا يقع تحت سيطرتك. ركز على الداخل لا على الخارج، أي أن تقف مع الفيلسوف، أو أن تسلك طريق العامة!” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.15.13

 

لدينا خيار: أن نقف مع الفيلسوف ونركز بشدة على الداخل، أو أن نتصرف مثل زعيم الحشد، ونصبح أي شيء يحتاجه الجماهير في لحظة معينة. إذا لم نركز على تكاملنا الداخلي – الوعي الذاتي – فإننا نخاطر بالتفكك الخارجي.

 

 

٦٤: الوعي هو الحرية

“الإنسان الحر هو من يعيش كما يشاء، غير مكره، غير معرقل، وغير مقيد—ذلك الذي لا تعيق اختياراته، وتتحقق رغباته، ولا يقع فيما ينفر منه. فمن يرغب في أن يعيش في الوهم—متخبطًا، مخدوعًا، مضطربًا، شاكيًا، عالقًا في روتين؟ لا أحد. هؤلاء هم الضعفاء، الذين لا يعيشون كما يريدون؛ ولهذا، فلا أحد منهم حر.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 4.1.1-3

 

تحدّثَ سينيكا عن أنّ الناسَ غالبًا ما يكونونَ مُستعبدينَ لشيء. أيّ يفعلونَ المستحيل لأجلِ إشباعِ رغباتٍ ليستْ ضرورية. فتجدهم عبيدًا لأموالهم، مناصبهم، حتّى لعلاقاتهم خارجَ الزواج. ربّما نقعُ في هذا الخطأِ أيضًا، فتجدنا نُركّز على أشياءَ لا تصنِعُ فارقًا في حياتنا، بل تضيّعُ أغلبَ وقتنا. فكّر في حرّيتك، هل أنتَ حرٌ أم هذي الأشياءِ هيَ سيّدتك؟

 

 

٦٥: التقليل من الأشياء الباهظة الثمن

“أما عن الأمور التي نسعى وراءها ونجتهد في تحقيقها، فلنتأملها مليًا—إما أنها عديمة الفائدة، أو أن أغلبها ليس ذو قيمة كبيرة. بعضها فائض عن الحاجة، وبعضها لا يستحق العناء. لكننا لا ندرك ذلك، بل نعاملها كما لو كانت مجانية، بينما هي تكلفنا الكثير.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 42.6

 

الاشياء غير الضرورية تكلّفك أموال أنت بحاجة إليها في أماكن أخرى. تدفعُ على الشيء المجاني بالمساحة التي ستأخذها هذه الأشياء، والعبء العقلي في تحمّل وجودها وهيَ لا تفيدُ في شيء.

اسأل نفسك: هل أنا بحاجةٍ إلى هذه؟ ما قيمته الحقيقة؟ وماذا يكلّفني بالضّبط؟

 

 

٦٦: لا تحكي قصصًا عن نفسك

“في الأماكن العامة، تجنّب الحديث المتكرر والمفرط عن إنجازاتك ومخاطر حياتك، فمهما كان استمتاعك بسرد تجاربك، فلن يكون ذلك ممتعًا للآخرين بقدر ما تظن.” ****— إبيكتيتوس، دليل الحياة، 33.14

 

لا يهتّم الناس بمغامراتك في سنينِ الجامعة ولا يهتمونَ لقصصك. بالنسبةِ لهم هذا أمرٌ مزعج وممل وفيه هوَسٌ بالذات. ربما تشعر بالسعادة عندما تشعر بسيطرتك على المحادثة وجعلها تدور حولك بالكامل. وبالنسبة للأخرين؟ لا يهتمّونَ البتّة. اجعل المحادثة تدور حولَ الطرف الآخر، وكن المستمع الجيّد.

 

 

٦٧: لا تثق في الحواس

“أطلق هيراقليطس على خداع النفس اسم المرض الرهيب، وعلى البصر وصف الحاسة الخادعة.” — ديوجين اللايرتي، حياة الفلاسفة العظماء، 9.7

 

حواسنا غالبًا ما تكون خاطئة، وعواطفنا مزعجة بزيادة، وتوقعاتنا متفائلة، فلا تتسرع للتوصل إلى الاستنتاجات حولَ أيّ شيء. تمهّل قبلَ أنْ تحكم.

 

 

٦٨: لا تتنازل عن حريتك عن غير قصد

“لو قام شخص ما بمنح جسدك لغريب يمرّ في الطريق، لانتفضت غضبًا، ومع ذلك، أنت تسلّم عقلك لكل من يصادفك، ليعبث به، فيجعله قلقًا ومضطربًا—ألا تشعر بالخجل من ذلك؟” — إبيكتيتوس، دليل الحياة، 28

 

في العمل، ننشغل بهواتفنا أو ننضم لزملائنا في النميمة. نعيرُ انتباهًا لكلّ من سيسبّب لنا القلق والغضب. مع عوائلنا تجدنا نستخدم هواتفنا، وعندما نتنزّه، نحكُم على المارّ والقادم.

عقلك ملكك، حافظ على سيطرتك عليه وإدراكك ولا تدع الآخرين يؤثّرونَ عليه.

 

 

٦٩: اعثر على المشهد الصحيح

“احذر، قبل كل شيء، من أن تبقى مرتبطًا بأصدقائك ومعارفك السابقين إلى درجة تجعلك تنحدر إلى مستواهم. إن لم تفعل، فسيكون مصيرك الفشل… عليك أن تختار بين أن تحظى بمحبة هؤلاء الأصدقاء وتظل كما أنت، أو أن تصبح شخصًا أفضل حتى لو كان ذلك على حسابهم… فإذا حاولت الجمع بين الأمرين، لن تحقق تقدمًا ولن تحافظ على ما كنت عليه.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 4.2.1؛ 4–5

 

لن تتقدّم وتتطوّر في حياتك وتبقى نفس الشخص. أصدقائك ومعارفك سيكونوا ضدّ تغييرك لأنّهم لا يريدون أن يموتَ الشخص الذي يعرفونه. اعرف من تقضي وقتك معه، هل يجعلك هذا الشخص أفضل؟ أمْ يسحبكَ إلى مستواه.

“من الصالحين تتعلم الخير، لكن إن خالطت الأشرار، ستُفسد ما تبقى من نفسك.” — موسونيوس روفوس، مقتبسًا عن ثيوجنس الميغاري، المحاضرات، 11.53.21–22

 

 

٧٠: ابحث عن كاتو لنفسك

“يمكننا تجنب معظم الأخطاء إذا كان هناك شاهد علينا عند ارتكابها. فالروح تحتاج إلى شخص تحترمه، تتخذ منه مثالًا يحتذي به، ليحفظ نقاءها الداخلي. سعيدٌ هو ذلك الشخص الذي يستطيع إلهام الآخرين، ليس فقط عند حضوره، بل حتى في غيابه، بمجرد أن يتذكروه!” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 11.9

 

من هوَ الشخص الذي بمجرّد تفكيرك فيه، يدفعك لفعلِ الشيء الصحيح وتجنّب ما هوَ خاطئ؟ إن كانَ لديكَ مثلٌ أعلى تستفيدُ من تذكّره، فاجعلهُ دائمًا في بالك وفي كلّ قرارٍ تتخذه، كما لو كانَ معك.

الله سبحانهُ وتعالى دائمًا ما يراقبنا، ضع في قلبك أنّ كلّ خطوةٍ تخطوها في سبيلِ رضى الله عنك.

 

 

٧١: العيش بلا قيود

“الإنسان الحر هو من يفعل ما يريد في كل الأحوال. أما من يُمنع أو يُجبر أو يُدفع إلى فعل شيء ضد إرادته، فهو عبد.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 4.1.128

 

الامتنان لكلّ ما تمتلكه الآن وعدم رغبتك في أيّ شيءْ آخر لهوَ فوزٌ وسلام داخلي لا يُشترى بأغلى الأثمان.

 

 

٧٢: رؤية الأشياء كما يراها الشخص المخطئ

“عندما يسيء إليك أحد، فكر فورًا في المفهوم الذي يحمله عن الخير والشر والذي دفعه لذلك. فعندما تفهم ذلك، ستشعر بالشفقة بدلًا من الغضب أو الدهشة. ربما كنت أنت نفسك تحمل مفاهيم مشابهة، وعندها ستجد مبررًا لما فعله. أما إن كنت قد تجاوزت تلك المفاهيم، فستكون أكثر تسامحًا مع خطئه.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 7.26

 

لا أحد يعتقد أنه مخطئ، حتى عندما يكون كذلك. إنهم يعتقدون أنهم على حق، لكنهم تسببوا بغلط بسيط فقط، وسيقولونَ أنّهمُ سوء فهم.

ديل كارنيجي في كتابه كيف تكسب الاصدقاء وتؤثر في الناس تحدّث بالتفصيل عن أنّ الطبيعة البشرية ترفض أن توجّه عليها اصابع الاتهام والإشارة على أنّها مخطئة. فكلٌّ يرى نفسه على صواب، حتّى عندما يُخطئ. ضع نفسك في حذاء الآخرين وابني تعاطفًا معهم لتفهم الدوافع والأسباب التي تدفعهم للتصرف بمثلِ هذا التصرف.

 

 

٧٣: ذات يوم سوف يصبح لكل شيء معنى

“كلما وجدت نفسك تلقي باللوم على القدر، أعد النظر في الأمر، وستدرك أن ما حدث يتماشى تمامًا مع المنطق.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.17.1

 

أفعالك وتصرفاتك اليوم قد تبدو بلا معنى. لكنْ غدًا وفي المستقبل ستبدأ بتوصيل النقاط واكتشاف أن أفعال الماضي كانتْ لابدّ لتشكّل الحاضر (الذي كانَ مستقبلك).

 

 

٧٤: خداع الذات هو عدونا

كان زينون يقول دائمًا: لا شيء يعوق الفهم السليم أكثر من خداع النفس.” — ديوجين اللايرتي، حياة الفلاسفة العظماء، 7.23

 

الإيقو سيلعب ضدك ظنًّا أنهُ مثالي. لا وجود للمثالية في عالمنا وافهم ذلك. اعطي الحرية لنفسك في الوقوع في الخطأ والتعلم من تجاربك الفاشلة. يقولُ إبيكتيتوس أنّ من المستحيل للشخص أن يتعلّمَ ما يعتقد أنّهُ يعرفه. تجنّب شعورَ المثالية والعظمة الزائف، وأنّكَ عبقريٌ أفضلَ من الآخرين.

 

 

٧٥: الحاضر هو كل ما نملك

“حتى لو امتد عمرك لثلاثة آلاف عام، أو أكثر من ذلك بلا حدود، تذكر أن لا أحد يفقد حياةً سوى تلك التي يعيشها الآن، ولا أحد يعيش حياةً سوى تلك التي يوشك على فقدانها. فالأطول عمرًا والأقصر، كلاهما يملك الشيء ذاته—اللحظة الحالية، والتي هي كل ما يمتلكه أي شخص. لا أحد يفقد الماضي أو المستقبل، إذ كيف يمكن أن تفقد شيئًا ليس ملكك؟” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 2.14

 

قوة الآن. الماضي والمستقبل ليسا موجودان في هذه اللحظة. والتفكير في المستقبل بدلَ العيش في الحاضر يسبب القلق والخوف من المجهول. والتفكير في الماضي لا يولّد إلّا الندم على أشياء فاتت وماتت. أخطاء لن تستطيع تصحيحها. عش معها وتقبّلها.

 

 

٧٦: ذلك الجزء المقدس منك

“اجعل لقدرتك على الفهم قدسيةً خاصة. ففيها يكمن كل شيء، إذ إن العقل الحاكم لا يسمح بدخول أي شيء يتعارض مع الطبيعة أو مع طبيعة الكائن العاقل. فهذه القدرة هي التي تتطلب الاجتهاد، والاهتمام بالآخرين، وطاعة الإله.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 3.9

 

من درجات النضج العالية هيَ التحكّم بما هوَ مسموحٌ لهُ التأثير عليك من الخارج. لديكَ العقلَ والحكم لتعرف كيفَ تُحسّن بيئتك ونفسك وتُصبحَ شخصًا أفضل. فالخيارُ بينَ يديك، ما النعمة التي تُريدها أكثرَ من ذلك؟

 

 

٧٧: جمال الاختيار

“أنت لست مجرد جسد أو تسريحة شعر، بل أنت قدرتك على اتخاذ الخيارات الجيدة. فإن كانت اختياراتك جميلة، فستكونُ أنتَ كذلك.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.1.39

 

في فلم فايت كلوب قالَ الراوي: “أنت لست وظيفتك، ولست مقدار المال الذي لديك في البنك. أنت لست السيارة التي تقودها. أنت لست ما تحتويه محفظتك.” إبيكتيتوس لم يشاهد الفلم ولكنْ من الواضح أنّ في روما القديمة وُجدت نفسُ مفاهيم الاستهلاك في عالمنا الحاضر.

 

 

٧٨: مستحيل بدون موافقتك

اليوم، هربتُ من وطأة الظروف، أو بعبارة أدق، لقد ألقيت بها جانبًا، لأن العبء لم يكن في العالم الخارجي، بل في تصورات ذهني عنها.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 9.13

 

لا أحد يمكنه إحباطك، ولا عمل سيؤثّر عليك. فكلّها أشياء خارجية لا تستطيع الوصول لعقلك إلّا بموافقتك. المشاعر والعواطف التي تراودك، هيَ حقيقية ولكنْ منبعها ومولدها من الداخل وليسَ الخارج. وتولّد المشاعر عن طريقِ تفسيرنا للموقف.

لا يمكنك إلقاء اللوم على شخص لأنّهُ جعلكَ تغضب أو توتّر. إذ هذا كلّه ما ولّدتهُ في ذهنك بسبب افتراضاتك وتفاسيرك.

 

 

٧٩: حكمة لا تتأثر بالزمن

“هناك قاعدتان يجب أن تبقى على أهبة الاستعداد لهما: لا يوجد شيء جيد أو سيئ خارج نطاق اختيارك العقلاني، ولا ينبغي لك أن تحاول قيادة الأحداث بل أن تسير معها.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.10.18

 

“سبب انزعاجي ليس في هذا الشخص بل في داخلي.”

الانزعاج هوَ شيء داخلي وليسَ بسبب أشخاص ليسوا نحن. فالخيارُ بينَ يدينا. الانزعاج أو مفهومنا عن الشخصِ الذيَ آذانا. فنحنُ من نختارُ الغضبَ من الشخصِ أو مسامحته أو تجاهله، وكلّ واحدة تُنتج شعورًا مُختلفًا.

 

 

٨٠: جاهز وفي المنزل

“قد أتمنى أن أكون بعيدًا عن العذاب، لكن إن كان لا بد لي من تحمله، فسأتمنى أن أواجهه بشجاعة وشرف. هل كنت لأفضل تجنب الحرب؟ نعم، لكن إن وقعت، فسأتمنى أن أتحمل بشرف جراحها، وجوعها، وكل ما تستلزمه. ولست أحمقًا بحيث أتمنى المرض، لكن إن اضطررت لتحمله، فسأحرص على ألا أفعل شيئًا طائشًا أو مخزيًا. الفكرة ليست في تمني وقوع المصائب، بل في امتلاك الفضيلة التي تجعلنا نتحمّلها.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 67.4

 

لا نتمنّى الأوقات الصعبة التي ستحطّمنا ولكنّنا نتمنّى القوة لتحملّها. لن نهرب من ما ترميه الحياةُ علينا ولكنّنا مستعدّينَ وبكلّ نُبلٍ وفخر بتحمّلها.

 

 

٨١: أفضل ملاذ هو هنا، وليس هناك

“الناس يبحثون عن ملاذٍ في الريف، أو عند البحر، أو في الجبال. وأنت، كثيرًا ما تتوق إلى مثل هذه الأشياء. لكن هذا أمرٌ سخيف، إذ يمكنك أن تجد هذا الملاذ في داخلك في أي لحظة. فلا يوجد ملاذ أكثر هدوءًا وأقل ازدحامًا من روحك، خاصةً إذا كنت قد نظمتها جيدًا. امنح نفسك هذا السلام الداخلي باستمرار، وستجد التجدد.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 4.3.1

 

السلام الداخلي ليسَ بالتحديد في السفريات والبُعد عن الناس وزحمة المدينة. فالبعض يسافر لجزيرة بعيدة عن موطنه، مُتعذّرًا بأنّها مكانُ راحته وصفاء ذهنه. ماركوس أوريليوس يقول أنّ السلام والسكينة هي في داخلك، لا ضرورة للبحثِ عنها في الخارج.

 

 

٨٢: علامة التعليم الحقيقي

“ما معنى أن يكون الإنسان متعلمًا حقًا؟ إنه أن يتعلم كيف يطبّق تصوراته الفطرية على الأمور الصحيحة وفقًا للطبيعة، وأن يميز بين ما يقع ضمن إرادته وما لا يقع ضمنها.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 1.22.9–10

 

كلّ شخص يستطيع الحصول على شهادة جامعية، ولكنّها ليستْ علامة تدلّ على أنّ الشخصَ متعلّم. الوعي والإدراك بما يحصل في حياةِ الشخص هيَ الخطوة الأساسية والمؤشّر الذي يدلّ على أنّ هذا الإنسان قدْ سلكَ طريقَ العلم.

 

 

٨٣: الروح المقيدة

“أمراض الروح العاقلة هي الرذائل العميقة والمتجذرة مثل الجشع والطموح—لقد كبّلت الروح وبدأت تتحول إلى شرور دائمة داخلها. وباختصار، هذا المرض هو تشويه مستمر للحكم، حيث تصبح الأمور التي تستحق رغبة معتدلة هدفًا للملاحقة بشغف مفرط.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 75.11

 

الطمع يغيّر طبعَ الإنسان ويملؤُهُ غرور وثفة في غيرِ محلّها. فاتّباعكْ لطمعِ شهواتك وجشعك كما يعرف أيّ عاقل، لن يؤدّي بكَ إلى طريقٍ أنتَ ترجاه.

 

 

٨٤: هناك فلسفة في كل شيء

“كل كما يأكل الإنسان، واشرب كما يشرب الإنسان، وارتدِ الملابس، وتزوج، وأنجب أطفالًا، وانخرط في الشأن السياسي—تحمل الإساءة، وتعامل مع الأخ العنيد، والأب، والابن، والجيران، والرفاق. أرِنا هذه الأمور حتى نرى أنك تعلمت حقًا من الفلاسفة.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.21.5–6

 

هذا ما يعنيه إبيكتيتوس بدراسة الفلسفة. ادرس، نعم، ولكن اذهب وعِش حياتك أيضًا. إنها الطريقة الوحيدة التي ستفهم بها فعليًا ما يعنيه أي شيء. والأهم من ذلك، أنه من خلال أفعالك واختياراتك بمرور الوقت فقط سيكون من الممكن معرفة ما إذا كنت قد أخذت أيًا من التعاليم على محمل الجد. طبّق واستفد من ما تعلّمتْ.

 

 

٨٥: الثروة والحرية مجانيان

“الحرية لا تتحقق بإشباع الرغبات، بل بالتخلي عنها.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 4.1.175

 

الثراء في عيونِ الرواقيون يكمُن في رغبة الاشياء التي لديكَ الآن، وليسَ الرغبة في ما لا تملكه. نفس الشيء بالنسبةِ للحرية، فكلّما حاربت لتحصل عليها فلن تصبح حرّا. لكن جِدِ الحرّية التي في داخلك، والتي لديكَ الآن.

 

 

٨٦: ما الذي يحكم عقلك الحاكم؟

“كيف يدير عقلك الحاكم نفسه؟ ففي ذلك يكمن مفتاح كل شيء. أما ما تبقى، سواء كان ضمن إرادتك أو خارجها، فهو مجرد جثة ودخان.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 12.33

 

بعدَ تلقيكَ لفلسفة الرواقية، لا تتوقف هنا، بل افهم كيفَ يتصل جسدك وعقلك سويًا وكيفَ يعملانِ معًا. افهم الطريقة التي يعمل بها دماغك، والوظائف في جسدك، حتّى تكونَ على وعيٍ ودراية وتستغلّها في عيشِ الحياة التي تُريدها.

فحينَ اكتشفتُ أنّ العادات تُبنى بكلّ سهولة، بدأتُ املأُ يومي بالمهامّ الصعبة التي سأتكاسل عنها لو فعلتها من أسبوع إلى أسبوع.

 

 

٨٧: ادفع ما تستحقه الأشياء

قال ديوجينس من سينوب “: نبيع الأشياء الثمينة مقابل ما لا قيمة له، ونفعل العكس كذلك.” — ديوجين لايرتيوس، حياة الفلاسفة البارزين، 6.2.35

 

من غيرِ العدل أن تعطّي ما تسمّيه صديق جلّ وقتك وهوَ في المقابل لا يقدّر صداقتكما، فهذه مقايضة فاشلة. الدفع لما تستحقه الاشياء لا يكون بالمال فقط، بل قد يكون بالوقت والجهد والطاقة.

في المقابل هناكَ اشياء تستحقُّ الثمن الذي تُدفع له، ادعو اللهَ أنّ يرزقكَ الوعيَ لمعرفة الفرق.

 

 

٨٨: الجبن كمشكلة تصميمية

“الحياة بلا خطة متخبطة، لكن ما إن نضع لها مسارًا، تصبح المبادئ ضرورية. وأعتقد أنك ستتفق معي بأن لا شيء أكثر خزيًا من التردد والتراجع الجبان. هذا ما سيحدث في جميع شؤوننا ما لم نزيل العيوب التي تسيطر على أرواحنا وتمنعها من التقدم وبذل الجهد الكامل.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 95.46

 

سينيكا يشجّعنا على عيشِ حياةِ منظمّة بالطريقة التي تخدمنا، والابتعاد عن العشوائية والمبادئ ضئيلة القيمة.

 

 

٨٩: لماذا تحتاج إلى إثارة إعجاب هؤلاء الأشخاص مرة أخرى؟

“إذا وجّهت إرادتك نحو أشياء خارجة عن سيطرتك فقط لإبهار الآخرين، فتأكد أنك بذلك قد دمرت هدف حياتك بالكامل. كن راضيًا بأن تكون فيلسوفًا في كل ما تفعله، وإن كنت ترغب في أن يراك الآخرون كذلك، فأثبت لنفسك أولًا أنك كذلك، وستنجح.” — إبيكتيتوس، دليل الحياة، 23

 

اقتبس من فايت كلوب مرة أخرى، “نشتري أشياء لا نحتاجها، لإبهار أشخاص لا نحبهم”. ألا يبدو هذا سخيفًا جدًا؟ ولكن أكثر من ذلك، أليس هذا هو أقصى ما يمكنك الحصول عليه من السكينة والأمان اللذين يمكن أن توفرهما الفلسفة؟

لم يأمرنا الله بأنّ نعيشَ حياةً نسعى فيها لإعجابِ الآخرين الذينَ وبنسبة كبيرة جدّا لن يقضوا ١٠ دقائق من يومهم للتفكير فيك.

 

 

٩٠: العقل في كل شيء

“اسرع إلى عقلك الحاكم، وإلى العقل الكلي، وإلى عقل جارك. إلى عقلك، لتجعله عادلًا؛ وإلى العقل الكلي، لتتذكر مكانك فيه؛ وإلى عقل جارك، لتتعلم ما إذا كان جاهلًا أو عاقلًا، مع الاعتراف بأنه مشابه لعقلك.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 9.22

 

انظر لأفعالك في الماضي، ما هوَ الدافع الخفي؟ أهوَ عقلك الحاكم؟ لا ليسَ كذلك، لأنّك كنتَ ستعرف. في الغالب هيَ تقليدٌ لمن حولنا، عاداتٌ بنيناها خلالَ سنينِ حياتنا، تصرّفات بناءً على شهواتٍ وجشع وطمع ليغذّي النفس الأمّارة بالسوء.

راجع مع نفسك أفعالك اليومية، وافعالك في الماضي وتسائل، فقط تسائل بدون أن تُصلِح كلّ شيء، سيزيدكَ وعيًا لتصحّح أغلاطك في المستقبل.

 

 

٩١: أنت نتاج تدريبك

“ملاحقة المستحيل جنون، لكن الإنسان الوضيع لا يستطيع فعل شيء آخر.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 5.17

 

الكلب الذي يُسمح له بمطاردة السيارات سيطارد السيارات. الطفل الذي لا يتم منحه أي حدود سيصبح مدللًا. المستثمر الذي لا يتمتع بالانضباط ليس مستثمرًا – إنه مقامر. العقل الذي لا يتحكم في نفسه، والذي لا يفهم قوته في تنظيم نفسه، سوف يتأرجح بين الأحداث الخارجية والدوافع غير المشكوك فيها. لا يمكن أن يكون هذا هو ما تريد أن يحدث غدًا. لذلك يجب أن تكون على دراية بذلك. يجب أن تضع التدريب والعادات الآن لتحل محل الجهل وسوء الانضباط. عندها فقط ستبدأ في التصرف بشكل مختلف. عندها فقط ستتوقف عن البحث عن المستحيل، وغير الضروري.

 

 

 

فكر غير متحيز

٩٢: لوْنُ أفكارك

“عقلك سيتخذ شكل ما تفكر فيه باستمرار، فالروح الإنسانية تتلون بهذه الانطباعات.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 5.16

 

حياتك ستصبح مسمومة وكلّ شيء تراه سيتداعى إذا ماكنتَ تحمل أفكارًا سلبية. فالأفكار تلوّن الحياة وتفسيرك للواقع مربوط بأفكارك المتولّدة من القصص التي تحكيها لنفسك. اجعل الأفكار الإيجابية هي الطاغية وسترى لون الوردة وجمالها وتشتمَّ عبيقَ رائحتها بينَ مئات الأشواك التي تحيطُ بها.

 

 

٩٣: كن حذرًا مما تسمح بدخوله

“الدراما، والصراع، والخوف، والخدر، والخضوع—تمحو هذه الأشياء يوميًا مبادئك المقدسة، كلما سمحت لعقلك باستقبالها دون تمحيص أو تركها تتسلل إليه.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 10.9

 

لديكَ القدرة في السماحِ لما يدخلْ إلى عقلك. فإنْ أتوكَ ضيوف، فلستَ مضطرًا للسماحِ لهم بالدخول وتناول وجبة العشاء. محيطك المتكوّن من ناسٍ سلبية، واستهلاكك المستمرّ للأخبارِ المفبركة، ومشاهدتك لمحتوى رديء، كُلّها تؤثّر عليكَ مع طول الزمان ودونَ أن تلحظ.

 

 

٩٤: مخدوعون ومنقسمون

“الظروف هي التي تخدعنا—يجب أن نكون متبصرين بها. نحتضن الشر قبل الخير. نرغب في عكس ما كنا نرغب فيه سابقًا. صلواتنا تتصارع مع صلواتنا، وخططنا مع خططنا.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 45.6

 

يقول الرواقيون أن هذه الحرب عادة ما تكون نتيجة لرغباتنا المتضاربة، وأحكامنا الفاسدة أو أفكارنا المتحيّزة. لماذا لا نتوقف ونسأل: حسنًا، ماذا أريد حقًا؟ ما الذي أسعى إليه بالفعل هنا؟ إذا فعلنا ذلك، فسنلاحظ الرغبات المتناقضة وغير المتسقة التي لدينا. وعندها سنتوقف عن العمل ضد أنفسنا.

 

 

٩٥: لا تدع هذا يتسلل إلى رأسك

“احرص على ألا تصبح ‘إمبراطورًا’، وتجنب وصمة السلطة. فقد يحدث ذلك لك، لذا حافظ على بساطتك، ونقائك، وصلاحك، وقداستك، واستقامتك، وكن صديقًا للعدل، خاشعًا، كريمًا، محبًا، وقويًا فيما يليق بك من عمل. جاهد كي تظل الشخص الذي أرادت الفلسفة أن تجعلك عليه. اجعل تقواك لله، واهتم بالناس من حولك. فالحياة قصيرة، وثمرتها الفضلى هي حسن الخلق والعمل لأجل الخير العام.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 6.30

 

عندَ نجاحنا في هذه الحياة القصيرة، لنتأكّدْ أنّهُ لن يغيّرنا. بل سنستمر في الحفاظِ على شخصيتنا رغم الإغراءات بعدم القيام بذلك.

كثيرٌ من المشاهير في وقتنا الحالي يستسلمونَ للإغراءات بكلّ سهولة وتتغيّر شخصيتهم بمجرّد الأموال التي دخلت في حسابهم، والشهرة التي نالوها. مثال على الشخص المتواضع الذي لم يتغيّر هوَ الستريمر كاي سينات. بتاريخ اليوم، لقد حظى بشهرة كبيرة جدًا في منصة البث المباشر تويتش، وفي نفس الوقت لم يتكبّر ولم يتغيّر على أحد.

 

 

٩٦: ثق، ولكن تحقق

“أولًا، لا تدع قوة الانطباع تسيطر عليك. قُل لها: ‘توقفي قليلًا، ودعيني أرى من تكوني ومن أين أتيتي—دعيني أختبرك’…” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 2.18.24

 

لن تخسرَ اي شيء اذا ما توقّفتَ لوهلة وفكرتَ في أفكارك الخاصة. فكّر واسأل نفسكْ عن الشخصِ الذي أمامك، هل حقًا هوَ الذي تعتقده؟ ولماذا أفعل ما أنا بفاعل حياله؟ ابني في داخلك عادة الأسئلة المباشرة تجاه كلّ موقف وقبلَ المضي قدمًا.

بهذه الطريقة وكما يقول إبيكتيتوس، سنكون أقل عرضة للانجراف او اتّخاذ انطباع خاطئ أو متحيّز. تحقّق أولًأ قبلَ أنْ تثق.

 

 

٩٧: جهز نفسك للسلبية

“عندما تنهض في الصباح، قل لنفسك: سأواجه المتطفلين، والجحود، والمتعجرفين، والكاذبين، والحاسدين، والمزعجين. إنهم جميعًا مبتلون بهذه الآفات لأنهم لا يميزون بين الخير والشر. لكنني، إذ أدركتُ جمال الخير وقبح الشر، أعلم أن هؤلاء المخطئين لا يزالون إخوةً لي… وأنه لا يمكن لأحد أن يؤذيني أو يشوه أخلاقي—كما أنني لا يمكن أن أغضب من أقربائي أو أن أكرههم، لأننا خُلقنا للتعاون.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 2.1

 

يؤمنُ الرواقيون بتوقّع الأسوأ، وعدم رفع توقعاتنا لأحداثنا اليومية. فإن فعلتَ هذا، فلن يواجهك يومٌ سيء لأنّ في نهاية الأمر، سيكون يومك أفضل من ما توقعته. (لأنّك توقّعتَ الأسوأ)

 

 

٩٨: توقع تغيير آرائك

“هناك أمران يجب اقتلاعهما من النفس البشرية—الاعتداد الأجوف بالرأي، والارتياب المفرط. فالأول يجعل الإنسان يظن أنه مكتمل المعرفة، والثاني يجعله يعتقد أنه لا سعادة تحت وطأة الظروف.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.14.8

 

كم من المرّاتِ اعتقدنا أنّنا نعرفُ بالضبطْ عن المشروع، لنتفاجئ بعدَ مدّة أنّنا في الحقيقة لا نعرفُ شيئًا عنه. وكم من شخصٍ تخيّلنا أنّنا نعرفهُ ولكنْ اتّضحَ عكسُ ذلك. يخدعُنا الإيقو بأنّنا نعرفُ أكثر من الحقيقة.

لتكونَ حكيمًا، تجنّب أنْ تكونَ متأكّدًا وعديمَ ثقة، وبالتأكيد ابتعد عن الغطرسة. لتصبح حكيمًا، كُن متواضعًا ومتسائلًا.

 

 

٩٩: تكلفة قبول المنتجات المزيفة

“حين يتعلق الأمر بالمال، حيث ندرك مصلحتنا بوضوح، فإننا نمتلك علمًا كاملًا، إذ يستخدم المختبر وسائل عدة لاختبار قيمته… تمامًا كما نولي اهتمامًا كبيرًا للحكم على الأمور التي قد تضللنا. لكن حين يتعلق الأمر بمبادئنا الحاكمة، فإننا نتهاون ونتكاسل، فنقبل أي فكرة عابرة دون أن نحسب كلفتها.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 1.20.8؛ 11

 

كما أننا نتحقق من الأموال النقدية ذات القيمة الكبيرة، علينا أيضًا أن نتحقق من أشياءَ أخرى في حياتنا، مثل أفكارنا. لا تسمحْ لأيّ فكرة أنْ تتّخذَ شكلًا ومكانةً في حياتك دونَ أنْ تتأكّدَ منها كما تتأكّد من الأموالِ المزيّفة.

 

 

١٠٠: اختبر انطباعاتك

“منذ البداية، اجعل من عادتك أن تقول لكل انطباع قاسٍ: ‘أنت مجرد انطباع، ولستَ الحقيقة التي تبدو عليها.’ ثم افحصه واختبره بمقاييسك، وأولها وأعظمها—هل يقع هذا الأمر ضمن نطاق سيطرتك أم خارجها؟ فإن كان خارجها، فلتكن إجابتك: ‘هذا لا يعنيني.’” — إبيكتيتوس، دليل الحياة، 1.5

 

نتبع حسدنا طوال الوقت، وما نشعر به، ولكن انتبه لأنَّ هذه الأحاسيس ليستْ دقيقة في غالبِ الوقت. ثِقْ، ولكنْ تحقق أولًا.

 

 

١٠١: الأحكام تسبب الاضطراب

“ليست الأحداث هي ما يُقلق الناس، بل آراؤهم عنها فحسب.” — إبيكتيتوس، دليل الحياة، 5

 

لقد ميّز الساموراي موساشي بين “عيننا المدركة” و”عيننا المراقبة”. ترى العين المراقبة ما هو موجود. وترى العين المدركة ما يُفترض أن تعنيه الأشياء. أيهما تعتقد أنه يسبب لنا أكبر قدر من الألم؟

الحدث غير حي. إنه موضوعي. إنه ببساطة ما هو عليه. هذا ما تراه عيننا المراقبة.

“هذا سوف يدمرني”. “كيف حدث هذا؟ آه!” “إنه خطأ فلان وفلان”. هذا هو عمل عيننا المدركة. جلب الاضطراب معها ثم إلقاء اللوم على الحدث.

استعمل عينك المراقبة في النظر إلى الأحداث اليومية. أيْ بدونِ إضافة تفاسيرنا الخاصة إليها.

١٠٢: إذا كنت تريد أن تتعلم، كن متواضعًا

“تخلَّ عن آراءك المتعجرفة، فليس بوسع المرء أن يتعلم ما يعتقد أنه يعرفه بالفعل.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 2.17.1

 

طريق التعلّم لا يبدأ باعتقادِ أنّكَ تعرف كلّ شيء. بل بالتواضع، وقبول أنّ هنالكَ الكثير من الأشياء التي لا تعرفها. كما يقول نسيم طالب في نظرية البجعة السوداء، الاشياء التي لا نعرفها ولا نعرف أنّنا لا نعرفها.

 

 

١٠٣: ارفض الهدايا المغرية

أتريوس: “من ذا الذي يرفض تدفق هدايا القدر؟”ثيستيس: “كل من أدركَ مدى سهولة زوالها.” — سينيكا، ثيستيس، 536

 

في أحد قواعد السطوة، يحذّرنا روبرت قرين من قبول الغداء المجّاني ويقصد به الهدايا المجّانية، لأنّ كلّ مجّاني مكلف، وفي بعضِ الأحيان يكونُ متبوعًا بمشاكل وثمن غالٍ تدفعهُ مع الأيام.

 

 

١٠٤: القليل أفضل من الكثير

“لا تفعل شيئًا بتذمر أو أنانية أو بدون إتقان، ولا لتكون مخالفًا للآخرين. لا تُلبس أفكارك زينة الكلام البراق. لا تكن ممن يكثرون الحديث أو الأفعال بلا هدف… كن مبتهجًا، مكتفيًا بذاتك، لا تعتمد على الآخرين في دعمك. فالإنسان بحاجة لأن يستند إلى نفسه، لا أن يكون مسنودًا.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 3.5

 

الإمبراطور الأقوى في زمانه، يتحدّث مع نفسه يخبرها أنْ لا تكونَ ذات حديثٍ كثير، وأفعالٍ بلا فائدة. من أنتَ لتكثرَ الحديث في المجالس؟ كُنْ حذرًا فكثيرُ الكلام يظهرُ بشكلٍ سخيف أمام راجِحي العقل.

ولا تكُن الشخص الاتّكالي الذي يعتمد على الآخرين في حياته، ابني نفسك بنفسك ولا تنتظر رجاءً من أحد.

 

 

١٠٥: أن تصبح خبيرًا فيما يهم

“صدقني، من الأفضل أن تراجع حسابات حياتك بدقة، بدلًا من حسابات سوق الحبوب.” — سينيكا، عن قِصَر الحياة، 18.3

 

لا تضيّع وقتك في تصنيف أيّ حياةِ المشاهير أكثرُ متعة، بل ركّز في حياتك الشخصية. ركّز في تحليلِ حياتك وما تفتقر إليه وما تحتاجه لتصبحَ أكثرَ رضىً مع نفسك.

 

 

١٠٦: ادفع ضرائبك

“لن يصيبني شيء أستقبله بكآبةٍ أو سوء مزاج. سأدفع ضرائبي بسرور، فكل ما يشكو الناس منه أو يخشونه هو بمثابة الضرائب في هذه الحياة—أمورٌ لا ينبغي لك، يا لوسيليوس العزيز، أن تأمل في الإعفاء منها أو تسعى للهرب منها.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 96.2

 

المشاكل في الحياة بشكلٍ عام، ليسَ لها حلْ. أقصد أنّكَ لن تجد الحل المثالي لتخفي جميع مشاكلك وتحلّها، بل ستتواجد هذه المشاكل معكَ طوال الطريق. عاملها كما تعاملُ ضرائبك، اعترف بوجودها ثمّ تعامل معها بالطريقة المطلوبة وامضي قدمًا.

 

 

١٠٧: لاحظ السبب والنتيجة

“في حديثك، انتبه لما يُقال، وفي كل فعل، لاحظ نتيجته فورًا. تأمل الهدف من كل فعل، واستمع بانتباه لما تخبرك به الكلمات.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 7.4

 

يحفّزنا ماركوس أوريليوس إلى التركيزِ مع أفكارنا، من أينَ تأتي؟ وإلى أيّ جانب تنحاز؟ هل هيَ بناءة أم مهدّمة؟ هل ستؤدّي بكَ إلى اقترافِ أخطاءٍ تندم عليها؟

 

 

١٠٨: لا ضرر ولا ضرار

“أزل فكرة أنك تعرضت للضرر، وسيزول الضرر معها. تخلَّ عن الإحساس بالأذى، وسيتلاشى الأذى.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 4.7

 

تفاسيرنا لكلمات الآخرين هيَ المسؤولة عن ما نشعر به. لاحظ ما هيَ طريقتك الأساسية في تفسيرِ نوايا الآخرين، هل هيَ سلبية؟ بما يدفعك للحزن والغضب؟ أم هيَ إيجابية؟ لتجعلك تشعر بمشاعر جيّدة.

 

 

١٠٩: الآراء مثل…

“ما هو سوء الحظ؟ مجرد رأي. وما هي النزاعات، والخلافات، واللوم، والاتهامات، والوقاحة، والطيش؟ كلها مجرد آراء—بل أكثر من ذلك، إنها آراءٌ تنبع من خارج إرادتنا العقلية، لكنها تُعرض علينا كما لو كانت خيرًا أو شرًا. فليُوجّه الإنسان آراءه نحو ما يقع ضمن إرادته الحرة فقط، وسأضمن له الطمأنينة مهما جرى حوله.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.3.18-19

 

ارائنا هيَ التي تُعطي المعنى الجيّد أو السيء لشيءٍ ما. فكّر في رأيك حولَ الجو اليوم، وحولَ الأحداث السياسية والبطولات الكروية. فكّر في نظرتك عن نفسك ما اذا كُنتَ ناجحًا أو لا، فكّر في رأيك عن اصدقائك إذا ما كانوا يدعمونك في حياتك أم لا. كلّن لهُ رأي. إن تخلّصت، من أرائك حولَ أغلب الاشياء، فستنعم براحةِ بال.

 

 

١١٠: مجال دوافعنا

يقول إبيكتيتوس إن علينا أن نكتشف فن الإذعان المفقود، وأن نولي اهتمامًا خاصًا لنطاق دوافعنا—بحيث تكون مشروطة بالتحفّظ، وموجّهة” للصالح العام، ومتناسقة مع القيمة الحقيقية للأشياء.” —ماركوس أوريليوس، التأملات 11.37

 

يقولُ الإمبراطور الأعظم أنْ نستسلم ونخدم لأجلِ الصالح العام.

 

 

١١١: الخير الحقيقي بسيط

“إذا أردت أن تفهم ما يعتبره العامة ‘خيرًا’، فابدأ أولًا بتثبيت ذهنك على الأمور التي لا جدال في فضيلتها—كالحكمة، ضبط النفس، العدالة، الشجاعة—وحينها، لن تخدعك الفكرة الشائعة بأن الحياة أقصر من أن تحتوي كل الخيرات.” — ماركوس أوريليوس، التأملات 5.12

 

تصوّروا في السابق أنّ باقتنائهم الكثير من الأموال والوصول لدرجة عظيمة من الثراء هوَ ما سيجعلهم سعيدًا وراضينَ في حياتهم، ولكن لم يحصل ما توقّعوه. الأمرُ أبسط من امتلاك أموال حقيقية. عليكَ بالتحلّي بالحكمةِ، وضبط النفس، والعدالة والشجاعة. هيَ كلّ ما تحتاجه لعيشِ حياةٍ بفضيلة..

 

 

١١٢: لا تدع انتباهك ينزلق

“إن سمحت لانتباهك أن يتراخى ولو قليلًا، فلا تظن أنك ستستعيده متى شئت؛ بل تذكر أن كل لحظة غفلة تجعل ما يليها أشد سوءًا… لا أحد معصوم من الخطأ، لكن بوسعنا أن نكون في سعي دائم لتفاديه. لذا، لنتقبل على الأقل أن نهرب من بعض الزلل، بأن نبقى متيقظين على الدوام.” — إبيكتيتوس، المحاضرات 4.12.1؛ 19

 

لن تتمكن أبدًا من إتمام جميع مهامك إذا سمحت لنفسك بأن تشتت انتباهك مع كل مقاطعة صغيرة. انتباهك هو أحد أهم مواردك. لا تهدره!

 

 

١١٣: علامات الشخص العقلاني

“تتميز النفس العاقلة بثلاث خصال: وعيها بذاتها، وقدرتها على التأمل في جوهرها، وحريتها في تقرير مصيرها. إنها تثمر من ذاتها… وتحقق غايتها بنفسها…”

 

لنصبح عقلانيين يتطلّب الأمر ثلاثة اشياء:

أولاً، يجب أن ننظر إلى داخلنا بعد ذلك، يجب أن نفحص أنفسنا بشكل نقدي. وأخيرًا، يجب أن نتخذ قراراتنا الخاصة – دون قيود من التحيزات أو المفاهيم الشائعة.

 

 

١١٤: العقل كله لك

“يتكون كيانك من ثلاثة عناصر—جسد، ونَفَس، وعقل. أما الجسد والنَّفَس فهما في رعايتك، لكنهما ليسا ملكك بحق، وحده العقل هو ما تملكه تمامًا.” — ماركوس أوريليوس، التأملات 12.3

 

قد يصيبُ جسدك حادث وتفقد قدرة العناية به. وتَنفُسَك قد تُحرمُ منه. إلّا العقل، فهوَ تحتَ تحكّمنا بالكامل.

المقصد أنّ العقلَ تحتَ تحكّمنا أكثر من جسدنا وتنفسنا (تحت رعايتنا).

 

 

١١٥: استخدام مثمر للازدراء

“حين يُعرض علينا الطعام، نراه على حقيقته: هذه سمكة نافقة، وهذا طائر أو خنزير ميت. وهذا النبيذ الفاخر ليس إلا عصارة عنب، وتلك الحُلّة الأرجوانية ليست سوى صوف مغموس في دم محارة. وحتى اللذة الجسدية ليست سوى احتكاك عابر بين الأجساد. هكذا ينبغي أن نتعامل مع كل الظواهر—أن نراها على حقيقتها، مجردة من الأوهام التي نحيطها بها.” — ماركوس أوريليوس، التأملات 6.13

 

ينوّه ماركوس أوريليوس على أن نرى الاشياء بمنظورٍ مختلف. فذلكَ المال الذي نسعى إليه مجرّد عملات ورقية مليئة بالجراثيم. أو عملية الجماع، التيَ هيَ محض اتصال باجزائنا الخاصة لا أكثر. أو الشخص المثالي الذي تراهُ أمامك وتسعى في التزاوج معه، فلو كانَ عازبًا، فمن الطبيعي أنّهُ تمّ هجره من حبيبه السابق، ربما بهِ شيءٌ خاطئ.

 

 

١١٦: لا يوجد خطأ في أن تكون مخطئًا

“إن أظهر لي أحدهم أنني مخطئ في فكري أو سلوكي، فسأغيّره بلا تردد، لأنني أبحث عن الحقيقة، وهي لم تؤذِ أحدًا قط. أما من يتأذى، فهو من يتمسك بالوهم والجهل.” — ماركوس أوريليوس، التأملات 6.21

 

لا عيبَ في الخطأ، ولا عيبَ أيضًا في تغيير الاراء، لهذا نحنُ نتملك عقولًا.

تذكر: أنت شخص حر. عندما يشير شخص ما إلى عيبٍ حقيقي في معتقداتك أو في أفعالك، فهو لا ينتقدك، إنه يقدم بديلاً أفضل، تقبل ذلك!

 

 

١١٧: أشياء تحدث في التدريب

“عندما يخدشك شريكك في التدريب أو يضربك برأسه، لا تصرخ، ولا تتهمه بالخداع، ولا تعتقد أنه يتآمر عليك. ومع ذلك، تبقى حذرًا منه—لا كعدوّ، بل كمن يتجنب الأذى بيقظة. هكذا ينبغي أن نعامل الناس في الحياة: أن نتجاوز كثيرًا من الأمور دون ضغينة، كما يفعل المتدربون مع بعضهم البعض. فليس كل تجنبٍ عداوة، ولا كل حذرٍ كراهية.” — ماركوس أوريليوس، التأملات 6.20

 

في الحياةِ اليومية، لا تكبّر المسائل الصغيرة حتّى ولو كانتْ في حقّك. مثلًا لو آذاكَ شخصٌ ما، فابتسم واعفو عنه ولا تفسّر الأمر بطريقة تضرّكما الاثنان. مع الوقت، فهوَ أيضًا سيرى جانبك الجديد ويتعرّف عليكَ أكثر.

 

 

١١٨: اقلبها رأسًا على عقب

“أعد النظر في الأشياء، وتأمل حقيقتها: كيف تصبح حين تهرم، أو تمرض، أو تُعرض للبيع. ما أقصر عمر المادح والممدوح، والذاكر والمذكور! وحتى لو بقي ذكرك في زاوية من العالم، فسيكون مختلفًا من شخص لآخر، بل قد لا يُحفظ بالطريقة ذاتها حتى لدى الشخص نفسه. وكل الأرض، في النهاية، ليست سوى ذرة عابرة.” — ماركوس أوريليوس، التأملات 8.21

 

تحثّنا الرواقية على رؤية الاشياء من مناظير مختلفة. وبالذات ما هوَ سلبي. فرؤية الأمر بطريقة مختلفة أر رأسًا على عقب يغيّر من تفسيرنا له.

 

 

١١٩: الرغبات تجعلك خادمًا

“تانطالوس: أعلى سلطة هي—

ثيستيس: ألا ترغب في أي سلطة على الإطلاق.”

— سينيكا، ثيستيس 440

 

عدم الرغبة في شيء هوَ في حدّ ذاته قوة عظمى.

نقبل إهانات مديرنا في العمل بالرغم من قدرتنا على تغيير وظيفتنا. نرغب في ارتداء أحدث الموضات حتّى نستطيع نيلَ قبول الجماعة التي نقتدي بها. نتقبّل الانتقادات حتّى يُقبلْ بنا ويعترف بشخصنا. وكلّ هذه المشاكل يمكنك التخلّص منها إذا ما تخلّصت من الرغبة.

 

 

١٢٠: غسل غبار الحياة

“راقب حركة النجوم، وتخيّل أنك تجري معها. تأمل كيف تتحول العناصر بعضها إلى بعض، فمثل هذه الأفكار تطهّر النفس من ثقل الحياة الأرضية.” — ماركوس أوريليوس، التأملات 7.47

 

التحديقُ والتعمّق في الفضاءِ الواسع يُدخلُ فينا شعورًا يجعلنا نُدرك مدى صغرنا مقارنةً بالأشياءِ المهولة. فنحنُ مجرّد نفحةٌ من غبارٍ في مكانٍ بعيدٍ جدّا نسبحُ في بحرِ فضاءٍ ليسَ لهُ نهاية. هل مشاكلك اليومية، وهمومك وكثرة التفكير، وعتابك للآخرين يستحق؟ وأنتَ مجرّد ذرّة؟

 

 

١٢١: ما الذي يتماشى مع شخصيتك؟

“كما يختلف تصور كل إنسان لما هو عقلاني أو غير عقلاني، فكذلك يختلف فهمه لما هو خير أو شر، نافع أو غير نافع. ولهذا نحن بحاجة إلى التعلم، كي نعيد ضبط تصوراتنا عن العقلانية في انسجام مع الطبيعة. فلا نكتفي بالحكم على الأشياء وفق قيمتها الظاهرة، بل نقيسها أيضًا بما يوافق طبيعة كل إنسان.” — إبيكتيتوس، المحاضرات 1.2.5–7

 

الشخصية هيَ دفاع قوي لك أمام العالم الذي يريدْ إغوائك ويغيّر من مبادئك. عندما تعرف ماذا تريدُ في هذه الحياة، فستكونُ حذرًا في اختيارك لعلاقاتك، واصدقائك وعملك.

 

 

 

القسم الثاني: انضباط التصرّف والأفعال

الفعل (التصرّف) الصحيح

١٢٢: اجعل الشخصية أقوى بيان لديك

“الفلسفة ليست استعراضًا خارجيًا، بل هي وعي دقيق بما هو ضروري، وانتباه مستمر لما يستحق العناية حقًا.” — موسونيوس روفوس، المحاضرات 16.75.15–16

 

الراهب يرتدي رداءه، موظّف البنك يرتدي بدلة، والرواقي ليسَ لهُ زيُّ معروف. الطريقة الوحيدة للتعرف على الرواقي هي من خلال شخصيته وحكمه على الأشياء والنظرة الموضوعية لأحداثِ حياته.

 

 

١٢٣: كن الشخص الذي تريد أن تكونه

“حدد أولًا لنفسك أي نوع من الأشخاص تريد أن تكون، ثم افعل ما يجب عليك فعله. فهكذا تسير الأمور في كل مجال تقريبًا. الرياضيون، مثلًا، يختارون أولًا الرياضة التي يريدون ممارستها، ثم ينصرفون إلى التدريب والعمل عليها.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.23.1-2

 

السفينة التي لا تمتلك وجهة، لن تصل إلى أيّ مكان. كذلكَ أنتَ بلا أهداف، لن تصل لأيّ مكان. حدّد أهدافك أو حدّد ما تُريد أن تُصبح، ثمّ أسعى يومًا بعدَ يوم في اتّباعِ الطريق الذي رسمته.

 

 

١٢٤: أظهر، لا تخبر، ما تعرفه

“أولئك الذين يكتفون بحفظ النظريات دون استيعابها سرعان ما يرغبون في تقيؤها، كما تفعل المعدة المضطربة بالطعام. فهضم أفكارك أولًا يمنعك من إعادتها غير ناضجة أو فاسدة أو عديمة الفائدة. بعد أن تهضمها، دعنا نرى أثرها في اختياراتك العقلانية، كما تظهر أكتاف الرياضيين أثر نظامهم الغذائي وتدريبهم، وكما يظهر حرفيو الفنون مهارتهم فيما يصنعون.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.21.1-3

 

تمتلك الرواقية طابعًا فخمًا حينَ نشاركُ اقتباساتها مع من نعرفهم. لكن هل تسائلتَ يومًا، بدلًا من أن أشارك الاقتباس، ألا يمكنني أنْ أريهم بالفعلِ بدلَ القول؟ هل سأقتبس ما لا أُطبّق؟

 

 

١٢٥: ما هو مثير للإعجاب حقًا

“كم هو أفضل أن يُعرف الإنسان بأفعاله الصالحة لا ببذخه! وكم هو أكرم أن ينفق على الناس بدلًا من إنفاقه على الحجارة والخشب!” — موسونيوس روفوس، المحاضرات، 19.91.26-28

 

يعيشُ الأغنياء في بذخٍ مبالغ فيه. “هذه العائلة سافرت في إجازةٍ وأخذوا حلّاقهم معهم” “هؤلاءِ يمتلكونَ أسد كحيوانٍ أليف” والكثير من الأمثلة.

من أجلِ ماذا؟ من أجلِ أنْ يقولَ الناس: “انظروا يالهم من اغنياء”؟

لو كانتْ بهم، إنسانية، لخصّصوا جزءًا كبيرًا من ثروتهم في مساعدة البشر الذينَ يعانونَ في هذه الحياة. لأنّ الإنسانَ إذا لم يقتل الرغبة بداخله، لن تملأ عينه إلّا التراب.

 

 

١٢٦: أنت المشروع

“المادة الخام لعمل الإنسان الصالح الممتاز هي عقله الحاكم، تمامًا كما يكون الجسد هو المادة الخام للطبيب والمدرب الرياضي، وكما تكون الأرض للمزارع.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.3.1

 

وفقًا للرواقيين، فإن عقلك هو الأصل الذي يجب العمل عليه أكثر من غيره – وفهمه على أفضل وجه. لأنّهُ كالأرض الخصبة، تحصِد (أفعال ونتائج) ما تزرعهُ فيه (أفكار).

 

 

١٢٧: البر جميل

“ما الذي يجعل الإنسان جميلًا؟ أليس هو امتلاكه للفضائل البشرية؟ يا صديقي، إن كنت ترغب في الجمال، فاجتهد في تحقيق الفضيلة. وما هي الفضيلة؟ انظر إلى من تُثني عليهم دون تحيز—هل هم العادلون أم الظالمون؟ العادلون. هل هم المتزنون أم المتهورون؟ المتزنون. هل هم المتحكمون في أنفسهم أم المنقادون لشهواتهم؟ المتحكمون في أنفسهم. حين تسعى لأن تصبح هذا النوع من الأشخاص، ستصبح جميلًا—أما إن تجاهلت هذه الفضائل، فستكون قبيحًا، حتى لو استخدمت كل الحيل لتبدو جميلًا.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.1.6-9

 

مفاهيمُ عصرنا الحديث في الجمال مُختلفة عن التي اتّخذها الرواقيونَ. فمعايير الجمال اليوم تكمنُ في عظمة الفك، طولُ ولون الشخص، نعومة الشعر، لماذا؟ لماذا نقرر جمال الشخص نسبةً إلى أشياءٍ لم يخترها هوَ؟

الرواقيون يرونَ الشخص الجميلُ يكونَ باختياراته، بانضباطه، بأفعاله، بوعوده التي يفي بها. التحكّم بالنفسِ واداء الواجب على أكملِ وجه، أليستْ كلّها صفاتٌ تجعلُ الإنسانَ جميلًا؟

 

 

١٢٨: كيف تحظى بيوم جيد

“لقد وضع الله هذه القاعدة: إن أردت خيرًا، فابحث عنه في نفسك.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 1.29.4

 

إليك كيفية ضمان حصولك على يوم جيد: افعل أشياء جيدة. لأنّ الشعورَ الجيّد لا تعتمد عليهِ أنْ يأتيكَ من الخارج، بلْ هوَ من أفعالنا الشخصية، ما نستطيعُ التحكّم به.

 

 

١٢٩: الخير والشر؟ انظر إلى اختياراتك

“أين يوجد الخير؟ في اختياراتنا العقلانية. وأين يوجد الشر؟ في اختياراتنا العقلانية. وأين يوجد ما ليس خيرًا ولا شرًا؟ في الأمور الخارجة عن إرادتنا.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 2.16.1

 

ينصحنا إبيكتيتوس من تجنّب الاختيار بسبب جائزة معيّنة، أو مصلحة نرتجيها، وبدلًا من ذلك، أنّ نختارَ بناءً على قرارنا السليم، وبالأسبابِ الواضحة، حتّى نختار الشيء الصحيح.

 

 

١٣٠: اغتنم الفرصة

“فلنكرس أنفسنا تمامًا، ونترك انشغالاتنا المتعددة، ونبذل الجهد لتحقيق هذا الهدف الوحيد، قبل أن ندرك متأخرين سرعة الزمن التي لا تُوقف، فنجد أنفسنا قد تُركنا خلف الركب. مع كل يوم جديد، استقبله كأنه أفضل أيامك، واجعله ملكك بحق. علينا أن نستحوذ على ما يفر منا.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 108.27-28

 

لديكَ ٢٤ ساعة فقط، وهذا اليوم، وهذه اللحظة التي تقرأ فيها هذه الجملة، لن تتكرر أبدًا.

ماذا ستنجح في صنعه من اليوم قبل أن ينزلق من بين أصابعك ويصبح من الماضي؟ عندما يسألك شخص ما عما فعلته بالأمس، هل تريد حقًا أن تكون الإجابة “لا شيء”؟

 

 

١٣١: لا تكن ملهمًا، كن ملهمًا

“فلنقم أيضًا بعمل جريء يخصّنا، ولننضم إلى صفوف من يُحتذى بهم.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 98.13

 

قصدَ سينيكا الذينَ يتفاخرونَ ويحصونَ فوز أجدادهم ومن سبقوهم من حكّام ورؤساء. وقال: هل لا نتّبع خطاهم أيضًا؟ بدلًا من مدحهم وذكرِ إنجازاتهم التي تخصّهم. ألا يمكننا أنّ نعملَ وننتج بأنفسنا ليكونَ لنا إنجازاتٌ خاصّة يُحتذى بها؟

 

 

١٣٢: الشعور بالذنب أسوأ من السجن

“أعظم سبل راحة البال هو ألا يرتكب الإنسان خطأ. فالأشخاص الذين يفتقرون إلى ضبط النفس يعيشون حياة مضطربة وفوضوية.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 105.7

 

لماذا بعضُ الهاربين يسلّمونَ أنفسهم للعدالة رُغم كونهم في الحرية؟ لأنّ ألم الذنب والضغط كبيرٌ جدّا ولم يستطيعوا تحمّله، فهذهِ ليستْ طريقةٌ لحياة تسكنها راحةُ البال.

 

 

١٣٣: اللطف هو الاستجابة الصحيحة دائمًا

“اللطف قوة لا تُقهر، ولكن فقط إن كان صادقًا، بلا رياء أو تصنّع. فما الذي يمكن حتى لأكثر الناس خبثًا أن يفعلوه إن واصلتَ إظهار اللطف لهم، وإن انتهزت الفرصة بلطفٍ لتوضح لهم أخطاءهم—حتى وهم يحاولون إيذاءك؟” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 11.18.5.9

 

ماذا لو بدلًا من كبحِ غضبك عندما يستفزّكَ شخصٌ ما، قرّرت الردّ بلطف. بتصرفٍ لطيف، وبكلامٍ لطيف. ماذا لو أحببتَ أعدائك؟ وتمنّيتَ الأفضل لهم؟ كما فعلَ ثورفين ضدّ أعداءه، واختار السلام بدل الحرب.

 

 

١٣٤: تأجيج نار العادة

“كل عادة وكل قدرة تنمو وتترسخ بالممارسة—المشي بالمشي، والجري بالجري… لذا، إن كنت تريد اكتساب شيء، فاجعل منه عادة. وإن كنت لا ترغب في فعل شيء، فلا تفعله، بل استبدله بعادة أخرى. والأمر ذاته ينطبق على حالتنا العقلية—حين تغضب، أنتَ لا تمر فقط بتجربة الغضب، بل تعزز عادته السيئة، فتزيد النار اشتعالًا.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 2.18.1-5

 

قال أرسطو: “نحن ما نفعله مرارًا وتكرارًا، لذلك فإن التميز ليس فعلًا بل عادة”. ويضيف الرواقيون إلى ذلك أننا نتاج أفكارنا “كما هي أفكارك المعتادة، كذلك ستكون شخصية عقلك أيضًا”، كما قال ماركوس أوريليوس.

فكر في أنشطتك في الأسبوع الماضي وكذلك ما خططت له اليوم والأسبوع الذي يليه. الشخص الذي ترغب في أن تكونه، أو الشخص الذي ترى نفسك فيه – إلى أي مدى تتوافق أفعالك فعليًا معه أو معها؟ أي نار تغذيها؟ أي شخص ستصبح؟

ركّز على بناءِ عاداتِ الشخص الذي ستصبحه، وابدأ بأصغر خطوة ممكنة.

 

 

١٣٥: رفاهيتنا تكمن في أفعالنا

“أولئك المفتونون بالمجد يربطون سعادتهم بنظرة الآخرين لهم، أما عشاق اللذة فيربطونها بمشاعرهم، لكن صاحب الفهم الحقيقي يجدها فقط في أفعاله… تأمل طبيعة الأشخاص الذين تسعى لإرضائهم، والممتلكات التي تطمح إلى امتلاكها، والوسائل التي تتبعها لتحقيق ذلك. كم من هذه الأمور سيُمحى سريعًا بمرور الزمن، وكم منها سيختفي تمامًا؟” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 6:51, 59

 

إذا كانت سعادتك تعتمد على تحقيق أهداف معينة، فماذا يحدث إذا تدخل القدر؟ ماذا لو تم تجاهلك؟ إذا قاطعتك الأحداث الخارجية؟ ماذا لو حققت كل شيء ولكنك وجدت أن لا أحد معجب بك؟ هذه هي مشكلة السماح لسعادتك أن تتحدد من خلال أشياء لا يمكنك التحكم فيها. إنها مخاطرة مجنونة.

اعزم على نفسك أن تكونَ سعادتك داخلية. فالسعادة هيَ في القصص التي نحكيها لأنفسنا عن أنفسنا.

الهدف ليسَ الفوز، الهدف هوَ بذل قصارى جهدنا. الهدف ليسَ تلقّي الشكر عند المساعدة، بل فعل ما هوَ صحيح. تركيزنا ليسَ في ما يحصل علينا، بل في ردّة فعلنا لما يحصل علينا.

 

 

١٣٦: احسب نعمك

“لا تتعلق بالأشياء التي لا تملكها كأنها ملكك، بل عدّد النعم التي لديك وفكر في مقدار رغبتك بها لو لم تكن تمتلكها. لكن احذر أن تُقدّرها إلى درجة أن يُقلقك فقدانها.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 7.27

 

امتنّ لما تملكه بالفعل. أرِحْ بالكَ من الانغماسِ في دوّاماتِ الرغبة التي تسلبُ منّا كلّ لحظةِ حاضر.

 

 

١٣٧: طريقة السلسلة

“إن كنت لا ترغب في أن تكون سريع الغضب، فلا تُغذِّ هذه العادة. جَرِّب كخطوة أولى أن تظل هادئًا، وعدَّ الأيام التي لم تغضب فيها. كنت أغضب كل يوم، ثم أصبح يومًا بعد يوم، ثم كل ثلاثة أو أربعة أيام… إن استطعت الاستمرار حتى ثلاثين يومًا، فاشكر الله! فالعادة تُضعف أولًا ثم تُمحى تمامًا. وحين يمكنك أن تقول: ‘لم أفقد أعصابي اليوم، ولا في اليوم التالي، ولا لثلاثة أو أربعة أشهر، بل بقيت متماسكًا رغم الاستفزاز’، حينها ستعلم أنك في صحة عقلية أفضل.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 2.18.11-14

 

لا تنخدع بالأفكارِ التي تراودك حولَ أنّ هذه هيَ شخصيتك، وأنّكَ لن تستطيع التغيّر، كلّها أكاذيبٌ اخترعها عقلك. كلّ إنسان يمكنه أن يتغيّر بتغيير عاداته اليومية.

 

 

١٣٨: الرواقي هو عمل قيد التنفيذ

“أرِني شخصًا مريضًا وسعيدًا، في خطر وسعيدًا، يحتضر وهو سعيد، في المنفى وهو سعيد، مُهانًا وهو سعيد. أرني! والله كم أتمنى أن أرى رُواقيًا حقيقيًا. ولكن إن لم يكن بالإمكان أن تريني شخصًا متكاملًا على هذا النحو، فأرني على الأقل شخصًا يسعى لأن يكون كذلك، يميل إلى هذا الاتجاه… أرني!” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 2.19.24-25, 28

 

بدلًا من النظر إلى الفلسفة على أنّها علمٌ إلهامي، فلننظر لها على أنّها علمٌ يمكن تطبيقه واتّخاذه مذهبًا في الحياة.

من المهم أن نتذكر في رحلتنا نحو تحسين الذات: أن المرء لن يصل أبدًا. الحكيم – الرواقي المثالي الذي يتصرف بشكل مثالي في كل موقف – هو مثال، وليس غاية.

 

 

١٣٩: كيف تفعل أي شيء هو كيف تفعل كل شيء

“انتبه لما هو أمامك—المبدأ، المهمة، أو ما يتم تصويره.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 8.22

 

من الممتع التفكير في المستقبل، ومن السهل التأمّل في الماضي، ولكن من الصعب الحضور في اللحظة الحالية والقيام بالأعمال المطلوبة منّا. أنجز ما عليكَ إنجازه فقد يكونَ هذا أخر شي تفعله في حياتك.

الطريقة التي تنجز بها أعمالك الآن، هي نفسها التي ستنجز بها أعمالك لبقية حياتك. لا تعوّد نفسك على المماطلة والتأجيل. ابني عادة اتّخاذ القرارات السريعة دونَ تدخّل مشاعرك الشخصية، فكّر بطريقة موضوعية ونقدية.

 

 

١٤٠: تعلم، وتدرب

“لهذا السبب، يحذّرنا الفلاسفة من الاكتفاء بالتعلُّم النظري، بل يحثّوننا على الممارسة، ثم التمرين المستمر. فمع مرور الوقت، ننسى ما تعلمناه، وننتهي إلى فعل العكس، معتقدين بعكس ما ينبغي علينا الإيمان به.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 2.9.13-14

 

يحثّنا إبيكتيتوس على أهمّية التدريب المستمر، حتّى يُصبح الفعل جزءًا منّا. محترفين الأولمبياد يتدرّبون لسنين وسنين، من أجلِ عدّة ثواني يقدّموها أمام الناس. بولت قالَ أنّهُ تدرّب لأربع سنين كلّ يومِ لأجلِ ثوانِ من الركض.

 

 

١٤١: الجودة أهمّ من الكمية

“ما الفائدة من امتلاك عدد لا يُحصى من الكتب والمكتبات، في حين أن عناوينها بالكاد تُقرأ في عمرٍ واحد؟ لا يصبح المرء متعلمًا بكثرة الكتب، بل مُثقَلًا بها، فمن الأفضل زرع بذور عدد قليل من المؤلفين، بدلًا من التشتت بين الكثير.” — سينيكا، عن هدوء العقل، 9.4

 

ليستْ هنالكَ جائزة لمن يقرأ أكثر الكتب قبلَ مماته.

ماذا لو أعطيت الجودة على الكمية الأولوية عندما يتعلق الأمر بالقراءة والتعلم؟ ماذا لو قرأت الكتب القليلة العظيمة بعمق بدلاً من تصفح جميع الكتب الجديدة بإيجاز؟ قد تكون أرفف مكتبتك أكثر فراغًا، لكن عقلك وحياتك ستكونان أكثر امتلاءً.

 

 

١٤٢: أي نوع من الملاكمين أنت؟

“لكن ما الفلسفة؟ أليست هي إعداد النفس لما قد يحدث؟ ألا تدرك أن ذلك يعني ببساطة أنه إذا كنت أهيئ نفسي للتحمل، فليحدث إذًا ما سيحدث! وإلا فسيكون الأمر كالملاكم الذي ينسحب من الحلبة لأنه تلقى بعض اللكمات. في الحقيقة، يمكنك مغادرة الحلبة دون عواقب، ولكن ما الفائدة من التخلي عن السعي وراء الحكمة؟ إذًا، ماذا يجب أن نقول عند مواجهة أي محنة؟ هذه هي اللحظة التي تدربتُ من أجلها، ومن أجلها كرّستُ انضباطي!” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.10.6-7

 

وما الملاكم إذا هربَ بعدَ تلقّي بضعُ لكمات؟ نفس الشيء في الحياة، الرواقية تجهّزنا لما هوَ شديدٌ وصعب. لنكن جاهزينَ في تلقّي بعض اللكمات ونردّ بالمثلْ.

 

 

١٤٣: اليوم هو اليوم

“تحصل على ما تستحقه. بدلًا من أن تكون شخصًا صالحًا اليوم، تؤجل ذلك إلى الغد.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 8.22

“أنا لا أشكو قلة الوقت… فحتى القليل منه سيكون كافيًا. اليوم—هذا اليوم—سيحقق ما لن يقدر أي غدٍ على إنكاره..” — سينيكا، ميديا، 423-425

 

كما قال في كتابه حرب الفن، “نحن لا نقول لأنفسنا، “لن أكتب سيمفونيتي أبدًا.” بل نقول، “سأكتب سيمفونيتي؛ سأبدأ غدًا فقط.” اليوم، وليس غدًا، هو اليوم الذي يمكننا أن نبدأ فيه أن نكون صالحين.

غدًا هوَ مجرّد أرض أحلام لن نَصل إليها. وما ذنبُ شخصِكَ غدًا حينما ترمي عليهِ المهام الصّعبة؟ كُن النسخة الأفضل وأرِح نفسكَ عن المهامِ المؤجّلة ونفذها أنت. غدًا لن يأتي أبدًا. أنت تمتلك اليوم فقط ولا شيءَ غيرَ اليوم.

 

 

١٤٤: أرني كيف أعيش

“أرني أن الحياة الطيبة لا تُقاس بطولها، بل بكيفية استغلالها، وأنه من الممكن—بل شائع جدًا—أن يعيش الإنسان عمرًا طويلًا، ومع ذلك لم يعش فعليًا إلا القليل.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 49.10

 

هل سنرضى من حياةٍ طويلة لكنْ بلا إنجازات؟ بلا معنى؟

أكملْ المهمة التي بينَ يديك حالًا. غادرِ العالم بعدَ وضعكْ لبصمتك الخاصة، التي ستُفيدُ فيها من يأتي بعدك. حتّى لو زرعت شجرة. قال رسول الله ﷺ: ما من مسلمٍ يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ، إلا كان له به صدقةٌ.

 

 

١٤٥: اصنع حظك السعيد بنفسك

“تقول: الحظ السعيد كان يلقاني في كل زاوية. لكن الشخص المحظوظ حقًا هو من يمنح نفسه الحظ الجيد. والحظ الجيد هو روح متزنة، واندفاعات نبيلة، وأفعال صالحة.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 5.36

 

اليوم، يمكنك أن تأمل أن يأتيك الحظ السعيد بطريقة سحرية. أو يمكنك أن تجهز نفسك لتكون محظوظًا من خلال التركيز على القيام بالشيء الصحيح في الوقت المناسب. والحظ هوَ عندما تأتيكَ الفرصة وأنتَ جاهز ومستعد كلّ الاستعداد.

كلّما عمِلتَ أكثر، كلّما ازدادت نسبة كونك محظوظَا.

 

 

١٤٦: أين تجد الفرح

“تكمن سعادة الإنسان في العمل الذي يليق بالإنسان. وما هو هذا العمل؟ هو أعمال اللطف تجاه الآخرين، والترفّع عن انفعالات الحواس، والقدرة على تمييز التصورات الصادقة، والتأمل في نظام الطبيعة وكل ما يجري وفقًا له.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 8.26

 

ماركوس أريليوس يساعدنا باستخدامِ الرواقية أنّ نستكشف ونجد جوهرنا الإنساني. ليسَ المقصد ترك الملذّات والملهيات بشكلٍ كامل، ولكن أن نتوعّى عن الاشياءِ الأهمّ في هذه الحياة.

 

 

١٤٧: توقف عن الاهتمام بما يعتقده الناس

“ما يدهشني دائمًا هو مدى حبنا لأنفسنا فوق كل شيء، ومع ذلك، نضع آراء الآخرين فوق تقديرنا الذاتي… كم من الاهتمام نمنحه لرأي الآخرين عنا، وكم نهمل رأينا نحن في أنفسنا!” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 12.4

 

كم من السرعة يمكننا أن نتجاهل مشاعرنا تجاه شيء ما ونتبع آراء شخص آخر. نعتقد أن القميص يبدو جيدًا في المتجر ولكننا ننظر إليه بخجل وازدراء إذا ما أدلى زوجنا أو زميلنا في العمل بملاحظة عليه. يمكن أن نكون سعداء للغاية بحياتنا الخاصة – حتى نكتشف أن شخصًا لا نحبه لديه المزيد. أو الأسوأ والأكثر خطورة، لا نشعر بالرضا عن إنجازاتنا أو مواهبنا حتى يثبتها طرف ثالث.

مثل معظم تمارين الرواقية، يحاول هذا التمرين أن يعلمنا أنه على الرغم من أننا نتحكم في آرائنا الخاصة، إلا أننا لا نتحكم في ما يعتقده الآخرون – عنا على الأقل. لهذا السبب، فإن وضع أنفسنا تحت رحمة تلك الآراء ومحاولة كسب موافقة الآخرين هو مسعى خطير. لا تقضي الكثير من الوقت في التفكير فيما يعتقده الآخرون. فكر فيما تفكر فيه. بدلاً من ذلك، فكر في النتائج، وفي التأثير، وفي ما إذا كان هذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله.

 

 

١٤٨: لا تشغل بالك بالأمور الصغيرة

“الرفاهية تتحقق بخطوات صغيرة، لكنها ليست بالأمر الصغير.” — زينون، نقله ديوجين لايرتيوس، سير الفلاسفة البارزين، 7.1.26

 

الرجل الصالح ليسَ صالحًا لأنّهُ يقول أنهُ صالح. بل بالأفعالِ الصغيرة التي يقومُ بها كلّ يوم. هوَ لم يُصبح كذلك بشكلٍ سحري، بل هي الاختيارات المنفردة الصغيرة، استيقاظه المبكّر لعمله، الاستثمارَ في نفسه وتجنّب الطرق المختصرة. فكلّها تتراكم سويًا لتشكّل هذا الرجل الصالح الذي نراه.

 

 

١٤٩: أول شيئين قبل التصرف

“أول ما ينبغي عليك فعله—لا تنفعل. فكل شيء يحدث وفقًا لطبيعة الأشياء، وفي وقت قصير، لن تكون أحدًا ولن تكون في أي مكان، تمامًا كما صار الأمر للإمبراطورين هادريان وأوغسطس. والأمر الثاني—فكِّر جيدًا في المهمة التي أمامك على حقيقتها، وتذكر أن غايتك هي أن تكون إنسانًا صالحًا. انطلق فورًا إلى ما تتطلبه منك الطبيعة، وتحدث كما ترى أنه عادلٌ وصائب—بلطف، وتواضع، وإخلاص.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 8.5

 

ماركوس أوريليوس كان أقوى رجل على وجه الكوكب وقتها. كانَ يقود الجيوش، ويصنع الاستراتيجيات، ويخاطب الشعب، والأكثر أهمّية هوَ اتّخاذ القرارت بشكلٍ يومي. فيستمع ويقرّر لمشاكل المواطنين والمحامين ورجال الدولة. وأخبرنا طريقته في الحكمِ واتّخاذ القرارات:

  • أولًا، لا تغضب، لأنّ هذا سيلوّن قرارك بشكلٍ سلبي ويجعله أصعب ممّا هوَ عليه. فالأفضل أنْ ننظر للأشياء بمنظورِ موضوعي.
  • ثانيًا، تذكّر هدفك ومبدئك القيّمان. فالقرارات التي تعبر عبر هذينْ الخطوتين، يُصفّيانِ الكثير من القرارات السيئة.

لا تغضب، واتّخذ القرار الصحيح.

 

 

١٥٠: العمل علاج

العمل يُغذّي العقول النبيلة.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 31.5

 

أتعرف ذاك الشعور الذي يخالجك عندما لا تذهب للجيم لعدّة أيام؟ أو عندما تكونُ عاطلًا عن العمل لفترة من الوقت؟ والبعضُ يسأمْ سريعًا حينما يتقاعد. لأن العقل والجسد ينقلبانِ على بعضهما إن لم يُستخدما في شيء إنتاجي.

اخرج واعمل لأنّ هذا ما يجعلك عاقلًا لأطول فترة ممكنة.

 

 

١٥١: العمل الجاد أم العمل الشاق؟

“لا أستطيع أن أصف شخصًا بالمجتهد لمجرد أنني سمعت أنه يقرأ ويكتب، حتى لو كان يسهر على ذلك طوال الليل. لا يمكنني أن أعتبره مجتهدًا حتى أعرف الغاية التي يسعى إليها… ولكن إن كان هدفه هو تهذيب عقله الحاكم ليبقى في انسجام دائم مع الطبيعة، حينها فقط يمكنني اعتباره مجتهدًا بحق.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 4.4.41؛ 43

 

ما هي احتمالات أن يكون الشخص الأكثر انشغالاً الذي تعرفه هو الأكثر إنتاجية؟ نميل إلى ربط الانشغال بالشيء الجيّد، ونعتقد أن قضاء ساعات طويلة في العمل يجب أن يكون مجزيًا.

بدلاً من ذلك، قم بتقييم ما تفعله، ولماذا تفعله، وإلى أين سيأخذك إنجازه. إذا لم يكن لديك إجابة جيدة، فتوقف وراجع نفسك.

 

 

 

حل المشاكل

١٥٢: لدينا التزام واحد فقط

“ما هي مهنتك الحقيقية؟ أن تكون إنسانًا صالحًا.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 11.5

 

يؤمن الرواقيّون أنّ هدفنا في الأرضِ هوَ أن نكونَ بشرًا طيّبون.

 

١٥٣: احرص دائمًا على وجود جملة معكوسة في ذهنك

“في الحقيقة، لا أحد يستطيع أن يُحبط مقاصد عقلك—فهي لا يمكن أن تمسها النار، أو السيف، أو الطغيان، أو الافتراء، أو أي شيء آخر.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 8.41

 

في هذه الحياة، تسوءُ الظروف، تزداد المشاكل، يَصعُبُ العمل، ولكنّ لا شيءَ يؤثّر على العقل الرواقي.

الجملة المعكوسة قًصِدَ بها عندما يسوءُ الحال، مثلًا تعرّضتَ للخيانةِ من قِبلَ صديق، بدلًا من الانتقام فكّر كيف تسامحه. مثلًا أصابَ جهازك فايروسًا ومسحَ جميع عملك، فابدأ مباشرةً من جديد. لا يمكن للأشياء البسيطة أن تؤثّر على عقلنا بدونِ اختيارنا.

 

 

١٥٤: وجهة نظر أفلاطون

“يا له من تصوير رائع قاله أفلاطون. حين ترغب في الحديث عن البشر، فمن الأفضل أن تنظر إليهم من الأعلى كما لو كنت تحلق في السماء، لترى كل شيء دفعة واحدة—التجمعات، الجيوش، الحقول، حفلات الزواج والطلاق، الولادات والوفيات، المحاكم الصاخبة والمساحات الصامتة، الشعوب المختلفة، الأعياد، الذكريات، الأسواق—كلها ممتزجة معًا، وموزعة في ثنائية متناقضة.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 7.48

 

لو سافرنا إلى الفضاء، ونظرنا إلى كوكبنا فسنكتشف حجم صِغَر الناس ومهما كانوا عظماءً. فالغني والفقير يتساويانِ في الحجم من تلك المسافة، أو بمعنى أصح لا نكادُ نراهما. تذكّر نظرة أفلاطونَ عندما تريد حلّ مشاكل مستقبلية.

 

 

١٥٥: من الجيد أن تكون مرنًا

“إن لم يستطع أن يخدم في الجيش، فليسعَ إلى منصب عام. إن كان عليه أن يعيش في القطاع الخاص، فليكن متحدثًا رسميًا. إن كان محكومًا عليه بالصمت، فليساعد مواطنيه بشهادته الصامتة. إن كان دخول المنتدى العام خطرًا، فليُظهر شخصيته في المنازل الخاصة، وفي الفعاليات والتجمعات العامة، كزميل صالح، وصديق مخلص، ورفيق معتدل. إن كان قد فقد واجباته كمواطن، فليمارس تلك التي تخصه كإنسان.” — سينيكا، عن هدوء العقل، 4.3

 

يحاول سينيكا مخاطبتنا عن طريقِ فلسلفة الرواقية أنْ لا نستسلم ونثابر. لا تستسلم عندما لا تحصل على الشيء الذي لا تريده. حاولْ مرةً أخرى لشيءٍ أخر، ثمّ شيءٍ أخر، حتّى تحصل عليه. فليسَ هنالكَ مستحيلٌ في حياةِ المثابر.

 

 

١٥٦: هذا هو سبب وجودنا هنا

“لماذا إذًا نشعر بالإهانة؟ لماذا نشتكي؟ هذا هو سبب وجودنا هنا.” — سينيكا، عن العناية الإلهية، 5.7-8

 

لم يقل أحد أن الحياة سهلة. ولم يقل أحد أنها ستكون عادلة.

تذكّر أنّك موجودُ هنا بسببِ أسلافك الذي حاربوا الظروفَ القاهرة لآلافِ السنين. الدمُ الذي يجري فيكْ هوَ دمائهم. فلتأخُذْ هذه وتكتفي وتقطع على نفسكِ عهدًا أنْ ستحارب مهما أسيءَ إليك، ومهما رمَتك الحياةُ على وجهك، فستقف مجدّدًا، مبتسمًا، رافعًا لرايةِ الصمود والسعي نحوَ أهدافك.

 

 

١٥٧: انفخ أنفك بنفسك

“نصرخ إلى الله العظيم، كيف يمكننا الهروب من هذا العذاب؟ أيها الأحمق، أما لديك يدان؟ أم أن الله لم يهبك إياهما؟ اجلس وادعُ ألا يسيل أنفك! أو الأفضل، امسح أنفك وتوقف عن البحث عن كبش فداء.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 2.16.13

 

هل ستنتظر شخصًا ليُنجدك؟ هل ستضع اللوم على الحكومة؟ أم على ظروفِ حياتك؟ لا أحد سيأتي لإنقاذك، تعلّم مسحَ أنفك بنفسك. لدينا خيارين، إمّا التركيز في ماذا ومن أخطأ علينا، وإمّا التصرّف حيالَ المشكلة وإيجاد حلْ.

 

 

١٥٨: متى تلتزم ومتى تتوقف

فكر في أولئك الذين، ليس بسبب التناقض، بل بسبب قلة الجهد، يعجزون عن العيش كما يريدون، بل يواصلون الحياة كما بدأوها دون تغيير.” — سينيكا، عن هدوء العقل، 2.6

 

في رواية “الغطس”، يرسم سيث جودين تشبيهًا مثيرًا للاهتمام من الأنواع الثلاثة من الأشخاص الذين تراهم في طابور السوبر ماركت. يقف أحدهم في طابور قصير ويلتزم به بغض النظر عن مدى بطئه أو مدى سرعة الآخرين. ويغير الثاني الصفوف بشكل متكرر بناءً على أي شيء يعتقد أنه قد يوفر بضع ثوانٍ. والثالث يغير مرة واحدة فقط – عندما يتضح أن طابوره متأخر وهناك بديل واضح – ثم يواصل يومه. إنه يحثك على السؤال: أي نوع أنت؟ وينصحنا سينيكا أيضًا بأن نكون من النوع الثالث. فمجرد أنك بدأت في السير على طريق ما لا يعني أنك ملتزم به إلى الأبد، وخاصة إذا تبين أن هذا الطريق معيب أو معوق. وفي الوقت نفسه، هذا ليس عذرًا للتقلب أو عدم الالتزام باستمرار. يتطلب الأمر شجاعة لاتخاذ قرار القيام بالأشياء بشكل مختلف وإجراء تغيير، فضلاً عن الانضباط والوعي لمعرفة أن فكرة “أوه، لكن هذا يبدو أفضل” هي إغراء لا يمكن الاستسلام له إلى ما لا نهاية أيضًا.

 

 

١٥٩: إيجاد المرشدين المناسبين

“نحب أن نقول إننا لا نختار والدينا، فقد وُهِبوا لنا صدفة—ولكن يمكننا أن نختار فعليًا لمن نكون أبناءً فكريًا.” — سينيكا، عن قِصر الحياة، 15.3

 

نحنُ محظوظون باتّخاذِ العظماء والحكماء الذينَ سبقونا كمُرشدينَ في حياتنا. فحكمتهم وعِلمُهم لازالَ موجودًا وسهل الوصول إليه. لدينا الحرّية في اختيارِ من هوَ معلّمنا، وعندها سنُقرّر ماذا نريدُ أنْ نصبح.

 

 

١٦٠: لبنة تلو لبنة

“عليك أن تبني حياتك فعلًا تلو الآخر، وأن تكون راضيًا إذا حقق كل منها غايته قدر المستطاع—ولا أحد يمكنه أن يمنعك من ذلك. ولكن قد يكون هناك عائق خارجي! ربما، لكن لا شيء يمكن أن يمنعك من التصرف بعدل، وضبط النفس، وحكمة. وإن تم إحباط جزء آخر من أفعالي؟ حسنًا، تقبل العائق بسرور كما هو، ووجّه انتباهك إلى الفرصة التالية، فستجد أن أمامك دائمًا فعلًا آخر يناسب الحياة التي تبنيها.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 8.32

 

المدرب نيك سابان من جامعة ألاباما اخترعَ فلسفة تسمّى العملية. يدرّب لاعبينه على ألّا يركّزوا على الصورة الكُبرى، وبدلًا من ذلك، أنْ يركّزوا على ما هوَ أمامهم في هذه اللحظة. بدلًا من التركيز على الفوز في بطولة المدينة، فليركّزوا على الفوزِ في المباراة الحالية. البطولة تأخذ سنينْ، والمباراة تأخذ ساعات. كلّ شيء في الحياة يُبنى ويُنجز بهذه الطريقة، خطوة واحدة في كلّ مرة.

 

 

١٦١: حل المشاكل مبكرًا

“لا يوجد رذيلة تخلو من تبرير، ولا واحدة تبدأ دون أن تكون متواضعة وسهلة التراجع—لكنها سرعان ما تنتشر. إن سمحت لها أن تبدأ، فلن تستطيع أن تتحكم في متى تتوقف. كل انفعال يكون ضعيفًا في البداية، لكنه يستيقظ ثم يزداد قوة مع مرور الوقت—إيقافه أسهل من استئصاله لاحقًا.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 106.2-3

 

يقول سينيكا أنّ عاداتنا السيئة أفضل وقتْ في التخلّص منها هوَ في بدايتها. قبلَ أنْ تكبر وتُصبح جزءًا منّا. لهذا عليكَ دائمًا أن تكونَ واعٍ بتصرفاتك اليومية، وأيّ منها عاداتْ سيئة يُمكن أن يكبر مع الزمن؟

 

 

١٦٢: يمكنك فعل ذلك

“إذا وجدت شيئًا صعب التحقيق، فلا تتصور أنه مستحيل—فكل ما هو ممكن ومناسب لشخص آخر يمكن أن يتحقق لك بنفس السهولة.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 6.19

 

الناس نوعين في هذه الحياة. الأول ينظر للآخرين ويقولكيف فعلوها؟ ولماذا لستُ أنا صاحب تلك الممتلكات؟ والنوعُ الآخر يقول: إذا هوَ استطاع فِعلها، فأنا أستطيع أيضًا. فالأول يتحدّث بناءً على غيرة لا داعي لها. فيقول: إذا هوَ نجح، فقد تقلّصت فُرص نجاحي. والثاني يرى نجاح الآخرين كالإلهام والحافز. ينظر بعقلية أنّ النجاح وفير، كُن النوع الثاني.

 

 

١٦٣: فقط لا تجعل الأمور أسوأ

“كم هي أكثر ضررًا نتائج الغضب والحزن مقارنةً بالظروف التي أثارتهما فينا!” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 11.18.8

 

القانون الأول في الحُفَر. إن وجدتَ نفسكَ في حفرة، فتوقّف عن الحفر.

اليوم، أعطِ نفسك أبسط المهام وأكثرها قابلية للتنفيذ: فقط لا تجعل الأمور أسوأ. مهما حدث، لا تضف مشاعر الغضب أو السلبية إلى المعادلة. لا تتفاعل لمجرد التفاعل. اترك الأمر كما هو. توقف عن الحفر. ثم خطط طريقك للخروج.

لأنّ المشاعر السلبية تلوّن قراراتنا.

 

 

١٦٤: العقل المدرب أفضل من أي نص مكتوب

“كم هو مثير للضحك أن يقول أحدهم، ‘أخبرني ماذا أفعل!’ أي نصيحة يمكنني تقديمها؟ لا، بل الطلب الأفضل هو، ‘درّب عقلي على التكيف مع أي ظرف.’… وبهذه الطريقة، إن خرجت الأمور عن مسارها المخطط له… لن تكون بحاجة ماسة إلى من يوجهك من جديد.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 2.2.20-25

 

لا يسعى الرواقيون إلى الحصول على إجابة لكل سؤال أو خطة لكل طارئ. ومع ذلك فهم أيضًا ليسوا قلقين. لماذا؟ “لأنهم واثقون من قدرتهم على التكيف والتغير مع الظروف. وبدلاً من البحث عن التعليمات، فإنهم يزرعون مهارات مثل الإبداع والاستقلال والثقة بالنفس والإبداع والقدرة على حل المشكلات. وبهذه الطريقة، يصبحون مرنين بدلاً من أن يكونوا جامدين. ويمكننا أن نمارس نفس الشيء.

اليوم، سنركز على الاستراتيجي بدلاً من التكتيكي. وسنذكر أنفسنا أنه من الأفضل أن يتم تعليمنا بدلاً من أن نتلقى التعليمات ببساطة، ومن الأفضل أن نكون مرنين بدلاً من أن نلتزم بنص مكتوب.

 

 

١٦٥: الحياة ساحة معركة

“أما تعلم أن الحياة أشبه بحملة عسكرية؟ هناك من يخدم في المراقبة، وآخر في الاستطلاع، وآخر على الخطوط الأمامية… وهكذا نحن—حياة كل إنسان معركة طويلة ومتنوعة. عليك أن تبقى متيقظًا كالجندي، وأن تؤدي كل ما يُطلب منك… فقد وُضعتَ في موقع رئيسي، وليس في مكان ثانوي، وليس لفترة قصيرة، بل طوال حياتك.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.24.31-36

 

الحرب، مثلَ الحياة. فهيَ معارك مستمّرة لن تستطيعَ الفوز فيها كلّها ولكنْ كلّما تقدّمت، كلّما زادت خبرتك وفُزتَ في كثيرِ منها. المهمْ هوَ التحلّي بصفاتِ الرجل الرواقي:

  • الانضباط
  • القوة
  • الشجاعة
  • الوضوح
  • عدم الأنانية
  • التضحية

 

 

١٦٦: جرِّب المقبض الآخر

“لكل حدث مقبضان—أحدهما يمكنك الإمساك به وحمله، والآخر لا يمكنك ذلك. إن أساء إليك أخوك، فلا تمسك بالمقبض الذي يتمثل في إساءته، فهذا مقبض لا يمكن رفعه. بل امسك بالآخر—أنه أخوك، وأنكما نشأتما معًا—وحينها ستحمل الأمر بسهولة.” — إبيكتيتوس، دليل الحياة، 43

 

إبيكتيتوس هنا يستخدم تشبيهًا بسيطًا ليشرح كيف يمكننا التعامل مع المواقف الصعبة. كل موقف له “مقبضان”، أي طريقتان للنظر إليه والتعامل معه.

المقبض الأول: هو التركيز على الإساءة التي تعرضت لها، مما يجعلك تشعر بالغضب أو الحزن، وهذا لا يساعدك على التعامل مع الموقف بشكل جيد.

المقبض الثاني: هو التركيز على الجوانب الإيجابية أو التي يمكنك التحكم بها، مثل العلاقة بينك وبين الشخص الآخر، والتاريخ الذي يجمعكما، مما يجعل من السهل عليك تجاوز الموقف.

ببساطة، لا تتمسك بالأفكار التي تزيد من معاناتك، بل اختر منظورًا يساعدك على التعامل مع الأمور بهدوء وحكمة.

 

 

١٦٧: الاستماع يحقق أكثر من الكلام

“عندما كان أحد الشبان يتحدث هراءً، قال له زينون: ‘السبب في أن لدينا أذنين وفمًا واحدًا، هو أن نستمع أكثر مما نتكلم.’” — ديوجين لايرتيوس، سير الفلاسفة البارزين، 7.1.23

 

لماذا يمتلك الحكماء مشاكلَ أقلّ من مشاكلنا؟ لأنّهم عرفوا كيفَ يخفّضوا من توقّعاتهم، فهم لا يتوقّعونْ ما هوَ مستحيل. والحكيم يعرف كيفَ ينظر لأفضل وأسوأ سيناريو، لا يفكّرونَ فقط في ما يتمنّوه ليحصل، بل يفكّروا بما هوَ واقعي.

 

 

١٦٨: لا تخجل من احتياجك للمساعدة

“لا تخجل من طلب المساعدة. لديك واجب تؤديه، تمامًا كالجندي في ساحة المعركة. فما المشكلة إن كنت قد أُصبت ولم تتمكن من الصعود دون مساعدة رفيق لك؟” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 7.7

 

لم تولد في هذه الحياة وأنتَ تمتلك كلّ الأدوات لحلّ المشاكل. بل كُنتَ تحتاج المساعدة عندما وُلدت. لا يجب عليكَ أن تحلّ كلّ مشاكلك لوحدك في هذه الحياة، فاطلب المساعدة حينَ تحتاجها.

 

 

١٦٩: الهجوم أم الدفاع؟

“ليست للقدر تلك السطوة التي نتخيلها، فهو لا يفرض حصاره إلا على من يتمسكون به. لذا، دعونا نبتعد عنه قدر الإمكان.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 82.5-6

 

سينيكا لا يقول فقط إنك كلما عانيت من صعوباتٍ في التعامل مع الحظ، كلما أصبحت أكثر عرضة له، بل يقول أيضًا إن الطريق الأفضل إلى الأمان هو “الجدار المنيع” للفلسفة. “الفلسفة تساعدنا على ترويض “جنون جشعنا وتخفف من حدة مخاوفنا”.

 

 

١٧٠: مستعدون ونشطون

“ليجدنا القدر على أهبة الاستعداد، فاعلين لا متكاسلين. هنا تكمن عظمة الروح—فيمن يستسلم للقدر عن وعي. على النقيض، هناك النفس الضعيفة المنحطة، التي تكافح ضده وتستخف بنظام الكون.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 107.12

 

مهما يحدث اليوم، دعه يجدنا مستعدّين لمشاكله ولمصاعبه. مستعدّينَ للناسِ التي ستتصرّف بطريقة تُحبطنا. لنكن مستعدّينَ للقبول والسعي في إصلاحه. لا نتمنّى للسفر عبر الزمن ونغيّر الماضي حينما يكونُ خيارُ تغيّيرنا للأفضل هوَ بينَ أيدينا.

 

 

١٧١: ابقَ مركّزًا على الحاضر

“لا تدع التفكير في مجمل الحياة يرهقك. لا تملأ عقلك بكل المصائب المحتملة. ركز على اللحظة الراهنة واسأل نفسك: لماذا تبدو غير محتملة؟ ولماذا لا يمكن تجاوزها؟” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 8.36

 

كم من المواقف التي مررتَ بها، صعبة كانت أو مخيفة، لكنّك تغلّبتَ عليها وعبرت للجهةِ الأخرى. إذًا لمَ تخافُ من ما هوَ قادمٌ وكبير؟ لا تركّز على الصورة الكبرى، لا تركّز في ماراثون ال٣٠ ميل، ركّز في الخطوة القادمة التي ستخطوها فقط.

 

 

١٧٢: الهدوء معدٍ

“إن لم تكن الأشياء التي تسعى إليها أو تتجنبها هي التي تلاحقك، بل أنت من يسعى وراءها، فحاول على الأقل أن تحافظ على ثبات حكمك عليها، وستظل بدورها هادئة، فلا تظهر كأنك تهرب منها أو تطاردها.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 11.11

 

في البحرية الأمريكية هناك مقولة: “الهدوء مُعدي

فالشخص الهادي ، وحبذا إن كانَ قائدًا، في وسطِ الفوضى، فسينشر الهدوء على بقية الموجودين. وإن كانَ عصبيًا ومضطربًا، فالجميع سيصبح مثله. كُن الشخص الهادئ الذي يخبر الجميع أنّهم قادرين ويستطيعون، ثمّ يحوّل الجو من مضطربٍ إلى هادئ.

 

 

١٧٣: تمشَّ

“علينا أن نأخذ جولات في الهواء الطلق، حيث يُغذى العقل ويتجدد بالتنفس العميق وهواء الطبيعة.” — سينيكا، عن هدوء العقل، 17.8

 

على مر العصور، وجد الفلاسفة والكتاب والشعراء والمفكرون أن المشي يوفر فائدة إضافية – الوقت والمساحة للعمل بشكل أفضل. كما قال نيتشه لاحقًا: “إن الأفكار المكتسبة من المشي فقط هي التي لها أي قيمة”.

عندما تشعر بالملل، تمشّى. عندما تواجهك مشكلة وتريد حلّها، تمشّى. عندما تبحث عن أفكارٍ، إبداعاتٍ، أهدافًا، فتمشّى.

 

 

١٧٤: تعريف الجنون

“إذا هُزمت مرة وقلت لنفسك إنك ستتغلب على الأمر، ولكنك واصلت التصرف كما كنت، فاعلم أنك ستصبح في النهاية ضعيفًا لدرجة أنك لن تدرك حتى خطأك، بل ستبدأ في تبرير سلوكك.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 2.18.31

 

تعريف الجونَ هو قيامك بنفسِ الشيء مرارًا وتكرارًا وتوقّع نتائج مختلفة. الفشل في الحياة هوَ شيء لا يمكننا التحكّم فيه واختياره. لكنْ التعلم من الأخطاء هو اختياري. اختر أنْ تتعلّم من اخطائك. التمسك بنفس النمط الفاشل أمر سهل. لا يتطلب أي تفكير أو أي جهد إضافي، وربما هذا هو السبب وراء قيام معظم الناس بذلك.

 

 

١٧٥: الطريق الطويل

“يمكنك أن تجد الآن، في هذه اللحظة، كل ما تصلي من أجله وتسعى إليه بطرق ملتوية—لو توقفت فقط عن حرمان نفسك منه.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 12.1

 

إنْ سألتَ معظّم الناس، ما هوَ هدفهم في هذه الحياة، فستجد إجابات مثل: أريد أن أصبح في هذه المنصب. أريد أنْ أحقق هذا الإنجاز. أريد أن أجني هذا القدرَ من المال.

وإنْ تعمّقتَ أكثر وسألت، ما هوَ السبب الأعمق الذي يدفعك لتحقيقِ هدفك؟ عندها ستجد الإجاباتْ الحقيقية. فالبعضُ يبحث عن السعادة، والبعض يريدُ اعتراف واحترام الآخرين به، والبعض يسعى للحرية.

تبحث عن السعادة؟ موجودة في داخلك.

تبحث عن الحرية؟ هي ضمن اختياراتك.

تبحث عن احترام الآخرينْ لك؟ هذا أيضًا من اختيارك.

بعضُ الأحيانْ نسلُك الطريق الطويل، في حينِ أنَّ الإجابات موجودة في بداية الطريق، في داخلنا.

 

 

١٧٦: المتعلمون حقًا لا يميلون إلى المشاجرات

“الشخص الجميل والطيب لا يدخل في نزاع مع أحد، ولا يسمح للآخرين بالدخول في نزاع معه قدر استطاعته… هذا هو جوهر التعليم—أن تتعلم ما يخصك وما لا يخصك. فإذا حمل الإنسان نفسه على هذا النحو، فأين سيكون مجال للنزاع؟” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 4.5.1؛ 7-8

 

في المرة القادمة التي تجد نفسك في خضمِ نقاشٍ مُحتمل، اسأل نفسك، هل هذا النقاش سيُجدي نفعًا؟ لا يفوزُ طرفان في نقاش أبدًا، فهل سأستفيدُ أنا من الوقوف ضدّ هذا الشخص؟ أم يُفضّل أنْ أتجنّبهُ بالكامل؟ حتّى أحافظْ على راحةِ بالي وهدوئي والابتعاد عن مشاكلَ مُحتملة.

 

 

١٧٧: الحكماء لا يواجهون “مشاكل”

“لهذا نقول إن الحكيم لا يحدث له شيء يخالف توقعاته.” — سينيكا، عن هدوء العقل، 13.3

 

يعتبر روبرت جرين ذلك قانونًا للقوة: قل دائمًا أقل من اللازم.

نتحدث لأننا نعتقد أن هذا يساعدنا، بينما في الواقع، هوَ الذي يجعل الأمور صعبة علينا. إذا كان شريكنا يتنفس الصعداء، فنحن نريد أن نقول له ما يجب أن يفعله. في الواقع، كل ما يريده منا أن نفعله هو الاستماع إليه. في مواقف أخرى، يحاول العالم أن يقدم لنا ردود الفعل، لكننا نحاول إقناع أنفسنا بالخروج من المشكلة – فقط لجعلها أسوأ.

لذا اليوم، هل ستكون جزءًا من المشكلة أم جزءًا من الحل؟ هل ستستمع إلى حكمة العالم أم ستغرقها بمزيد من الضوضاء؟

 

 

١٧٨: جرب العكس

“ما المساعدة التي يمكن أن نجدها في مواجهة العادات السيئة؟ جَرِّب العكس!” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 1.27.4

 

لو كانت لديكَ عادة سيئة، ولا تستطيع التخلّص منها، جرّب فعلَ العكس. فعكس ما هوَ خطأ، هوَ الصحيح.

جرب العكس أحيانًا. كما فعل جورج في حلقة من حلقات مسلسل جيري ساينفيلد، عكس كل خيار ومع ذلك نجح. لأنّ جورج بطبيعة الحال، غرائزه توجّهه للمشاكل، واغلبها خاطئ.

 

 

١٧٩: الشدائد تكشف

“كيف يُفيدك، يا زوجي، أن تزيد سوء الحظ سوءًا بالتذمر منه؟ هذا ما يليق بالملوك—أن يواجهوا المحن مباشرة. فكلما زاد الخطر المحيط بهم، وكلما اقتربت لحظة سقوطهم، وجب أن يكونوا أكثر ثباتًا وصمودًا. ليس من الرجولة أن يهرب المرء من القدر.” — سينيكا، أوديب، 80

 

المدير التنفيذي لشركة تشارلز شواب، يقومُ بمقابلة مئات المتقدّمين للوظائف لدى شركتهم. بطبيعة الحال يصيب ويخيب. ولكن أبرز طريقة يستخدمها ليختارَ بها الشخص ذو السلوك الأنسب، هوَ أخذهم لمطعم، ثمّ يتّفق مع النادل أنْ يُخطئ في طلبهم، ثمّ يراقب ردّة فعلهم.

هل تملّكهم الغضب؟ هل صَبّوهُ على النادل؟ هل تمالكوا أنفسهم؟ تعاملوا مع الموقف بحكمة؟ تناسوا الموضوع؟

حتّى الأشياء الصغيرة تُخبر الكثير عن الشخص، إن لم تكُن علامةً لكلّ شيء في حياته.

 

 

١٨٠: لا حاجة إلى جلد الذات

الفلسفة تشجع على الحياة البسيطة، لكنها لا تعني بذلك حرمان النفس بقسوة—فيمكن للبساطة أن تكون راقية دون أن تتحول إلى قسوة أو جفاف. — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 5.5

 

علّمتنا الفلسفة الرواقية، أنّ لا نكونَ قاسين أشدّ القسوى مع أنفسنا، نعاتبها بعضَ الأحيان ولكن لا نشتمها ونسبّها ونذكّر أنفسنا لأيّ درجةٍ من الحثالة نحن. لنعاملها عن طريقِ النقد البنّاء، ونحلّل أفعالنا وأخطائنا، فالشيء الذي لا يمكن قياسه، لا يمكن تطويره.

 

 

١٨١: لا أعذار

“من الممكن كبح الغرور، والتغلب على اللذة والألم، والسمو فوق الطموح، وعدم الغضب من الحمقى والجُحود—بل حتى الاعتناء بهم.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 8.8

 

“لقد وُلِدتُ هكذا، لن أتغيّر” ”بيئتي سيئة جدًا” ”والديّ مثالُ سيء للتربية” ”لو فقط لم يحصل ما حصل، كانت حياتي ستكونُ جنّة”

والكثير من ما يقوله الناس للتبريرِ عن لماذا لا يُمكنهم أن يُصبحوا أفضل.

وماذا عن الناجحين؟ هل جميعهم امتلكوا اباءً مُشجّعين؟ هل بيئتهم كانت داعمة لكلّ من لديه أحلام؟ لا ولا. فهم مِثلُك تمامًا، ولكنّهم قرّروا اتّخاذ قرارٍ بحلّ مشاكلهم عن طريقِ التركيز عليها أكثر من تركيزهم على أي شيءٍ أخر. إذا هُم استطاعوا، فأنتَ تستطيع أيضًا.

 

 

١٨٢: العقبة هي الطريق

“صحيح أن هناك من يمكنه عرقلة أفعالنا، لكنه لا يستطيع عرقلة نوايانا أو مواقفنا، فهي تتمتع بالقدرة على التكيف. فالعقل يتكيف ويحوّل أي عائق يعترض طريقه إلى وسيلة لتحقيق هدفه. ما كان عقبة أمام الفعل يصبح دافعًا له، وما يعترض المسار يصبح هو الطريق ذاته.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 5.20

 

اليومُ لنْ يمضي بنفسِ ما خطّطتَ له، بل أصعب من باقي الأيام. وهل هنالكَ مشكلة؟ بالطبعِ لا. فعقولنا مرنة وتتكيّف مع الظروفِ مهما كانت. العقل الرواقي ينظر للأشياء بطريقة مختلفة.

  • إذا منعك شيء ما من الوصول إلى وجهتك في الوقت المحدد، فهذه فرصة لممارسة الصبر.
  • إذا ارتكب موظف خطأً باهظ الثمن، فهذه فرصة لتعليم درس قيم.
  • إذا تسبب خلل في الكمبيوتر في محو عملك، فهذه فرصة للبدء من جديد بصفحة نظيفة.
  • إذا آذاك شخص ما، فهذه فرصة لممارسة التسامح.
  • إذا واجهك شيء صعب، فهذه فرصة لتصبح أقوى.

 

 

 

الواجب

١٨٣: قم بعملك

“مهما فعل الناس أو قالوا، فإنني متمسك بالخير. تمامًا كما يظل الزمرد زمرد، أو الذهب ذهب، أو اللون الأرجواني،كما يقول دائمًا: ‘مهما فعل الناس أو قالوا، يجب أن أكون ما أنا عليه، وأن أظهر لوني الحقيقي.’” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 7.15

 

يؤمن الرواقيّون بأنّ كلّ شيء في هذه الحياة يمتلك هدفًا لوجوده. نباتًا، حيوانًا، إنسانًا، وحتّى المجرم لديه دورٌ في هذه الحياة. ودورك يا طالبَ الرواقية أن تحافظ على حكمتك وتكونَ صالحًا وخيّرًا لمن حولك. لِنُصبح ما تمنّته لنا الفلسفة.

 

 

١٨٤: الواجب والظروف

“لا تهرب من أداء واجبك، مهما كان الطقس باردًا أو حارًا، ومهما كنت مرهقًا أو مرتاحًا، ممدوحًا أو مذمومًا، حتى لو كنت على وشك الموت أو تحت وطأة ضغوط أخرى. فحتى الموت هو أحد المهام الكبرى في الحياة، وفيه، كما في غيره، استخدم كل مواردك لأداء دورك على أكمل وجه.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 6.2

 

“هل هذا سيجعلني غنيًا؟” ”هل سيعجب الناس بي؟” ”لأيّ درجة من الصعوبة عليّ المحاولة؟” ”كم سيستغرق من الوقت؟” ”أهذا خيارٌ أفضلُ من ذاك؟”

هذه اسئلة نسألها لأنفسنا في وسطِ اليوم عندما تلاقينا الفرص وتظهر التعهّدات.

في الحياة المهنية والعائلية ستواجهك الكثير من الخيارات، ومنها الصعبة التي لا رجعةَ فيها. من واجبك في هذه الحياة هو اتّخاذ القرار الصحيح والعمل دون التعذّر والتأجيل, فدورك في هذه الحياة هوَ أكبر من مجرّد تساؤلات تأتيك لتُشتّت انتباهك عن ما هوَ حقيقي ومهم في تلك اللحظة.

 

١٨٥: تحويل ما يجب إلى ما يجب القيام به

“مهمة الفيلسوف هي أن يجعل إرادته متوافقة مع كل ما يحدث، بحيث لا يحدث شيء ضد إرادته، ولا تفشل أي من رغباته في التحقق.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 2.14.7

 

سلوكك حولَ الحياة والناس هوَ الملوّن الأساسي لأيامك وأفعالك أيضًا. لا تسمح لكلّ صغيرة أن تغضبك. علِقتَ في زحمة؟ وقتٌ إضافي للاسترخاء. سيارتك تعطّلت؟ اخيرًا سأمشي لمسافة. سيارة تقودُ بسرعة ورشّت عليكَ ماء وسِخ وأفسدَ زيّك؟ تذكيرُ بأنّ كلّ شيء ممكن أن يحصل في هذه الحياة وعلينا التقبّل وأن نكونَ أكثر حذرًا.

انظر للحياة كما لو أنّها عُرِضت عليكَ لتشارك فيها، وليسَ كالشيء الذي أُغصِبتَ لفعله.

 

 

١٨٦: احمِ اللهب

“حافظ على ما هو خير لك في كل ما تفعله، وتقبل كل ما يُمنح لك طالما يمكنك الاستفادة منه بعقلانية. وإن لم تفعل، ستصبح تعيسًا، عرضة للفشل، معرقلًا ومُحبَطًا.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 4.3.11

 

الخيرُ الذي بداخلك كالشعلة المضيئة، أنتَ حاميها وحارسها، تأكّد من حصولها على وقود كافي، واحفظها من أنْ تُطفئ.

 

 

١٨٧: لم يقل أحد أنه سيكون سهلاً

“النفوس الصالحة تفعل ما هو شريف، حتى إن تطلب ذلك جهدًا مضنيًا، أو ألحق بها ضررًا، أو عرّضها للخطر. وبالمثل، فإنها لن تفعل ما هو دنيء، حتى إن جلب لها ثروة، أو لذة، أو سلطة. لا شيء يثنيها عن فعل ما هو شريف، ولا شيء يغريها بما هو دنيء.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 76.18

 

لو كانَ فعل الخيرِ سهلًا، لفعله الجميع. ولو كانَ فِعلُ السيء ليسَ مُغريًا وسهلًا، لما فعله الجميع. ولو كانَ سهلًا لما وُكِّلتَ بتلكَ المهمّة، ولكنّكَ قادرٌ على إنجازِ ما هوَ صعب، وتستطيعُ مقاومة الاغراءات الجاذبة، لأنّ ذلكَ من واجبك في هذه الحياة.

 

 

١٨٨: استيقظ وتألق

“في تلك الصباحات التي تجد فيها صعوبة في النهوض، تذكر هذا: إنني أستيقظ للقيام بعمل الإنسان. فلماذا أستاء من فعل ما خُلقتُ من أجله، من الأشياء التي وُضعت في هذا العالم لتحقيقها؟ أم أنني خُلقت فقط لأستلقي تحت الأغطية وأشعر بالدفء؟ إنه شعور ممتع. ولكن هل خُلقت من أجل المتعة فقط؟ باختصار، هل وُجدت لكي أكون مدللًا أم لكي أُكافح وأعمل؟” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 5.1

 

مُذهلٌ أنّ الإمبراطور الأقوى في العالم، وقبلَ ٢٣٠٠ سنة كانَ يُعاني ويستجمع طاقته وعزيمته ليقوم من فراشه. هذه المعاناة اليومية التي ستظلّ معنا، “خمسُ دقائق إضافية” “لا أريدُ الاستيقاظ ، سأنام قليلًا”. ولكنَّ هذا ليسَ خيارًا، لأنّنا خُلِقنا في هذه الحياة لنؤدّي واجبنا، تجاه ديننا، وأنفسنا ومن هوَ أقربُ إلينا. انهض كلّ يومٍ وقُم بتأدية ما أُمِرتَ به.

 

 

١٨٩: واجبنا أن نتعلم

“هذا ما ينبغي عليك أن تعلمني إياه: كيف أكون مثل أوديسيوس—كيف أحب وطني، وزوجتي، وأبي، وكيف أواصل الإبحار نحو الأهداف النبيلة، حتى بعد أن تحطمت سفينتي.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 88.7

 

سينيكا في هذا النص يستخدم أوديسيوس كنموذج للحكمة والصمود في وجه الشدائد. الرسالة هنا تدور حول الإصرار على القيم الحقيقية رغم المحن. بعبارة أخرى، سينيكا يقول إن الحكمة الحقيقية ليست في تجنب المصاعب، بل في تعلم كيفية الاستمرار رغمها، تمامًا كما فعل أوديسيوس في رحلته الطويلة والشاقة.

 

 

١٩٠: توقف عن العبث

“كفى من هذا التذمر البائس، كفى عبثًا! لماذا أنت مضطرب؟ ما الجديد هنا؟ ما المدهش في ذلك؟ من المسؤول؟ انظر إليه جيدًا. أم أن الأمر نفسه هو المشكلة؟ إذًا، انظر إليه. لا شيء آخر يستحق النظر. ربما حان الوقت لأن تكون أكثر صدقًا ولطفًا. فالأمر سيان، سواء تأملت في هذه الأمور لمئة عام، أو لثلاثة أعوام فقط.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 9.37

 

يُعاتبنا ماركوس أوريليوس عن التذمّر الزائد حيالَ الأشياء التي لم نفعلها، ونتوقُ لفعلها، ثمّ نتشكّى ونتبكّى لماذا حياتنا بهذه الحالة. فلنتوقّف مرةً وللأبد، وبدلًا من التشكّي، أن نُمسك زمام الأمور لأنّ كلّ شيء يحصل في حياتنا هو مسؤوليتنا. فتحقيقُ ما نسعى إليه من مسؤوليتنا، ما يحصل في حياتنا من مسؤوليتنا، تقبّل أنّ كلّ صغيرةٍ وكبيرة في حياتك هيَ من مسؤوليتك.

 

 

١٩١: الملك الفيلسوف

“إني أؤمن بأن الملك الصالح هو، من حيث الأساس، فيلسوف، وأن الفيلسوف هو، منذ البداية، رجل ملكي الطبع.” — موسونيوس روفوس، المحاضرات، 8.33.32-34

 

هناك عدد أقل من الملوك هذه الأيام، لكننا جميعًا قادة بطريقة أو بأخرى— لعائلاتنا، ولشركاتنا، ولفريقنا، ولجمهورنا، ولأنفسنا. إن دراسة الفلسفة هي التي تنمي عقلنا وأخلاقنا حتى نتمكن من أداء عملنا بشكل جيد. لا يمكننا أن نرتجل الأمر ببساطة— فالكثير من الناس يعتمدون علينا للقيام به بشكل صحيح.

 

 

١٩٢: أحب الفن المتواضع

“أحب الفن المتواضع الذي تعلمته، واسترح فيه. عِش بقية أيامك كما لو أنك قد عهدت بكل ممتلكاتك للإله، فلا تصبح طاغيةً على أحد، ولا عبدًا لأي شخص.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 4.31

 

هل تحبّ فنّك؟ هل تمارسه بشكلٍ مستمر؟ هل تعتقد إذا بذلت الجهد الكافي، الباقي سيأتي من نفسه؟ لأنّه سيأتي. جدِ الوقتَ لممارسة الفنّ الذي تحبّه، اتّخذهُ كملاذِ هروبِ لك من هذا العالم.

 

 

١٩٣: بداية طريقك

“وماذا يقول سقراط؟ ‘تمامًا كما يفرح أحدهم بتحسين أرضه، وآخر بترويض حصانه، فإنني أفرح بالعمل على تطوير نفسي يومًا بعد يوم.’” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.5.14

 

كما يوجد الكثير من الناس الذينَ يضعونَ كلّ طاقتهم وساعاتِ حياتهم لعقودٍ وعقود في بناءِ شركة، يُمكنك أنتَ أيضًا تطويرَ نفسك بنفسِ الطريقة. اهتمّ لنفسك وتعلّم من فشلك وابحث عن ما هوَ مفيدٌ لها ويضمنُ بقاءها لفترة طويلة والأهمّ من هذا كلّه، هو ما تُقدّمهُ للمجتمع وللناس من حولك. فالعيشُ بشكلٍ أناني ليسَ من شيَم الصالحون.

 

 

١٩٤: بعض القواعد البسيطة

“في أفعالك، لا تؤجل. في أحاديثك، لا تُشوّش. في أفكارك، لا تسرح. في روحك، لا تكن سلبيًا ولا عدوانيًا. في حياتك، لا تجعل كل شيء يدور حول العمل.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 8.51

 

البساطة ليستْ سهلة، ولكنْ اجعلها أسلوبَ حياتك الأساسي، اكتبها في ورقة وعلّقها على مكتبك.

“البساطة هي قمة التطور” – ليوناردو دافنشي.

 

 

١٩٥: القائد يقود

هناك من، إذا أحسن إلى غيره، سارع إلى احتساب الفضل وانتظار المقابل. وآخر لا يستعجل ذلك، لكنه لا يزال يرى الطرف الآخر مدينًا له ويحفظ المعروف في نفسه. ثم هناك النوع الثالث—ذاك الذي يصنع الخير دون أن يتوقف عنده، كما تنبت الكرمة عناقيد العنب دون أن تطالب بشيء، وكما ينطلق الحصان بعد سباقه، أو يعود الكلب بعد نزهته، أو تتابع النحلة صنع عسلها. مثل هذا الإنسان، إذا قام بعمل نبيل، لا ينادي به على الملأ، بل يمضي ببساطة إلى الفعل التالي، تمامًا كما تطرح الكرمة عناقيدها في أوانها. — ماركوس أوريليوس، التأملات، 5.6

 

الأشخاص الأقل نضجًا يدافعونَ عن أفكارهم، ولا يتركونَ لأيّ شخص أن يَسلبَ فضلهم في ما قاموا به. لكِن الشخص العاقل، وغالبًا القادة، لا يهتّمونَ لِمن يُنسب لهُ الفضل طالما أنّ العمل تمّ إنجازه.

والرجل الحكيم لا يُنجز عملًا ويصرخ للباقين ليأتوا ويروا ما أنجزه، بل ينتقل لينجز عملًا أخر.

 

 

١٩٦: القليل من المعرفة أمر خطير

“كل قوة عظيمة خطيرة على المبتدئ. لذا، عليك أن تستخدمها بقدر استطاعتك، ولكن بانسجام مع الطبيعة.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.13.20

 

المعلّمين العظماء يكونوا شديدين على طلّابهم الواعدين، فهُم يرون مستقبًلًا واعدًا. لكن إبيكتيتوس يقولْ أنّ مثلَ هؤلاء الأشخاص لو أخبرناهم بالقوةِ الكامنة التي بداخلهم، ربّما يزدادوا غرورًا ويبنوا حولها عاداتٍ سيئة في استخدامِ قوّتهم بما يضرّ الآخرين وربّما أنفسهم.

يجب عليهم أن يأخذوا الأمور برويّة، ويتدرّبوا ببطئ وتواضع.

 

 

١٩٧: القيام بالشيء الصحيح يكفي

“عندما تفعل الخير وينتفع به شخص آخر، فلماذا، كالأحمق، تبحث عن أمر ثالث فوق ذلك—كأن تنال الثناء على فعلك، أو أن تنتظر معروفًا في المقابل؟” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 7.73

 

عميقة جدًا هذه المقولة. لماذا نبحث عن الثناء والشكر؟ أو المال؟ أو الفضل والتقدير مقابل فِعلنا للشيءِ الصحيح؟ ألسنا في هذه الدنيا لنُخفّف على بعضنا البعض مشقّة الطريق؟ كلّ شخصٍ تلتقي به، يُحاربُ معاركَ لا تُحصى في داخله.

 

 

١٩٨: تقدم الروح

“إلى أي خدمة تكرس روحك؟ اسأل نفسك هذا السؤال باستمرار، وافحص ذاتك بعمق لترى علاقتك مع مبدئك الحاكم. أي روح أملك الآن؟ هل أملك روح طفل، أو شاب، أو طاغية، أو حيوان أليف، أو وحش جامح؟” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 5.11

 

على ماذا تعهّدتْ؟ لأيّ سبب وأيّ مهمّة، وأيّ هدف؟ ماذا تفعل؟ ولماذا تفعل ما تفعل؟ كيف لأفعالك اليومية أن تعكسْ قيَمك التي تُهمّك؟ هل تصرّفاتك اليومية تقرّبك من الوجهة التي تُبحرُ إليها؟ أم هيَ تجعلك تتجوّل وبضلالةٍ لوجهةٍ لا عِلمَ لكَ بها؟

الإجابة على هذه الأسئلة قد لا يكونُ مريحًا، ولكنّهُ سيزيدُ وعيَك حولَ تحسين تصرّفاتك اليومية، وفصلْ نفسك عن المخلوقاتِ الجامحة التي ذكرها ماركوس أوريليوس.

 

 

١٩٩: لا تتخلى عن الآخرين… أو عن نفسك

“وأنت تسير في طريق العقل، ستجد من يقف في طريقك. لكنهم لن يستطيعوا منعك من فعل الصواب، فلا تسمح لهم أن ينتزعوا مودتك تجاههم. راقب الجانبين: الحفاظ على أحكامك الصحيحة وأفعالك المستقيمة، وأيضًا التحلي باللطف تجاه من يعرقل طريقك. لأن الغضب ضعف، تمامًا كالتراجع أو الهروب تحت الذعر.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 11.9

 

في طريقك للأعالي ستجد من يقف في طريقك، من الطبيعي أن لا تدعهم يوقفوك. ولكنْ أيضًا لا تنسى وتتخلّى عنِ رفاقك الذينَ خلفك، ولمْ يتسلّقوا معك. في النهايةِ أنتَ أيضًا كُنتَ في نفس المكان الذي كانوا هم فيه.

 

 

٢٠٠: كل واحد سيد مجاله الخاص

“إرادتي العاقلة لا تتأثر بإرادة جاري، تمامًا كما لا تتأثر بأنفاسه أو بجسده. ورغم أننا خُلقنا للتعاون، فإن العقل الحاكم في كلٍّ منا سيدُ أمره. ولو لم يكن الأمر كذلك، لكان لشرّ الآخرين أن يضرّني، لكن الله لم يرد أن يكون مصيري في يد غيري.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 8.56

 

هل يمكننا أن نقتنع بفكرة أنّ من حولنا لهم حياتهم الخاصة؟ وهم أحرارٌ في اختياراتهم؟ أولًا يجب أن تعيشَ حياةً بدونِ أن تؤثّر على حياةِ الآخرين، ثانيًا أن تقبلَ أنّ الآخرين يريدونَ أن يعيشوا حياتهم بدونِ أنْ يؤثّر عليهم شخصً من الخارج مثلَ رغبتك تمامًا.

 

 

٢٠١: سامحهم لأنهم لا يعرفون

“كما قال أفلاطون، لا تُحرم النفس من الحقيقة إلا رغماً عنها. والأمر نفسه ينطبق على العدل، وضبط النفس، وحسن النية تجاه الآخرين، وكل فضيلة مشابهة. من الضروري أن تستحضر هذا دائمًا في ذهنك، لأنه سيجعلك أكثر رحمة ولينًا مع الجميع.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 7.63

 

بعضُ الناس قد يؤذيك، يَضرّ بالآخرين، يؤذي نفسه بقرارتٍ سقيمة. لا تلومنّهُ لأنّ السبب قد يكونُ في بعضِ الأحيان هوَ حقيقة غائبة أو معرفة مفقودة. فالجاهل في الإسلام لا يُحاسب على ذنبه.

قال ابن عثيمين: ولهذا نقول: كل إنسان فعل شيئاً محرماً جاهلاً به فإنه ليس عليه إثم، ولا يترتب عليه عقوبة، لأن الله تعالى أرحم من أن يعذب من لم يتعمد مخالفته ومعصيته.

 

 

٢٠٢: خُلِق من أجل العدالة

طبيعة الكون قد خلقت الكائنات العاقلة لأجل بعضها البعض، بنية التعاون والمنفعة المتبادلة وفقًا للقيمة الحقيقية، لا الضرر. ومن يخالف إرادة الطبيعة، فهو دون شك يعارض الاله.”
— ماركوس أوريليوس، تأملات، ١.١.٩

 

وللهِ الحمد نمتلك حسّ العدالة ولا نرضى بأنّ يتخطّى الناس الطوابير، ولا نحبُّ المتطفّلين، وندفع ضرائبنا في وقتها.

 

٢٠٣: خُلِق من أجل العمل معًا

“كلما وجدتَ صعوبة في النهوض صباحًا، ذكّر نفسك بأنّ الاله قد خلقك لأجل العمل مع الآخرين، في حين أنّ النوم يشترك فيه حتى الكائنات غير العاقلة. ووحدها غايتنا الطبيعية — العمل والعطاء — هي الأجدر بنا، والأكثر انسجامًا مع نفوسنا.”
— ماركوس أوريليوس، تأملات، ٨.١٢

 

 

٢٠٤: لا أحد يوجه مسدسًا إلى رأسك

“لا يكون الفعل نبيلًا إن تم أداؤه على مضض أو تحت الإكراه. كل فعل نبيل لا بد أن يكون طوعيًا.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 66.16

 

لديكَ الخيار في أن لا تفعل الشيء الصحيح. بإمكانك اختيار الأنانية، حبّ النفس، كره التطوّع. لكِن إذا فعلتَ الشيء الصحيح، فلا تفعله من بابِ الكره.

 

 

٢٠٥: استقبل التكريمات والإهانات بنفس الطريقة تمامًا

“تلقَّ الأشياء دون غرور، واتركها دون تعلّق.”— ماركوس أوريليوس، التأملات، 8.33

 

هذا ما يقوله ماركوس. لا تأخذ إهانات اليوم على محمل شخصي، والتقديرات أيضًا، خاصة عندما يكلفك الواجب بقضية مهمة. التفاصيل التافهة مثل صعودك وهبوطك في منصبك لا تقول شيئًا عنك كشخص. فقط سلوكك سيقول.

 

 

٢٠٦: في مكان ما يموت شخص ما

“عندما تصلك أخبار مزعجة، تذكر أن لا شيء منها يمكن أن يمس قدرتك على الاختيار العقلاني. هل يمكن لأحدهم أن يخبرك بأن افتراضاتك أو رغباتك خاطئة؟ مستحيل! لكن يمكنهم أن يخبرك بأن شخصًا ما قد مات—ومع ذلك، فما شأنك أنت بذلك؟” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.18.1-2

 

قد يحادثكَ صديقك عن خبرٍ مُفجع في الجهة الأخرى من العالم، وتردّ عليهِ بِحُزنِكَ على الضحايا.

هل حُزنك على الضحايا ساعدهم؟ أم الشعور السيء قد أثّر عليكَ سلبًا لا غير؟ إن لم تستطع تقديمَ شيءٍ ملموس أو قد يخلقُ فرقًا بسيطًا، فلماذا تُتعب نفسك وأنتَ لديكَ واجبات وعائلة لتهتمَ بها؟ لا تدع مثلَ هذه الأشياء تؤثّر عليك.

 

 

٢٠٧: ماذا يوجد على شاهد قبرك؟

“حين ترى شخصًا يتباهى بمكانته أو منصبه، أو آخر يتردد اسمه في المحافل العامة، لا تشعر بالحسد؛ فمثل هذه الأشياء تُشترى على حساب الحياة ذاتها… يموت البعض وهم لا يزالون على أول درجات سلم النجاح، ويموت آخرون قبل أن يصلوا إلى القمة، أما القلة التي تبلغ القمة بعد أهوال لا تُحصى، فسرعان ما تدرك أن كل ما حققوه لا يعدو كونه نقشًا على شاهد قبر.” — سينيكا، عن قِصر الحياة، 20

 

قد يتعذّر السياسي تركَ عائلته لأجلِ العمل. ويتعذّر الكاتب عزلته لأجلِ الكتابة. فالأول يهوى الشهرة والثاني يهوى شعورَ العظمة. البشر حيوانات تبحث عن القوة والتفرّد والأهم هوَ اعتراف الآخرينَ بهم، مهمّا كلّف الأمر. فالنجاح الذي يموتونَ من أجله، هوَ فقط بالتخلّي عن الرغبة، وغالبًا الاشياء التي يبحثونَ عنها في النجاح قد يجدوها في داخلهم.

 

 

٢٠٨: عندما لا يفعل الرجال الصالحون شيئًا

“غالبًا ما تكمن الظلم ليس فقط فيما تفعله، بل فيما تمتنع عن فعله أيضًا.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 9.5

 

ليسَ الهدف فقطْ أن تعيشَ بدونِ اقترافك لأيّ شرور، ولكن من واجبك فعل الخير أيضًا. وإلّا ظلمتَ نفسك ومن حولك.

 

 

٢٠٩: أين يوجد أي شيء أفضل؟

“إذا وجدتَ في الحياة البشرية شيئًا أفضل من العدل، أو الحقيقة، أو ضبط النفس، أو الشجاعة—وباختصار، أفضل من الاكتفاء الذاتي لعقلك، الذي يجعلك تتصرف وفقًا لما يمليه العقل الصائب، ويجعلك تتقبل ما تمنحه لك الأقدار مما هو خارج عن نطاق اختيارك—فأقول لك، إن وجدتَ خيرًا من هذا، فتشبث به بقلبك وعقلك، واستفد منه أقصى ما تستطيع.” ****— ماركوس أوريليوس، التأملات، 3.6.1

 

نحنُ كبشر، نحارب ونسعى طيلة حياتنا من أجلِ الحصولِ على المال، والنجاح، ظنًّا منّا أنّها الإجابة لتساؤلاتنا، أو أنّ إعادة الميّت للحياة سيملأ الفراغ الموجود داخلنا. ولكنّ بمجرّد حصولنا على المال تزدادُ مشاكلنا، وحينَ تتسلّق جبلَ النجاح تجدْ جبالًا أعلى منه. والحُبُّ ليسَ كافيً أبدًا.

الشيء الوحيد الذي يقصده ماركوس أوريليوس هوَ الفضيلة الحقيقية. هيَ ما نحتاجه في كلّ وقت، فهيَ مكوّنة من الصدق والشجاعة والانضباط والعدل، هيَ الشيء الوحيد الذي يستحقّ السعيَ لأجله. (والفضيلة هيَ الأخلاق العالية (الشجاعة، الصدق، العدل)، وفعل الشيء الصحيح)

 

 

٢١٠: تحقق من امتيازك

“بعض الناس أذكياء، وآخرون أغبياء؛ بعضهم نشأ في بيئة أفضل، وآخرون في بيئة أسوأ. الفئة الأخيرة، ذات العادات والتربية الأدنى، ستحتاج إلى مزيد من الدليل والتوجيه الحذر حتى تستوعب هذه التعاليم وتتأثر بها—تمامًا كما أن الأجساد الضعيفة تتطلب رعاية مكثفة لاستعادة صحتها الكاملة.” ****— موسونيوس روفوس، المحاضرات، 1.1.33-1.3.1-3

 

الفلسفة هي تكوين روحي، ورعاية للروح. يحتاج البعض إلى رعاية أكثر من الآخرين، تمامًا كما يتمتع البعض بعملية أيض أفضل أو ولدوا أطول من الآخرين.

كلما كنت أكثر تسامحًا مع الآخرين – كلما كنت أكثر وعيًا بامتيازاتك المختلفة – كلما كنت أكثر مساعدة وصبرًا.

 

 

٢١١: علاج للذات

“الشخص الذي مارس الفلسفة كوسيلة لمعالجة ذاته يصبح عظيم النفس، مفعمًا بالثقة، لا يُقهر—ويزداد عظمة كلما اقتربت منه.” ****— سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 111.2

 

سينيكا يدعونا لممارسة الفلسفة لتصنعَ منّا أشخاصًا بصفاتِ حسنة، وكلّما مارسناها أكثر، بنينا طبقاتٍ من المزايا كالبصلة ولكنْ بتشبيهٍ حسن.

 

 

٢١٢: الفرح الرواقي

“ثق بي، الفرح الحقيقي أمر جاد. هل تعتقد أن بإمكان أي شخص أن يواجه الموت بسهولة ويعتبره مجرد أمر عابر؟ أو أن يقبل الفقر ببساطة، أو يكبح رغباته، أو يتأمل في تحمل المعاناة؟ من يتقبل هذه الأفكار حقًا هو من يكون ممتلئًا بالفرح، لكنه ليس بالضرورة مرحًا. وهذا هو الفرح الذي أتمناه لك، لأنه لن ينضب ما دمتَ قد وجدت مصدره.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 23.4

 

الفرح شيءٌ أعمق من ما نتصوّر. فعندما نسمع شخصًا “فرحًا لأنّه ترقّى” أو “فرحتْ لسماعها الخبر” فهذه أقرب للهتاف وليسَ للفرح. الفرح بالنسبة لسينيكا هو شعور أعمق من هذا كلّه. فهوَ داخلي، ولا يُعبّر عنهُ بالضحك والهتاف والابتسام. وإنّما هوَ ينتج عندما نفعل ما هوَ أسمى منّا. حينما نُساعد الأقربون، نؤدّي مهامنا على أكملِ وجه.

الفرح يكونُ بالهدف، والتميّز وأداءِ الواجب، وليسَ بتعالي الأصوات والهتافات.

 

 

٢١٣: حياتك المهنية ليست حكمًا مدى الحياة

“ما أتعس المحامي الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة في قاعة المحكمة، في سن متقدمة، وهو لا يزال يترافع لصالح موكلين مجهولين، ويسعى لنيل استحسان جمهور من الجهلة.” — سينيكا، عن قِصر الحياة، 20.2

 

يقول رايان هوليداي أنّ كل بضعة سنوات نسمع عن مليونير أخذته عائلته والمساهمين في شركته للمحكمة بحجّة أنّهُ هرِم ولم يعد يستطيعُ اتّخاذ قراراته بنفسه. فيتعرّض للإذلالِ ويُكشف عن نقاطِ ضعفه للعامّة.

لا تتغاضى عن حقيقة أنّكَ ستشيخ وتُصبح غيرَ قادرًا على العمل. لا تجعل حياتك كلّها متمحورة حولَ عملًا يسلبك ما هوَ أهمّ في هذه الدنيا.

 

 

 

البراجماتية: “النهج الذي يقيم صحة معنى النظريات أو المعتقدات من حيث نجاح تطبيقها العملي”

٢١٤: لا تنتظر الكمال

“ذلك الخيار مر، إذًا تخلَّ عنه! هناك أشواك في الطريق، إذًا ابتعد عنها! لا داعي للمزيد من التذمّر. لماذا تستغرق في التفكير حولَ وجود الأشياء المزعجة؟ مثل هذا التفكير سيجعلك أضحوكة لدى من يفهمون قوانينَ الطبيعة، تمامًا كما قد يسخر منك النجار أو الإسكافي إذا اشتكيت من نشارة الخشب أو بقايا الجلود في ورشاتهم. ولكن بينما يملك هؤلاء صناديق للقمامة، فإن الطبيعة لا تحتاج إليها.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 8.50

 

نريد أن تسير الأمور على ما يرام، لذلك نقول لأنفسنا أننا سنبدأ بمجرد أن تكون الظروف مناسبة، أو بمجرد أن نحدد اتجاهاتنا. بينما في الواقع، سيكون من الأفضل التركيز على الاكتفاء بما هي عليه الأمور بالفعل.

“الشخص الوحيد القادر على فعل الخير هو الذي يعرف كيف تكون الأشياء وما هي حالتها”. لا تدع الأشياء الصغيرة في هذه الحياة تُعرقلك عن فعل ما هوَ مهم ومطلوبٌ منك. فالأعذار التي تختلقها واهية، ولو بدأت مباشرة، بدلًا من تضييع الوقت في الحديث، لكنت في مرحلة متقدمة، سواءً من الإنجازِ أو الفِهم.

 

٢١٥: يمكننا العمل على أي حال

“كيف يمكن للنفي أن يكون عائقًا أمام تهذيب النفس أو بلوغ الفضيلة، طالما أنه لم يُمنع أحد يومًا، بسبب النفي، من التعلم أو ممارسة ما هو ضروري؟” — موسونيوس روفوس، المحاضرات، 9.37.30–31، 9.39.1

 

مهما ساءت الظروف، اعمل في أيّ مساحةٍ وأيّ قدرةٍ لديك. روزفيلت الرئيس الأمريكي أجرى عملية قيلَ لهُ فيها أنّهُ سيلازم الكرسي المتحرك، ردّ بكلّ شغف وحماسة: “حسنًا، سأستطيع العمل هكذا أيضًا”

مهما ساءت الحياة، فإمكانك إيجاد الطريقة التي تستطيع العمل بها، فالرجال الحقيقي ليسَ ضحيةً لظروفه، بل هوَ الذي يصنع من ظروفه المستحيل مهما كانت.

 

 

٢١٦: الحياة الطيبة في أي مكان

“أنت في هذه اللحظة لا تسير في رحلة، بل تتخبط متنقلًا من مكان إلى آخر، رغم أن ما تبحث عنه—وهو العيش الكريم—يمكن تحقيقه في أي مكان. هل هناك مكان أكثر اضطرابًا من ساحة القضاء؟ ومع ذلك، حتى هناك يمكنك أن تعيش بسلام، إن لزم الأمر.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 28.5-6

 

تخاطبنا النفسُ أنّها تريدُ مكانًا أفضل للعمل، بيئةَ حسنة وواعدة، تغيّير الوجوه التي نراها كلّ يوم، من أجلِ ماذا؟ من أجلِ الحصول على الإلهام الغائب منّا، والذي سيفرق كثيرًا في جودة عملنا. ولكن سينيكا يقول أنّ الحياةِ الجيّدة التي تبحث عنها هي هنا، في نفسِ مكانك الذي أنتَ فيه الآن. هنا هوَ مكانك الجيّد للمعيشة وللعمل.

 

 

٢١٧: لا تلوم، فقط ركز

“يجب أن تتوقف عن لوم الله، وألا تلوم أي شخص آخر. يجب أن تتحكم تمامًا في رغباتك، وأن توجه نفورك نحو ما يقع ضمن نطاق اختيارك العقلاني. لا تدع الغضب أو الاستياء أو الحسد أو الندم يجد طريقه إليك.” ****— إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.22.13

 

نيلسون مانديلا ولمدّة ١٨ عامًا لم يملك إلّا وعاءً لفضلاته. كانَ ينطّ الحبل بحبلٍ خيالي، وكان يتمرّن ملاكمة الظل ليحافظ على ليقاته وشكله. كانَ الشخص الذي يحفّز السجناء حينَ تصعب عليهم الأيام المظلمة والفراغ المرعب. كانَ أكثرهم مرفوعَ الرأس بينَ كلّ السجناء.

إن الثقة بالنفس هي ملك لك أيضًا. بغض النظر عما حدث وسيحدث اليوم، وبغض النظر عن مكان وجودك، تحول إلى ما يكمن في اختياراتك المعقولة. تجاهل قدر استطاعتك، المشاعر التي تظهر لتشتت انتباهك. لا تفرط في الانفعالات وردّات الفعل، ركز، ركز، وركّز!

 

 

٢١٨: الصمت قوة

“الصمت درس نتعلمه من معاناة الحياة الكثيرة.” — سينيكا، ثيستيس، 309

 

تذكّر الشيء الذي قلته وجعلك تندم بسبب ردّة فعل من حولك أو العواقب التي تبعتك. قالَ روبيرت قرين: “كلّما تكلمتَ أكثر، كلّما زادت فرصتك في التفوّه بشيءٍ غبي”

الحكيم هوَ الشخص الذي يعلم قوة الصمت.

 

 

٢١٩: هناك دائمًا مساحة أكبر للمناورة مما تعتقد

“واجه الصعوبات بالتفكير العميق—فالأوقات العصيبة يمكن تلطيفها، والمآزق الضيقة يمكن توسيعها، والأعباء الثقيلة يمكن تخفيفها، إذا استطعت أن تضغط على النقطة الصحيحة.” ****— سينيكا، عن هدوء العقل، 10.4

 

هل كنتَ ستخسر مباراة أو لعبة وملأكَ اليأس ولكن بقدرةِ قادر فُزت؟ أو امتحانٍ ذاكرتَ له ولكن اعتراك الخوف، ولكنّك نجحت رغم ذلك؟ إنّها الأشياء والافعال الصغيرة، وإيمانك بنفسك وقبلها كلّها توفيق الله هيَ التي تُساعدك في التغلّب على العقبات. الطاقة الإيجابية ويقينك بالنجاح دام أنّك فعلتَ كلّ ما بوسعك، فسيكون الانتصار من نصيبك. وإن فشلت؟ فحاول مجدّدًا.

 

 

٢٢٠: عملي ومبدئي

“حيثما يمكن للإنسان أن يعيش، يمكنه أيضًا أن يعيش عيشًا حسنًا؛ فالحياة قائمة حتى في متطلبات المحكمة، وهناك أيضًا يمكن للمرء أن يعيش جيدًا.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 5.16

 

سواءً عشتَ في طوكيو، أو نيويورك، أو حتّى مدينةٍ صغيرة لم يسمع بها أحد، فبإمكانك أنْ تعيشَ حياةً جيدة. لأنّ الحياة الجيّدة يحدّدها الشخصُ بنفسه، من داخله.

 

 

٢٢١: ابدأ من حيث يوجد العالم

“افعل الآن ما تقتضيه منك الطبيعة. اشرع فيه فورًا إن كنت قادرًا. لا تنتظر أن يلاحظ الآخرون ذلك. لا تتوقع تحقيق جمهورية أفلاطون المثالية، بل كن راضيًا حتى بأصغر تقدم، واعتبر النتيجة أمرًا بسيطًا.” ****— ماركوس أوريليوس، التأملات، 9.29.4

 

هل سمعت من قبل عبارة “لا تدع الكمال عدوًا للجودة الكافية”؟ الفكرة ليست أن تستقر على معاييرك أو تتنازل عنها، بل أن لا تقع في فخ المثالية. هنالكَ مئات الأشياء الصغيرة التي لو بدأتَ بفعلها اليوم، ستجعل العالم أفضل. والشرط هوَ أنْ لا تعتريكَ عقلية الشخص المتعذّر والمتذمّر من ظروفه. ابدأ بخطوةٍ حتّى لو كنتَ في وسطِ إعصار كاترينا.

 

 

٢٢٢: التزم بالحقائق فقط

“لا تخبر نفسك بأكثر مما تنقله إليك الانطباعات الأولية. لقد قيل لك إن شخصًا ما يتحدث عنك بسوء. هذه هي المعلومة—لكن لم يُقال إنك قد تعرضت للأذى. أرى أن ابني مريض، لكن لم يُقال إن حياته في خطر. لذا، تمسك دائمًا بالانطباع الأولي، ولا تضف إليه من خيالك—وهكذا لن يحدث لك شيء يزعجك.” ****— ماركوس أوريليوس، التأملات، 8.49

 

باختصار، يقولُ ماركوس أوريليوس لا تفسّر الأشياء على هواك، وتقبّل الانطباع الأولي. إنْ رُفضتَ من الوظيفة، فهذا يعني أنكَ رُفضت من الوظيفة. لا يعني أنّ مدير الشركة يكرهك، وأنتَ مجرّد فاشل لا يستطيع أن يُقبل في أيّ مكان، وهذا لا يعني أنكّ ستموتُ جوعًا. رُفضتَ من الوظيفة يعني أنّكَ رُفضت من الوظيفة. حان الوقت للتقديم في مكانٍ آخر وتخطّي الماضي.

 

 

٢٢٣: الكمال هو عدو الفعل

“نحن لا نتخلى عن سعينا لمجرد أننا نشعر باليأس من تحقيق الكمال فيه.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 1.2.37

 

مقصد إبيكتيتوس هوَ أنْ لا وجودَ للمثالية. نحنُ بشر، وعلينا أن نُركّز على التقدّم والأفعال بدلًا من النتائج والمثالية. فقط افعل ما يجب عليكَ فعله.

 

 

٢٢٤: لا وقت للنظريات، فقط للنتائج

“عندما نشأت لدينا مسألة ما إن كان اكتساب الفضيلة يكون من خلال العادة أم النظرية—بشرط أن تكون النظرية هي ما يعلمنا السلوك الصحيح، والعادة هي أن نعتاد التصرف وفقًا لهذه النظرية—رأى موسونيوس أن العادة هي الأكثر تأثيرًا.” ****— موسونيوس روفوس، المحاضرات، 5.17.31-32، 5.19.1-2

 

العملي يتفوّق على النظري في هذا العالم. مهما كانتْ النظرية بسيطة وواضحة، ففي الظروف، تفوزُ أفعالنا. العادة المستمرة وبشكلٍ يومي. مارِسْ عادة الشجاعة في كلّ موقفٍ صغير، وستجدك اكتسبتَ هذه الصفة بمرورِ الزمن.

 

 

٢٢٥: اجعل الكلمات ملكك

“لقد تحدث أفلاطون، وزينون، وخريسيبوس، وبوسيدونيوس، وجمعٌ من الفلاسفة الرواقيين العظماء بكلمات كثيرة. لكن كيف يمكن للمرء أن يثبت أن كلماته خاصة به؟ من خلال تطبيق ما يعظ به.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 108.35، 38

 

أليكس هورموزي يقول: “walk the talk” يعني أن نقول ما نفعله، أو نفعل ما نقوله. فالكثير من بائعي التحفيز والكلام المشجّع لا يُنفّذون ما يقولون. والفلاسفة القدامى لم يهمّهم ما لإذا كانَ الشيء أصلي، فالمهم هو أن يتم تطبيقه ويكونُ مفيدًا. حتّى أنتَ بإمكانك أخذ أيّ من هذه الاقتباسات وتعديلها كما شئت واستخدامها، فكلّهم ميتون ولن يمانعوا على الأغلب.

 

 

٢٢٦: تولى المسؤولية وانهِ مشاكلك

“لقد تحملتَ الكثير من المتاعب—كل ذلك لأنك لم تدع عقلك الحاكم يقوم بالعمل الذي خُلق لأجله—لقد حان الوقت لتتوقف!” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 9.26

 

وكم من مرةٍ خِفتَ ولكنْ انتهى الأمر بسلام. وكم من مرةٍ تصرّفتَ بناءً على قلقك واضطرابك ثمّ ندمتَ لاحقًا؟ تجنّب التصرّف بناءً على الحالة التي تشعر بها ودع عقلك الحاكم هوَ المتصرّف، لأنّهُ يعرف الصواب من الخطأ دونَ أنْ يسمحَ تدخّل مشاعرَ لا فائدةَ بوجودها.

 

 

٢٢٧: هذا ليس من أجل المتعة. إنه من أجل الحياة

“الفلسفة ليست استعراضًا مسرحيًا، ولا وسيلة للترفيه. إنها لا تهتم بالكلمات، بل بالحقائق. إنها لا تُستخدم لمجرد التسلية أو شغل وقت الفراغ. بل إنها تشكّل الروح، وتمنح الحياة نظامًا، وتوجّه الأفعال، وتوضح ما يجب فعله وما يجب تجنبه—إنها تجلس خلف دفة السفينة، موجهة مسارنا وسط التقلبات. بدونها، لا يمكن لأحد أن يعيش بلا خوف أو قلق، إذ إن هناك أمورًا لا تُحصى تتطلب المشورة، وهذه المشورة يجب أن تُطلب من الفلسفة.” ****— سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 16.3

 

فنحنُ الرواقيون، لا نتّخذ الفلسفة نهجًا لمتعتها، أو لنتفاخر بكوننا تلاميذنا لأباء الرواقية. إنّما هيَ مدرسة تطبيقية بحتة. فكلّ ما تحدّثوا عنه، نستطيعُ تطبيقهُ في حياتنا لننعم برضى وإنجاز ونكتشفْ حقيقةً أنّ ما نسعى إليه ليسَ في الخارج، وإنّما هو في الداخل.

 

 

٢٢٨: المحكمة العليا لعقلك

“يمكن تلخيص هذا في كلمات قليلة: الفضيلة هي الخير الوحيد؛ لا يوجد خير مؤكد بدون الفضيلة؛ والفضيلة تسكن في أسمى جزء فينا، وهو العقل. وما هي الفضيلة إذن؟ إنها الحكم الصادق الثابت. فمنها تنشأ جميع الدوافع العقلية، وبواسطتها تصبح كل انطباعاتنا واضحة.”سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 71.32

 

في هذه اللحظة أريدك أن تفكّر في الشخص الواثق الذي يثق فيه الناس. الشخص الذي تعرفه ذو الكاريزما العالية، لماذا يتميّز بهذه الصفات؟ لأنهُ لا يخلف وعودًا، لأنّهُ ينفّذ ما يقول، وتجدهُ حينَ تحتاجه. هذه كلّها تتشكّل من الأفعال والتصرّفات الصغيرة. فالإنسانْ هوَ مجموعة أفعاله الصغيرة جدًا.

 

 

٢٢٩: أي شيء يمكن أن يكون ميزة

“كما أن الطبيعة العاقلة قد وهبت كل إنسان قواه العقلية، فقد منحته أيضًا القدرة على تحويل أي عقبة أو عائق إلى مادة خام تخدم غايته.”ماركوس أوريليوس، التأملات، 8.35

 

لاعب السلّة بوقوس كانَ أقصر لاعب سلّة في الNBA، مما ظنّ الناس أنّ طوله لن يساعد ولكنّهُ كانَ مفيدًا لكونه أسرع من اللاعبين الآخرين ويستطيع سرقة الكرة من اللاعبين الأطول منه بكلّ مهارة واحترافية.

ما هوَ الشيء في حياتك الذي تعتقد أنهُ مُعرقلٌ لك ولكنْ ربما يكونُ ذو ميزة وفائدة كبيرة؟

 

 

٢٣٠: يتوقف الأمر هنا

“لا شيء خارج عن إرادتك العقلانية يمكنه أن يعيقها أو يؤذيها—إنما إرادتك العقلانية وحدها من يمكنها فعل ذلك بنفسها. فلو أننا كلما فشلنا ألقينا باللوم على أنفسنا فقط، وتذكرنا أن القلق لا يأتي إلا من آرائنا، لكنا قد بدأنا بالفعل في تحقيق تقدم حقيقي.”إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.19.2-3

 

جرّب اليوم أن ينتهي بدونِ أن تُلقي اللوم على أي شخص آخر. وحتّى لو نعتك شخص؟ الخطأ فيكَ لأنّك حسّاس، وفسّرتها بطريقةٍ مختلفة. لا تتوقّع أيّ شيء من أيّ شخص، وبهذا لن تغضب مهما حصل. مارس عدم اللوم اليوم، حتّى لمدّة ساعة، أو لمدّة دقيقة. ابدأ حيثما كنت.

 

 

٢٣١: فقط الحمقى هم من يسرعون إلى الأمام

“الشخص الصالح لا يُقهر، لأنه لا يخوض نزالات إلا في الأمور التي يملك فيها القوة. إن كنت تريد ماله، فخذه—خذ عصاه، مهنته، جسده. لكنك لن تستطيع أبدًا أن تجبره على التخلي عن اختياره العقلاني، ولا أن تحاصره فيما يسعى لتجنبه. فالمنافسة الوحيدة التي يدخلها الشخص الصالح هي منافسة عقله. فكيف يمكن له ألا يكون لا يُقهر؟”إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.6.5-7

 

لا تقاتل من هوَ أقوى منك. وتريّث حتّى لا تأخذ المهمّة المستحيلة. فكّر قبلَ أن تقولَ نعم لكلّ شيء. فكّر كثيرًا قبلَ أن تختار، لا تختر ما سيهزمك.

 

 

٢٣٢: حصر ما هو غير ضروري

“يُقال إن السلام الداخلي يأتي من الانشغال بالقليل. لكن أليس من الأفضل القول: افعل ما هو ضروري، وبما يليق بكونك كائنًا عقلانيًا خُلق للحياة العامة؟ فهذا لا يمنحك فقط راحة البال من خلال تقليل المهام، بل يمنحك أيضًا سكينة أعظم من خلال إنجازها بشكل جيد.”ماركوس أوريليوس، التأملات، 4.24

 

الرواقيّون ليسوا رهبانًا، فلم يسكنوا أعالي الجبال وفضّلوا العزلة. بل كانوا سياسيّون، ورجال أعمال، وفنانين، وجنود. مارسوا هذه الفلسفات خلال حياتهم المشغولة. مثلي ومثلك

 

.

٢٣٣: حيث يكون الأمر مهمًا

“يجب أن نكون مختلفين داخليًا في كل الجوانب، لكن مظهرنا الخارجي يجب أن ينسجم مع الآخرين.”سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 5.2

 

تحدّثَ روبيرت قرين عن أنْ نحتفظ بنوايانا وأهدافنا الحقيقية، ونخبر الناس عمّا يريدونَ سماعه. لا يجب أن تشاركَ كلّ شخص بحقيقتك الداخلية، يُفضّل في بعضِ الأحيان أن تحتفظ فيها بنفسك.

 

 

٢٣٤: لا تكن بائسًا مقدمًا

“إنه لأمرٌ مدمر للروح أن تقلق بشأن المستقبل، فتكون بائسًا مقدمًا بسبب مصيبة لم تأتِ بعد، وأن تعيش في قلق دائم خشية فقدان ما لديك. فمن يعيش مشتاقًا لما لم يحدث بعد، سيفقد القدرة على الاستمتاع بالحاضر.”سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 98.5-6

 

فكّر فيها: عندما نتوقّع أخبارًا سيئة نكونُ خائفين مقدّمًا. نتوتّر، نعضّ أصابعنا، لا نستطيع الجلوس، لماذا؟ لأنّ شيئًا سيئًا ربما يحدث، والخوف الذي اعترانا هوَ تطوعي. إن اكتشفنا أنّ الأخبارَ لمْ تكُن سيئة، فهذا يعني أننا ضيّعنا وقتًا خِفنا فيه بدون فائدة. وإن كانت سيئة؟ فيعني أنّنا خفنا لوقتٍ إضافي فقط.

الشخص العملي لا يقف متوتّرًا في انتظارِ أخبارٍ ليست مؤكّد، بل يمضي في عمله حتّى تأتيه الأخبار ثمّ يقرّر كيفَ يتصرّف حيالها.

 

 

٢٣٥: لا تقلق بشأن الأشياء الصغيرة

“يجب أن تكون عنايتك بكل عمل تتناسب مع قيمته، حتى لا تجهد نفسك وتفقد عزيمتك في الانشغال بأمور أقل أهمية مما ينبغي.”ماركوس أوريليوس، التأملات، 4.32

 

توقف عن إثارة الضجة حول الأشياء الصغيرة. ولا تهتمّ كثيرًا للأشياء الغير أساسية. فبعض الأشياء لن تصنعَ فارقًا في حياتنا، وباستثمارِ الوقتِ فيها، فإنّنا نجعلها أكثر أهمّية مما هيَ عليه، ونقلّل أهمّية الأشياء التي هيَ مهمّة. مثل العائلة، والأصدقاء، وأنفسنا.

 

 

٢٣٦: إنه في مصلحتك الشخصية

“لذا، لا تبيّن بالحجج وحدها لماذا ينبغي للحكيم أن ينأى عن السكر، بل دَع قبحه ونفوره يتحدثان بأنفسهما. فمن السهل إثبات أن ما يُسمى بالملذات، حين تتجاوز حد الاعتدال، لا تكون سوى لونٍ من العقاب.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 83.27

 

عندما تريد من شخصْ أن يقومَ بخدمةٍ لك، اظهر لهُ ما يثير اهتمامه، وليسَ كما قال روبيرت قرين “ تحتَ رحمته”.

لهذا في الرواقية لا نقول: “توقّف عن فِعلِ هذا إنهُ ذنب” بل نقول: “توقّف عن فِعلِ هذا وإلّا ستصبح بائسًا”. لأنّ الناس تهتم بمصالحها الشخصية المباشرة.

 

 

٢٣٧: النهب من كل المصادر

“لن أشعر بالخجل أبدًا من اقتباس حكمة جيدة حتى لو جاءت من كاتب رديء.”سينيكا، عن هدوء العقل، 11.8

 

سينيكا أظهرَ لنا المثلَ الأعلى في البحثِ عن الحكمة أينما كانَ المصدر. لأنّنا نبحث عن ما يفيدنا في حياتنا، حتّى لو كانَ من دينٍ مُختلف، أو فلسفة مختلفة.

 

 

٢٣٨: احترم الماضي، لكن كن منفتحًا على المستقبل

“ألن تسير على خطى أسلافك؟ بالتأكيد سأستخدم الطريق الذي شقوه، ولكن إن وجدت طريقًا أقصر وأكثر سلاسة، فسأسلكه. إن من سبقونا في هذه الدروب ليسوا أسيادنا، بل مرشدونا. الحقيقة مفتوحة للجميع، ولم يحتكرها أحد.”سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 33.11

 

ليسَ هنالكَ قوانين تنصّ بأنّ علينا اتّباع عِلمِ أجدادنا وأسلافنا حتّى الممات. فالعلم والاكتشافات في تطوّر، اختر ما يناسبك من المرشدين واتّبع تدرسيهم لأنْ ذلك ربّما يكونُ الطريق الأفضل.

 

 

٢٣٩: البحث عن حطام السفن

“لقد تحطمت سفينتي قبل أن أبحر أصلًا… لكن الرحلة كشفت لي هذا—كم أن الكثير مما نمتلكه غير ضروري، وكم هو سهل أن نتخلص من هذه الأشياء متى ما كان ذلك لازمًا، دون أن نشعر بالخسارة.”سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 87.1

 

زينو الأبّ المؤسّس لفلسفة الرواقية كانَ تاجرًا قبلَ أن يُصبحَ فيلسوفًا. الفاجعة التي حصلتْ له، وظلّ ممتنًا لها هوَ أنّ سفينتهُ المحمّلة بالبضاعة غرقت في البحر، وخسرَ كلّ أملاكه. وأثناء تجوّله في المدينة التي استطاعوا الوصول إليها، مرّ على كتابٍ لسقراط في مكتبة، تعرّف فيها على الفلسفة وأسّس الرواقية التي نعرفها اليوم. ربّما أسوأ أحداث حياتك هوَ ما سيَقودك للطريقِ الذي ستشكرُ اللهَ عليه.

 

 

٢٤٠: اضحك أم أبكي؟

“كان هيراقليطس يذرف الدموع كلما خرج إلى العامة، بينما كان ديموقريطس يضحك. الأول رأى العالم عرضًا من المآسي، والآخر رآه موكبًا من الحماقات. لذا، علينا أن نأخذ الحياة بروح أخف ونتحملها بسكينة، إذ إن الضحك على الحياة أكثر إنسانية من التحسر عليها.”سينيكا، عن هدوء العقل، 15.2

 

حكماء الرواقية وفي أسوأ الظروف، عندما اشتدّ الوضع ويأسٌ لدرجة البكاء، اختاروا الضحك عن البكاء. ومثلما فعل ديموقريطوس، يمكننا أن نتخذ نفس الاختيار. هناك روح دعابة أكثر من الكراهية التي يمكن العثور عليها في كل موقف. والفكاهة تجعل الأمرَ أقلّ ثقلًا.

 

 

٢٤١: الرواقي المترف

“لقد وهبنا خالق الكون قوانين الحياة، وجعل هدفنا أن نحيا حياة كريمة، لا مترفة. كل ما نحتاجه لحياة طيبة متوفر أمامنا، بينما ما تتطلبه الرفاهية لا يُجمع إلا من خلال المعاناة والقلق. فلنستفد من هذه الهبة الطبيعية، ولنعدّها من أعظم النعم.”سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 119.15

 

لُقّبَ سنيكيا بالرواقي المترف، نسبةً إلى أمواله الطائلة. بالرغم من ثروات سينيكا الهائلة، لكنّهُ أثبتَ أنهُ لا يحتاجها لعيشِ حياةٍ طيّبة، فهوَ ليسَ عبدًا للممتلكات.

لا يزال بوسعنا أن نعيش حياة طيبة دون أن نصبح عبيدًا للرفاهية. ولا نحتاج إلى اتخاذ قرارات تجبرنا على الاستمرار في العمل والعمل والعمل والابتعاد عن الدراسة والتأمل، من أجل الحصول على المزيد من المال لدفع ثمن الأشياء التي لا نحتاجها. لا توجد قاعدة تقول إن النجاح المالي يجب أن يعني أنك تعيش فوق إمكانياتك. تذكر: يمكن للبشر أن يكونوا سعداء بالقليل جدًا.

 

 

٢٤٢: لا تريد شيئًا = تملك كل شيء

“لا يملك الإنسان القدرة على امتلاك كل ما يرغب فيه، ولكن في مقدوره أن لا يرغب فيما لا يملك، وأن يستخدم بحكمة وسرور ما هو بين يديه.”سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 123.3

 

المسألة كلّها تتعلّق بالرغبة. لو تخلّص الإنسان عن ما يرغب، فلنْ يشقى أبدًا وسيكونُ سعيدًا لأنّ لديه كلّ ما يريد! ولكنّنا بشرٌ نحبّ الممتلكات ونركض خلفَ ما نظّنّهُ الجواب لكلّ شيء. وحينما نحصل عليه، نفقد المتعة ونبحث عن الشيء التالي. إن لم تستطع التخلّص عن رغباتك، على الأقل قلّلها واختر الرغبات المهمّة واسعى خلفها.

 

 

٢٤٣: عندما تشعر بالكسل

“أي فعل يجب إنجازه، يمكن للفضيلة أن تؤديه بشجاعة وسرعة. فمن الحماقة أن يشرع المرء في مهمة بروح كسولة ومتذمرة، أو أن يدفع جسده في اتجاه بينما يسحب عقله في اتجاه آخر، ممزقًا بين دوافع متعارضة.”سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 31-32

 

عندما تبدأ في العمل على شيء وتكتشف نفسك أنّكَ شعرتَ بكسل وغضب مفاجئين فسأل نفسك: “لماذا أنا غاضب؟ ولماذا الكسل المفاجئ؟ هل حقًا سيساعدني في عملي؟ وما هوَ مصدره؟ خوف؟ تعب؟ عدم يقين؟

الوعيَ هوَ بداية البحث عن الإجابة. فكلّما فهِمتَ نفسكْ أكثير، كلّما عرِفتَ كيفَ تتعامل معها.

 

 

٢٤٤: فكِّر في إخفاقاتك أيضًا

“حينما تشعر بالإهانة من خطأ ارتكبه أحدهم، عد فورًا إلى أخطائك المشابهة—كاعتقادك أن المال خير، أو اللذة، أو الشهرة—بأي صورة كانت. بالتفكير في ذلك، ستنسى غضبك سريعًا، متأملًا في ما دفعهم للخطأ—إذ ماذا كان بإمكانهم أن يفعلوا غير ذلك؟ وإن استطعت، فساعدهم على التحرر من ذلك الدافع.”ماركوس أوريليوس، التأملات، 10.30

 

قال سقراط: “لا أحد يفعل الخطأ بقصد”. تذكّر ذلك الوقت الذي غضبتَ فيه على زميلك والسبب يعودُ لأنّكَ لم تنم كفاية. أو عندما تصرّفتَ بحماقة بناءً على معلومات خاطئة. فكلّها لها أسبابها ولكن الطرفِ الآخر يراها بطريقةٍ مختلفة. إذًا لماذا لا تنظر للأمرِ بنفس الطريقة؟ أيْ عندما يُخطئ شخصٌ ما، تمهّل وتعمّق في المسألة وفكّر مالذي سيدفعه لهذا الفعل، كُن صبورًا ولا تحكم سريعًا، لأنّ خلفَ كلّ فعل، سبب يراهُ صاحبُ الفعل منطقي.

 

 

 

القسم الثالث: انضباط الإرادة

القوة والمرونة

٢٤٥: الروح القوية أفضل من الحظ السعيد

“الروح العاقلة أقوى من أي نوع من المصير—فهي من توجه شؤونها كما تشاء، وهي وحدها من تقرر إن كانت حياتها ستكون سعيدة أم تعيسة.”سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 98.2

 

كاتو الأصغر رغمَ ماله الوفير، وقدرته على لبسِ الحرير، اختار أن يمشي حافيَ القدمين في روما، ويأكل ما هوَ أقل من عادي. كلّها في سبيلِ تدريبِ روحه على الصمود في أسوأ الظروف. مهما كانَ الحظّ سيئًا، فهوَ مستعدٌ له. ساعدهُ هذا التدريب القاسي في مسيرته في الجيش، واجتماعاته مع السيناتورات، ومع كلّ شدائد الحياة الأخرى. الهدف هوَ روحٌ قويّة تستحمل المصاعب.

 

 

٢٤٦: مدرسة الفيلسوف مستشفى

“أيها الرجال، قاعة الفلاسفة ليست مكانًا للترفيه، بل مستشفى—يجب ألا تغادرها وأنت تشعر بالمتعة، بل بالألم، لأنك لم تكن بخير حين دخلتها.”إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.23.30

 

العلاج في المستشفى مؤلم, كذلك العلاج بالفلسفة الرواقية سيكونُ مؤلمًا. خوضك في العلاج ضروري لضمانِ قدرتك على الصمود مجدّدًا في وجهِ مصاعب الحياة.

 

 

٢٤٧: أولاً، تدريب شاق في الشتاء

“علينا أن نخضع لتدريب شتوي قاسٍ، وألا نندفع إلى الأمور التي لم نستعد لها.”إبيكتيتوس، المحاضرات، 1.2.32

 

ليبرون جيمس لم يأخذ إجازات صيف لأنّهُ كانَ يستخدمه في التدريب. عندما يكونُ لدينا هدف، علينا أنّ نَضَعَ كلّ تركيزنا، وطاقاتنا، ووقتنا نحوَ الحصولِ عليه. حتّى نهايةِ الأسبوع والإجازات عليها أن تدخل ضمنَ المصادر التي نستفيد منها. تجهزّ لمعركةِ الشتاء قبلَ أن يحلّ الشتاء.

 

 

٢٤٨: كيف يمكنك أن تعرف ما إذا كنت لم تُختبر قط؟

“أرى أنك لم تواجه الشدائد قط، وهذا ما يجعلك غير محظوظ. لقد عبرت حياتك دون خصم، ولذلك لن تعرف أبدًا مقدار قوتك—ولا حتى أنت.”سينيكا، عن العناية الإلهية، 4.3

 

ينظر البعض لأيّامه الخوالي الصّعبة ويقول “تلكَ كانتْ الأيام التي تستحق!”، رغم صعوبتها وشدّتها، لكنّها كانتْ السبب في تشكليهم لما هم عليهِ الآن. يقول نيتشه: “ما لا يقتلني، يجعلني أقوى”. ويقصد سينيكا أنّ معدن الإنسان يزدادُ صلابةً في الأوقاتِ الصعبة فقط والمحن.

 

 

٢٤٩: ركز على ما هو لك وحدك

“تذكر هذا: إذا اعتبرتَ ما هو بطبيعته مستعبَدًا حرًا، وما هو ليس لك ملكًا لك، ستجد نفسك مكبلًا بالبؤس، تلقي اللوم على الإله والبشر. أما إن نظرتَ إلى ما هو ملكك على أنه ملكك وحدك، وما هو ملك للآخرين على أنه ليس لك، فلن يستطيع أحد أن يجبرك أو يمنعك، ولن تجد أحدًا تلومه أو تتهمه، ولن تفعل شيئًا ضد إرادتك، ولن يكون لك عدو، ولن يستطيع أحد أن يؤذيك، لأنك ستكون في مأمن من الأذى.”إبيكتيتوس، دليل الحياة، 1.3

 

الإفراط في التفاؤل يقتل.

جيمس ستوكديل سُجن في فيتنام لمدّة ٧ سنوات ونصف. تلقّى أنواعًا مختلفة من التعذيب والإهانة ولكنّهُ صمد. يقولُ أنّ الفرقَ بينهُ وبينَ باقي السجناء كانَ التفاؤل. فالسجناء متفائلينَ جدًا، في كلِّ مرّة يقولوا: “هذا الكريسمس سيكونُ موعدَ خلاصنا” يأتي ويذهب الكريسمس. “في عيدِ الشكر سنُحرّر”. وظلّوا على هذه الحال لسنين وسنين حتّى ماتوا من اليأس. بينما عرِف ستوكديل كيفَ يتحكّم في نفسه، ويحدّثها بما هوَ عقلاني، حتّى أُنقذ وأُعيدَ إلى وطنه. فهوَ لم يتفائل ويتوقّع الخلاص، بلْ أخبرَ نفسه عن صعوبة الرّحلة، وأنّ الصبرَ هوَ الحلّ الوحيد.

 

 

٢٥٠: يمكنهم أن يقيدوك بالسلاسل، لكن . . .

“يمكنك أن تكبل ساقي، لكن حتى زيوس نفسه لا يستطيع أن يكسر إرادتي الحرة.”إبيكتيتوس، المحاضرات، 1.1.23

 

حتى في ظل أسوأ أنواع التعذيب والقسوة التي يمكن أن يفرضها علينا البشر، لا يمكنهم كسر قدرتنا على التحكم في عقولنا وقدرتنا على اتخاذ قراراتنا الخاصة. إبيكتيتوس أصبحَ يعرُج بشكلٍ دائم بسببِ السلاسل التي كانتْ على رجله حينما كانَ عبدًا. ولكنّها لم تسمح لهُ بتحديد من يكون، فهوَ اتّخذَ القرارَ ليُصبحَ مدرّسًا للفلسفة فيما بعد. حتّى لو قطّعوا أرجلك وأيديك، لن يستطيعوا التأثيرَ على أفكارك وقرارك الحكم إلّا باختيارك.

 

 

٢٥١: قوتنا الخفية

“تأمل في ذاتك. قبل كل شيء، أنت إنسان، ولا تملك قوة أعظم من إرادتك العقلانية، فهي التي تتحكم في كل شيء آخر، وهي حرة من أي سيد آخر.”إبيكتيتوس، المحاضرات، 2.10.1

 

الطبيب النفسي فيكتور فرانكل سُجِنَ وعُذّب في سجون النازيين لمدّة ثلاث سنوات. قتلوا عائلته، ودمّروا كلّ أعماله، وخسرَ كلّ شيء. ورغمَ كلّ هذا، وجدَ طريقًا يشعرُ فيها بالحرّية من تعذيبهم. اكتشفَ أنّ عائلته ماتوا قبلَ أن يذوقوا العذاب، وهذا شيءٌ جيّد. وأنّ لهُ الحرية في اختيار الشيء الذي سيعاني منه. مهما كان الوضع سيء، فلازالَ لديكَ الخيار في الاختيار. فهل ستختارُ المعاناة وإلقاءَ اللوم على بيئتك؟ أم سترى الجيّدَ من حياتك؟

 

 

٢٥٢: لا تنخدع بالحظ

“لا أحد يُسحق تحت وطأة الحظ العاثر، ما لم يكن قد خُدع به أولًا… فالذين لا يغترون في أوقات الرخاء، لا تتكسر أوهامهم عند التغيير. الشخص الثابت يظل عقله محصنًا في جميع الظروف، لأنه في الرخاء يختبر قوته أمام الشدائد.”سينيكا، العزاء إلى هيلفيا، 5.4، 5–6

 

ساعدت الفلسفة سينيكا في التعامل مع قضية طرده من روما. إذ قيلَ انّهُ كانَ في علاقة غرامية مع اخت الامبراطور. حينما غادرَ سينيكا ظلّ يرسل لوالدته رسائل يخبرها بمدى ندمه على ما فعل، وأنّهُ يريدُ العودة وسيكونُ أفضل من ذي قبل. وفعلًا، عندما عاد سينيكا وواجه الامبراطور، كانَ مستعدًّا هذه المرّة.

 

 

٢٥٣: لا شيء نخافه سوى الخوف من ذاته

“لا معنى للحياة ولا حد لمآسينا إذا سمحنا لمخاوفنا بالسيطرة علينا.”سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 13.12

 

كان الرواقيون يعرفون أن الخوف يجب أن يُخاف بسبب البؤس الذي يخلقه. فالأشياء التي نخافها تتضاءل مقارنة بالأضرار التي نلحقها بأنفسنا والآخرين عندما نسارع دون تفكير لتجنبها. فالذعر لا يساعد في تخفيفِ الأضرار أو حلّ المشاكل الحقيقية.

احذر ما يجلبهُ الخوف معه، أو بالأصح، ما يسبّبهُ لك ويؤثّر عليك قبلَ مواجهة الشيء الحقيقي الذي سبّبَ لكَ الخوف.

 

 

٢٥٤: الاستعداد لليوم المشمس

“إليك درسًا لاختبار صلابة عقلك: خصص أسبوعًا تتناول فيه أبسط وأرخص الأطعمة، وارتدِ ملابس بالية، واسأل نفسك: هل هذا هو أسوأ ما كنت تخشاه؟ إنه في أوقات الرخاء يجب أن نُهيئ أنفسنا للمحن، لأن النفس حين تعتاد القسوة في زمن الرفاه، تصبح منيعة أمام تقلبات الدهر. فهكذا يتدرب الجنود في زمن السلم، يقيمون التحصينات بلا أعداء في الأفق، ويستنزفون أنفسهم بلا معركة، حتى إذا وقعت، لم تخذلهم قوتهم.”سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 18.5–6

 

يذكّرنا سينيكا بأنّ نخوضَ التجارب الصعبة الآن وفي الأوقات الجيّدة. ارتدي ملابسَ رثّة، كل طعامًا رخيصًا. جرّب النوم على الأرض، كما لو كنتَ مشرّدًا. تخيّل أن سيارتك سُرقت، فتمشي، أو تركب المواصلات العامة. جرّب العيشة الصعبة حتّى تكونَ مستعدًّا إذا ما أتت. يقولُ سينيكا: “إن الأوقات التي تكتسب فيها الروح مناعة ضد الهموم هي بالتحديد تلك التي ينبغي فيها للنفس أن تقوي نفسها مسبقًا لمواجهة المواقف التي قد تتعرض فيها لضغوط أشد… إذا كنت لا تريد أن يتراجع الإنسان عندما تأتي الأزمة، فعليك أن تدربه قبل أن تأتي.”

 

 

٢٥٥: ما الذي سيبدو أقل؟

“دعونا نعتد على تناول الطعام بعيدًا عن الزحام، وعلى أن يكون لنا عدد أقل من الخدم، وعلى أن نشتري الملابس لغرضها الأساسي فحسب، وأن نعيش في مساكن أكثر تواضعًا.”سينيكا، عن هدوء العقل، 9.3

 

مجدًدا سينيكا يذكّرنا بأنّ نعيشَ بأقلّ ما لدينا، حتّى نستعدَ للأيّام الصعبة. جرّب أن تأكل أقلّ من حصتك اليومية، أن تصرف أقلّ من ما تصرف كلّ يوم. باختصار، عِش بأقلَّ من مستواك المعيشي الطبيعي. درّب نفسكْ على الصعوبة التي من الممكن أن تصلها حياتك.

 

 

٢٥٦: كُن متواضعًا وإلّا أُنزِلتَ بالقوة

“كان زينون دائمًا يقول: لا شيء أكثر إثارة للاشمئزاز من التظاهر والتفاخر، خاصة أمام الشباب.”ديوجين اللايرتي، حياة الفلاسفة البارزين، 7.1.22

 

تحذّرنا الرواقية من التكبّر، لأنْ مهما كبُرت الفقّاعة، ستنفجر في النهاية. لن تلقى الاحترام ولا حتّى من العبيد، كما ذكرَ آيسقراطس.

 

 

٢٥٧: حماية حصننا الداخلي من الخوف

“ليست الأحداث هي التي تثير الخوف، بل حين يكون هناك من يسيطر عليها أو يمنعها، يصبح قادرًا على زرع الخوف في النفوس. كيف تُدمر القلاع؟ ليس بالنار أو الحديد، بل بالأحكام الخاطئة… وهنا يجب أن نبدأ، ومن هذه الجبهة يجب أن نحرر القلعة ونطرد الطغاة.”إبيكتيتوس، المحاضرات، 4.1.85–86

 

هنالكَ مفهوم رائع في الرواقية، ألا وهوَ القلعة الداخلية. ربّما يؤذوكَ جسديًا، ولكنّهم لن يستطيعوا الوصولَ إلى روحك. لأنّ القلعة تحميها، ونحنُ نختار من يصل إليها ومن لا يستطيع.

 

 

٢٥٨: طريقة مختلفة للدعاء

“حاول أن تدعي بشكلٍ مختلف، وانظر ما سيحدث: بدلاً من السؤال عن “طريقة للنوم معها،” حاول أن تسأل عن “طريقة للتوقف عن الرغبة في النوم معها”. بدلاً من “طريقةً لقتله،” حاول أن تسأل عن “طريقة لا أتوقُ فيها إلى موته”. بدلاً من “طريقة حتى لا أفقد طفلي،” حاول أن تسأل عن “طريقة للتخلص من خوفي من فقدانِ طفلي”. – ماركوس أوريليوس، التأملات، 9.40

 

في حياتنا اليومية، نحنُ دائمي الدعاء والتمنّي. “أتمنّى لو يحصلَ هذا ويحصل ذاك” “أتمنّى لو حياتي كانتْ أسهل” “أتمنّى لو كنتُ غنيًا”. ماذا لو غيّرنا طريقة دعائنا، بدلًا من تمنّى الحياة السهلة، لندعو لشخصٍ أقوى في مواجهة الحياة الصعبة. بدلًا من تمنّى المال، ادعو أنّ الله يرزقك العقلَ والفِهمَ لتجني المال، أو الأفضل، أن يُخلّصك من الرغبةِ في المال.

 

 

٢٥٩: الحديقة ليست للاستعراض

“أول ما يجب أن تتعلمه هو أن تبقي فلسفتك لنفسك لبعض الوقت—لا تعلن عن نفسك قبل أن تنضج. تمامًا كما تنمو الثمار، فالبذور تبقى مطمورة لموسم، مخفية، تنمو ببطء حتى تكتمل نضجها. لكن إن بدأت الحبوب تنبت قبل أن ينمو الساق بشكل كامل، فلن تنضج أبدًا… أنت مثل تلك النبتة التي تُظهر ثمارها مبكرًا، لكن الشتاء سيقضي عليك.”إبيكتيتوس، المحاضرات، 4.8.35–37

 

بعد كل ما قرأته، قد يكون من المغري أن تفكر: هذا شيء رائع. أفهم ذلك. أنا رواقي. لكن الأمر ليس بهذه السهولة. فقط لأنك توافق على الفلسفة لا يعني أن الجذور قد ترسخت تمامًا في عقلك. العبث بالكتب حتى تبدو ذكيًا أو أنْ يكونَ لديك مكتبة كبيرة يشبه العناية بحديقة لإبهار جيرانك. زرعة واحدة تكفي لإطعام أسرة؟. بذور الرواقية مدفونة تحت الأرض منذ زمن بعيد. قم بالعمل المطلوب لتغذيتها والعناية بها. حتى تكون هي – وأنت – مستعدين وقويين لشتاءات الحياة القاسية.

مارسَ الفلسفة مع نفسكِ أولًا قبلَ إخبارِ الناس عن مدى عظمتك.

 

 

٢٦٠: يمكن لأي شخص أن يحالفه الحظ، ولكن ليس كل شخص يمكنه المثابرة

“النجاح قد يصيب من هم دون الموهبة، لكنه لا يكون إلا لمن تجاوز أزمات الحياة وذعرها بشجاعة.”سينيكا، عن العناية الإلهية، 4.1

 

قد نشعر بالغيرة في بعضِ الأحيان من الذينَ نجحوا عن طريقِ الحظ. بدونِ تخطيطٍ وبدونِ مخاطرة، ووصلوا لمستوى الحياة السهلة. لكنْ الناجح الحقيقي هوَ الذي ينجح عن طريقِ المواقف الصعبة التي شكّلته طولَ الطريق. الشخص الذي شقّ طريقهُ بقوّة التحمّل، والصمودِ والوقوف مجدّدًا كلّما سقط. الشخص الذي عرفَ التحكّم في مشاعره، وهزمَ نفسه الداخلية، الشخص الذي حاربَ لأجلِ النجاح والانتصار ووصلَ بمثابرته، وليسَ بسبب ظروفٍ مساعدة.

 

 

٢٦١: التعامل مع الحاقدين

“ماذا لو ازدراني أحدهم؟ ذلك شأنه. أما أنا فسأحرص على ألا أقول أو أفعل شيئًا يستوجب الازدراء. ماذا لو كرهني؟ ذلك شأنه. أما أنا فسأكون طيبًا ومتفهمًا تجاه الجميع، بل وسأكون مستعدًا لأن أُري الكاره خطأه—ليس بروح المتعالي، ولا لأُظهر مدى صبري، بل بإخلاص حقيقي وفائدة صادقة.”ماركوس أوريليوس، التأملات، 11.13

 

كيفَ يتعامل الرواقيّون مع اراء الناس السيئة حيالهم؟ (الكره والبغض). بكلّ بساطة يسألون: هل رأيه داخلَ دائرة تحكّمي؟ مع العلم أنّنا نستطيع التحكّم في أفكارنا وتصرّفاتنا بشكلٍ كامل فقط. هل سيؤذيني رأيهُ عنّي؟ إذا كانَ الجواب لا، إذًا تقبّل رأيَ الشخص عنك بشكلٍ موضوعي ولا تكره الشخص أبدًا. فالحياةُ صعبةً كفاية، ولا نحتاجُ للتثقيلِ على أنفسنا بجعلِ آراءِ الناس تؤثّر فينا.

 

 

٢٦٢: التعامل مع الألم

“تذكر أنه لا عار في المعاناة من الألم، ولا يمكنه أن يفسد عقلك، أو أن يمنعك من التصرف بعقلانية ولخير الجميع. وتذكر أيضًا قول إبيقور: ‘الألم لا يكون غير محتمل ولا أبدي’، لذا لا تجعله يبدو أكثر من حقيقته في مخيلتك. وضع في اعتبارك أن العديد من الانزعاجات اليومية ليست سوى أشكال خفية من الألم، مثل النعاس، أو الحمى، أو فقدان الشهية. فإذا شعرت بأن هذه الأمور تثقل عليك، فاعلم أنك بذلك تستسلم للألم.”ماركوس أوريليوس، التأملات، 7.64

 

الرئيس الأمريكي وينستون تشرتشل كادَ أن يُقتل في حادث سيّارة. لكنّهُ بعدَ أنْ أفاقَ بعدّة كسور، أخبر الشرطة أنّ اللوم عليه، وأنْ لا يُلقوا اللومَ على السائق. حتّى أنهُ عرضَ على السائق مبلغًا من المال في حالِ وقوفِ العامّةِ ضدّه، ورفض إعطائهِ فرصة عمل. في النّهاية هوَ الرجل الذي كادَ أن يقتل الرئيس.

ليسَ هنالك ألم لا يمكن تحمّله، كا قال إبيكيورس.

 

 

٢٦٣: مرونة الإرادة

“تذكر أن تغيير رأيك وقبول التصحيح لا يتعارضان مع الإرادة الحرة، بل يؤكدانها. لأن الفعل ملك لك وحدك—لتنفذه وفقًا لعقلك وإرادتك وذكائك.”ماركوس أوريليوس، التأملات، 8.16

 

في حياتنا وعملنا، لو اتّبعنا نهجًا معيّنا يساعدنا في الإنجاز، فهنيئًا، ولكنْ ضعْ في الحسبانِ أنَّ الظروف تتغيّر، ويجب عليكَ التكيّف مهما كانتِ الظروف. هذه تسمّى المرونة، وأضفْ عليها القوة أيضًا.

 

 

٢٦٤: الحياة ليست رقصًا

“فن الحياة أشبه بالمصارعة منه بالرقص، لأنه يتطلب التأهب لمواجهة الهجمات المفاجئة وغير المتوقعة.”ماركوس أوريليوس، التأملات، 7.61

 

سمعنا القولَ أنّ الحياة كالرقصة! عليكَ أن تُحرّك أطرافك بناءَ على النوتة الموسيقية، وتتمايل وتندمج مع الرقصة كما لو أنكما كيانٌ واحد. لكن الحياة أشبه بالمصارعة. فالراقص لن يصعدَ شخصٌ إلى المسرح ليطرحهُ أرضًا. لكن المصارع مستعدٌ لتلقّي اللكمات من كلّ الجهات، وفي كلّ الأوقات. فهوَ يتدرّب طوالَ الوقت لمواجهة الأصعب، والحياة ليستْ عزفة موسيقية، بلْ هيَ مصارعينَ تُحاربهم طيلة حياتك، وكلّما ازدادت قوتك، كلّما صمدتَ في وجهها.

 

 

٢٦٥: حافظ على رباطة جأشك، حافظ على السيطرة

“عندما تجد نفسك في دوامة الفوضى، إستَعِد نفسك بسرعة. لا تبقَ خارج الإيقاع أكثر مما ينبغي، لأنك إن كنت تعود إلى توازنك باستمرار، فستحافظ على إيقاعك.”ماركوس أوريليوس، التأملات، 6.11

 

ستمرّ عليكَ مواقف تُخرجك عن طورك الحالي، مثلًا، صديقك ألغى الموعد الذي كُنتَ متحمّسًا لأجله. أو تعطّلتْ سيّارتك وقتَ الموعد المهم. أو شاءت الظروف واستقرّيتْ في دولة لفترةِ من الزمان بدونِ رضاك. ربّما جعلَ لكَ اللهُ الخيرَ فيها. وعندما تحصُل مثلَ هذهِ الظروف، لا تدعها تؤثّر عليكَ، عدْ لطريقك سريعًا.

 

 

٢٦٦: لا ألم، لا مكسب

“تظهر الصعوبات شخصية الشخص. لذا عندما تواجه تحديًا، تذكر أن الله يطابقك مع شريك أصغر سنًا في التدريب، كما يفعل المدرب البدني. لماذا؟ أن تصبح رياضيًا أوليمبيًا يتطلب عرقًا! أعتقد أنه لا يوجد أحد لديه تحدي أفضل من تحديك، إذا كنت ستستخدمه فقط مثلما يستخدمه الرياضيون مع زميلهم الأصغر سناً في التدريب.”. —إبيكتيتوس

 

عندما تجد من هوَ أفضل منك، من ناحية جسدية، رياضية، مهنية، مهارات شخصية، ردّة فعلك عنه، تُخبر وتظهر حقيقتك. فهل ستحسده وتتشكّى أنّهُ أفضلَ منك؟ أمّ أنّكَ ستأخذها وتراها من زاوية تحدّي؟ وفرصة لتطوّر من نفسك؟

أم أسوأ من هذا كلّه، هل ستتجاهله وتجدْ تحدّي أصغر؟ العظماء لا يتجاهلون مثلَ هذه الفرص لتطويرِ مهاراتهم وقدراتهم.

 

 

٢٦٧: القلعة الأكثر أمانًا

تذكر أن عقلك الحاكم يصبح منيعًا عندما يتجمع ويعتمد على نفسه، فلا يفعل شيئًا مخالفًا لإرادته، حتى لو كان موقفه غير عقلاني. فكم بالحري لا يمكن التغلب عليه إذا كانت أحكامه حذرة ومتخذة بعقلانية؟ لذلك، فإن العقل المتحرر من الأهواء هو حصن منيع، وليس لدى الإنسان مكان أكثر أمانًا للجوء إلى الأبد. —ماركوس أوريليوس

 

قال بروس لي: أنا لا أهاب الشخص الذي تدرّب على ١٠ آلاف ركلة، أنا أهابُ الشخص الذي تدرّب على نفس الركلة ١٠ آلاف مرّة.

يقصد ماركوس أويليوس ب: فلا يفعل شيئًا مخالفًا لإرادته، حتّى لو كانَ موقفه غير عقلاني، أنّ ندرّب أنفسنا على العادات الجيّدة حتّى تُصبح أوتوماتيكية. فكلّما حاربت عادة الغضب، ستتخلّص منها بشكلٍ تدريجي وتصبح تتجنّب الغضب بدونِ وعيك، لأنّكَ اعتدتَ عليها. بالتدريب والممارسة وبناء العادة ستنجح في تغيير أي تصرّفات تلقائية تُريدها.

 

 

٢٦٨: يمكن أن يحدث لك

“إن عدم التوقع يزيد من ثقل الكارثة، والمفاجأة لم تفشل أبدًا في زيادة ألم الشخص. ولهذا السبب، لا ينبغي أن يكون هناك أي شيء غير متوقع من جانبنا. يجب أن تكون أذهاننا مُرسلة مسبقًا إلى كل الأشياء، ولا ينبغي لنا أن نفكر فقط في المسار الطبيعي للأشياء، ولكن أيضًا في ما يمكن أن يحدث بالفعل. فهل هناك أي شيء في الحياة لا تستطيع الثروة أن تطيح به من حصانها العالي إذا أرادت ذلك؟ —سينيكا

 

علينا توقّع أسوأ الأقدار، لنكونَ مستعدّينَ لهٌا ذهنيًا. كم من مرّةٍ واسيتَ صديقك لفقدانِ أحدٍ عزيز، ثم تتفاجئ بموتِ شخصٍ عزيز لكَ أيضًا. عندما تتصدّق في المرة القادمة، بدلًا من التفكيرِ فقط عن العائد الذي سيأتيك، أو الشخص الذي تساعده، فكّر أنكَ ربّما ستحتاجُ هذه الصدقة في يومٍ من الأيام.

 

 

٢٦٩: هشاشة التبعية

“أرني شخصًا ليس عبدًا! إن أحدهم عبد للشهوة، وآخر عبد للجشع، وآخر عبد للسلطة، وكلهم عبيد للخوف. أستطيع أن أذكر اسم قنصل سابق عبد لامرأة عجوز صغيرة، ومليونير عبد لعاملة النظافة. “لا يوجد عبودية أكثر ذلاً من العبودية المفروضة على الذات.” —سينيكا

 

كلّنا مدمنون بطريقةٍ أو بأخرى. فالبعض مدمن على روتينه، والبعض على عمله والبعضُ على اعترافِ الناسِ به.

قال إبيكتيتوس: “كل من يريد حقًا أن يكون حرًا، لن يرغب في شيء يقع في الواقع تحت سيطرة شخص آخر، إلا إذا كان يريد أن يكون عبدًا”

من واجبنا أنّ نقوّي أنفسنا ونستعدّ بالتخلّص من رغباتنا حينما نتوقُ إليها، لأنّهُ في يومٍ من الأيام ستختفي منّا، وسنعاني. قد تُطرد من عملك يومًا ما، لذا ذكّر نفسكَ على الدوام، وتجهّز للأسوأ، حتّى تكونَ الصدمة أقلّ. تخلّص من الرغبة الشديدة من كلّ شيء، وستصبح حرًا لا يقيّدك شيء.

 

٢٧٠: ما الغرض من الإجازة

“الخمول بلا علم موت—قبر يسكنه الأحياء.”سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 82.4

 

لا بأسَ من أخذِ إجازةٍ من عملك، ولكن لا تأخذ إجازة من التعلّم. ربّما حلمك هوَ جني ثروة والتقاعد المبكّر، ممتاز، لذا عندها ستمتلك الوقت لما هوَ مهمٌّ حقّا، هدفك الأسمى.

 

 

٢٧١: ماذا سيكشف الرخاء؟

“حتى السلام نفسه قد يصبح مصدرًا للقلق. فلا أمان يبعث على الطمأنينة عندما يكون العقل قد اعتاد الفزع، فبمجرد أن يدخل في دوامة الهلع الأعمى، لا يعود قادرًا على ضمان أمنه بنفسه. فهو لا يتجنب الخطر حقًا، بل يفرّ منه، ومع ذلك، يكون في موضع أشد خطورة عندما يدير ظهره.”سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 104.10

 

إنِ أعتادَ عقلُكَ على الذعر والقلق، فلا يهمّ الوضع المادّي، أو الثراء الذي تعيشه، ففي النهاية سيجد عقلك طريقةً ليقلق. حلّك هوَ أن تدعي الله الاتّزانَ ورزانة العقل، وعدم الذعر من كلّ صغيرةٍ وكبيرة. ابني في شخصيتك هذه الثقة وقوة العقل، لأنّها ما سيساعدك في أسوأ ظروفك، وسيكونُ في جانبك متى ما احتجته. تخلّص من عادة الذعر، وابني عادة تُريحُ فيها عقلك مهما كانت الظروف.

 

 

٢٧٢: أنت تحمل الورقة الرابحة

“ما أعظم حكمة الإله إذ وضعَ تحت سيطرتنا أعظم قوة تحكم كل شيء آخر—القدرة على الحكم السليم على الظواهر الخارجية—بينما لم يضع أي شيء آخر في قبضتنا. هل كان هذا لمجرد أنهُ لم يُرِدْ منحنا أكثر؟ لا أظن ذلك، بل أرى أنه كان مستحيلًا.”إبيكتيتوس، المحاضرات، 1.1.7–8

 

وما هيَ هذه القدرة؟ إنّها الاختيارُ في ما تعنيه الأحداث. يعني أنّ نختارُ المعنى للموقف أو لما يحصل. فعندما يتّصلُ بك صديق طالبًا المساعدة، فمن اختيارك أن تراها على أنّ هذا الشخص مجرّد باحث عن مصلحةٍ لنفسه، أو تستطيع أن تراها على أنّكَ الشخص الذي يلجأ إليه للنجدة، لما تمتلكهُ من مهاراتُ وقدرات ليستْ عندَ غيرك. كلّ أحداثِ حياتنا تحتَ قدرتنا لنفسّرها.

والواقع المرير هوَ أنّنا لا نستطيع التحكّم في الأشياء الأخرى مثلَ الناس والطقس وكلّ شيء غيرَ أفكارنا وتصرّفاتنا وردّات فعلنا.

 

 

٢٧٣: احتياجاتك الفعلية صغيرة

“لا شيء يشبع الجشع، ولكن حتى القليل يكفي الطبيعة. لذا، فإن فقر المنفيّ ليس بالمصيبة، إذ لا توجد منفىً على هذه الأرض قاحلة لدرجة أنها تعجز عن توفير ما يكفي للعيش الكريم.”سينيكا، العزاء إلى هيلفيا، 10.11

 

تذكّر أولَ شقّةٍ لك؟ لم تكُن بحجمِ شقّتك الحالية صحيح؟ تذكّر تواضُعَ وجباتك، ليسَ مثلَ التكلّف الحالي. فقديمًا كُنتَ قويّا ولا تبالي بالقليل، ولكنْ كلّما نجحتَ في الحياة، كلّما ازدادت متطلّباتك وشروطك المعيشية. ذكّر نفسكَ أنّ الحالَ يتغيّر في أي لحظة، وربّما تعودُ لوضعك المتواضع، وسريرك الصغير. فحتّى أجدادنا عاشوا بأبسطِ ما كانَ لديهم.

 

 

٢٧٤: لا يمكنك لمسي

“إذا اعتدى أحدهم عليك بالعنف، فإنه قد يسيطر على جسدك، لكنه لن يملك عقلك أبدًا، فهو سيبقى ملكًا لك وحدك.”زينون، منقولًا عن ديوجين اللايرتي، حياة الفلاسفة البارزين، 7.1.24

 

يقصد زينو أنّهُ حتّى لو هوجمَ من قِبلْ شخص، فالضربة ستوثّر على جسده، وليسَ على عقله. فعقلهُ محمي بالفلسفة. كما ذكرَ ماركوس أوريليوس أنّ القلعةَ الداخلية لن يستطيعَ أحد دخولها بدونِ إذنك.

 

 

 

الفضيلة واللطف

٢٧٥: دع الفضيلة تشرق

“ألا يستمر ضوء المصباح في الإشراق حتى ينفد زيته؟ فلماذا إذًا لا تستمر حقيقتك وعدلك وانضباطك في التألق حتى تنطفئ حياتك؟”ماركوس أوريليوس، التأملات، 12.15

 

دع الفضيلة تكونُ شعلتك التي لا تطفئ، عِشْ في هذه الحياة بناءً على الشجاعة والصدق والشرف، حتّى آخرَ أيامك.

 

 

٢٧٧: الأصول الأكثر قيمة

“لكن الحكيم لا يمكن أن يخسر شيئًا. فهو يملك كل ما يحتاج إليه داخله، فلا يترك أي شيء للقدر، إذ أن ثروته الحقيقية مرتبطة بالفضيلة، وهي لا تحتاج إلى الحظ، ولا يمكن أن تزداد أو تنقص.”سينيكا، عن ثبات الحكيم، 5.4

 

يشير سينيكا إلى الاستثمارِ في الذات. في عالمنا الحالي يستثمر الناس في الأسهم والشركات، ولكنْ الشخص الحكيم هوَ الذي يستثمر في نفسه، لأنّ هذه الاستثمارات لا تؤثّر عليها تقلّبات السوق.

 

 

٢٧٨: تعويذة الترابط المتبادل

“تأمل دائمًا في الترابط العميق والتداخل المتبادل بين جميع الأشياء في الكون. فكل شيء متصل ببعضه البعض بطريقة ما، مما يجعلها تتفاعل بانسجام، وتسير وفق توتر حركي واحد، ووفق وحدة جوهرية تجمعها جميعًا.”ماركوس أوريليوس، التأملات، 6.38

 

في روما القديمة، كانوا يقتلونَ الحيوانات بدونِ رحمة ومعنى، فقط من أجلِ تسلية الجماهير. كانوا يغزونَ المدن ويُستعبّدونَ سكّانها للعمل الشاق. يقولُ ماركوس أوريليوس أنّنا ننسى ترابطنا في هذا العالم. فكلّنا مترابطينَ بطريقةٍ ما، وكلّن لهُ دوره، سواءَ جيّدًا كانَ أم سيئًا.

 

 

٢٧٩: الكل للواحد، الواحد للكل

“ما لا يعود بالفائدة على الخلية، لن يعود بالنفع على النحلة.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 6.54

 

ماركوس أوريليوس يلقّب نفسهُ بمواطنِ العالم، وليسَ لروما فقط. ويقولُ أنّ ما يضرّ المجتمع، يضرُّ الفردَ أيضًا. انظر لنفسك كما لو أنّكَ نحلة في خليّة نحل.

 

 

٢٨٠: الكلمات لا يمكن أن تُقال

“أفضل للمرء أن يتعثر بقدميه على أن يتعثر بلسانه.” — زينون، منقولًا عن ديوجين اللايرتي، حياة الفلاسفة البارزين، 7.1.26

 

يمكنك دائمًا النهوض بعد السقوط، لكن تذكر أن ما قيلَ قد قيلْ ولا يمكنْ الغاءه. وخاصة الأشياء القاسية والمؤذية.

 

 

٢٨١: نبحث عن بعضنا البعض

“من طبيعة الأشياء أن نعبّر عن المودة لأصدقائنا ونفرح بتقدمهم كما لو كان تقدمنا نحن، فإن لم نفعل ذلك، فلن تستمر الفضيلة في داخلنا، إذ لا تتأصل إلا بالممارسة والتفاعل الدائم مع الحياة.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 109.15

 

إن مشاهدة الآخرين وهم ينجحون هي واحدة من أصعب الأشياء التي يمكن القيام بها ــ وخاصة إذا لم نكن نبلي بلاءً حسناً بأنفسنا. ففي أذهاننا كساعين للنجاح، نشك في أن الحياة عبارة عن لعبة محصلتها صفر ــ وأن حصول شخص ما على المزيد يعني أننا قد ننتهي إلى الحصول على أقل. ولكن الحقيقة أنّ النجاحَ موجودٌ في كلّ زاوية لو ركّزت، ونجاح الآخرين لا يعني أنّكَ لن تنجح.

وسينيكا يقول أنّهُ من الممكن أن نفرحْ لنجاحهم ونحزن لفشلهم، عن طريقِ الفضيلة. والفضيلة تعني أن يكونَ الشخص في حالة من السكون والرضى وعدم ترك الأحداث الخارجية تؤثّر عليه، ومنها سيحكم بالحكمِ الصحيح.

 

 

٢٨٢: سبب أناني للخير

“من يرتكب الظلم لا يضر الآخرين فحسب، بل يضر نفسه أيضًا. فالظالم في النهاية لا يكون إلا ظالمًا لنفسه، محولًا إياها إلى شر.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 9.4

 

في المرّةِ القادمة التي تقترفُ فيها خطئًا، ركّز مع الشعور المصاحب، هل هوَ جميل؟ بالطبعِ لا. فهوَ شعورٌ بالذنبِ ممتزجًا بكُرهِ الذات. لا تبرّر اخطائك، فالخطأ خطأ. اعتدْ على التوقّف قبلَ اقترافِ الخطأ بثوانٍ قليلة وذكّر نفسكَ ذاكَ الشعور السيء. المسألة كلّها تتعلّق بالوعي، كُن واعيًا ولنْ تقترفَ خطئًا بسهولة. قالَ سينيكا: لا أحد يقترفُ خطئًا بالقصد.

 

 

٢٨٣: متعة أعظم

“نعم، كان من الجميل لو تحقق ما رغبت فيه. لكن أليس هذا بالضبط ما يجعلنا نسقط في اللذة؟ بدلاً من ذلك، انظر هل هناك ما هو أسمى—روح عظيمة، حرية، صدق، لطف، قداسة. لا شيء يفوق روعة الحكمة حينما تأمل في بساطة واتزان أفعال الفهم والمعرفة.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 5.9

 

يخاطب ماركوس أوريليوس نفسه أنّ المتعة لحظية، فمتعة الجنس لا تدوم إلّا لفترة قصيرة جدًا. شعور الإنجاز وتصفيق الناس لك لا يدومُ طويلة. الفضيلة والحكمة هما الذانِ يدومانِ لكَ ويكونانِ معكْ أينما كنت.

 

 

٢٨٤: ضع المعايير واستخدمها

“عندما تحدد المعايير، تصبح الأشياء قابلة للاختبار والقياس. مهمّة الفلسفة هي فحص هذه المعايير وترسيخها، بينما مهمّة الإنسان الفاضل هي العمل وفق هذه المعايير بعد أن يدركها.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 2.11.23–25

 

نمر بأيامنا مستجيبين ومتفاعلين، ولكن من النادر أن نتوقف ونسأل أنفسنا: هل هذا الشيء الذي سأفعله يتفق مع معتقداتي؟ أو بالأحرى: هل هذا هو النوع من الأشياء التي ينبغي للشخص الذي أرغب في أن أكونه أن يفعلها؟

لا تدع الأيام تمضي وأنتَ تردّدْ كم ترغبُ في أن تكونَ ناجحا، صالحًا، رياضيًا لكنْ دونَ أنْ تفعل ما يفعلُهُ الشخصْ الذي ترغبْ في أنْ تكونه. حياةُ الإنسان عبارة عن مجموعِ أفعاله الصغيرة.

 

 

٢٨٥: الاحترام والعدالة

“اترك الماضي خلفك، دع التصميم الكوني يهتم بالمستقبل، وركّز فقط على توجيه الحاضر نحو التبجيل والعدل. التبجيل بأن تحب ما قُدّر لك، فالقدر جمعكما سويًا، والعدل بأن تتحدث الحقيقة بصراحة ودون مواربة، وأن تتصرف وفقًا للقوانين والقيم الحقيقية.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 12.1

 

قالَ إبيكتيتوس أنْ الكلمتان: الاستمرارية والمقاومة هيَ ما نحتاجه في حياتنا. وأضاف على ذلك ماركوس أوريليوس الاحترامَ والعدالة، بمعنى أخر الفضيلة.

 

 

٢٨٦: الصدق هو أمرنا الافتراضي

“ما أفظع وما أزيف أولئك الذين يعلنون بفخر أنهم سيتحدثون بوضوح وصراحة! ماذا تخطط، عزيزي؟ لا يجب أن يكون ذلك مجرد شعار تردده، بل يجب أن يظهر في وجهك، ويُسمع في نبرة صوتك، ويشع من عينيك—كما يدرك المحبوب مشاعر العاشق دون حاجة إلى كلمات.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 11.15

 

هل استخدمتَ من قبل: “بكلّ صراحة” “بكلّ صدقِ” “سأكونَ صادقًا هذه المرّة” ؟ ماذا يعني هذا؟ أنّ كلّ كلامك السابق كانَ مجرّد أكاذيب وألاعيب؟ والآنَ بدأتَ بالكلام الصادق؟

لنعقدِ العزمَ ألّا نستخدمَ هذه الكلمات مجدّدًا، وأنّ نكونَ صادقين في حديثنا دائمًا.

 

 

٢٨٧: أحِبَّ دائمًا

“هكاتو يقول: ‘أستطيع أن أعلمك جرعة حب دون الحاجة إلى أعشاب أو تعاويذ… إذا أردت أن تُحَب، فحِبْ.’ “ — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 9.6

 

باختصار التعويذة السحرية لتحصل على الحب هي أنْ تُحَبَّ أوّلًا. فالحب الذي يأتيكْ مساوٍ للحبّ الذي تُعطيه.

 

 

٢٨٨: الانتقام طبق من الأفضل عدم تقديمه

“أفضل وسيلة للانتقام هي ألا تكون مثل من أساء إليك.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 6.6

 

ماذا لو شتمك أحد، أو ترقّى زميلك في العمل لعدم صدقه وسرقته فضلَ عملك، هل ستنتقم؟ هل ستشتم الشخص الذي شتمك؟ تقولُ لنفسك أنّ هذه الطريقة التي يعملُ فيها عالمنا؟ تتوعّد بالانتقامِ مستقبلًا؟ واجهت الخطأ بالخطأ، وماذا استفدت؟ إثباتِ نظرية أنّ أفعالهم مُبرّرة، وأنّكَ استحققتَ ما أتاك، لأنّكَ قُمتُ تردُّ عليهم بالمثل. كُن أنتَ الشخص الأفضل، ولا تردّ على ما آذاك، أو خيّبَ ظنّك. كنِ المثلَ الأعلى لِمَنْ أخطأَ في حقّك. الانتقام والشتم والأذية لا تُقارنُ بفعلِ الخيرِ والعفو. فالأولى تجعلك غاضبًا والثانية تجعلكَ مرتاحَ البال.

 

“من الرائع أن تشفي الجراح بدلاً من السعي للانتقام منها. فالانتقام يستهلك وقتك، ويجلب لك أذى أكثر من الضرر الأول الذي تعرضت له. الغضب يعيش أطول من الجرح. الأفضل أن تسلك المسار المعاكس. هل يظن أحد أن من الطبيعي أن يرد المرء على ركلة من بغل أو عضة من كلب؟” — سينيكا، عن الغضب، 3.27.2

 

 

٢٨٩: لا تغضب. ساعد

*”هل تغضب عندما تنبعث من إبط شخص ما رائحة كريهة أو عندما تكون أنفاسه كريهة؟ ما الهدف من ذلك؟ إذا كان لديك مثل هذا الفم والإبطين، فستنبعث رائحة كريهة. تقول، يجب أن يكون لديهم عقل، ألا يستطيعون معرفة كيف يسيئون إلى الآخرين؟ حسنًا، لديك عقل أيضًا، مبروك! لذا، استخدم عقلك لإيقاظ عقلهم، وأظهر لهم ذلك، واطلب منهم أن ينطقوا به. “إذا استمع الشخص، فسوف تتمكن من شفائه دون غضب لا طائل منه. ولا حاجة إلى الدراما أو الاستعراض غير اللائق.” —*ماركوس أوريليوس

 

هل تتذكر شعورك عندما يتجاوزك عميل في صفّ المقهى؟ أو عندما يزعجك الجالس في المقعدِ الأمامك في الطائرة؟ أو عندما يتحدّثُ شخصٌ بصوتٍ عالي في المكتبة؟ كلّها أفعالٌ تُثيرُ فينا رغبةً بضرب، وشتم، وتهزيء هؤلاء الناس. نتضايق ونشتعل من الداخل، يعترينا الغضب وتكادُ تنفجر أعيننا ولكنْ في النهاية: “هلّا أخفضت صوتك؟” نقولها بكلّ أدب. لماذا إذًا تعذيبك الداخلي لنفسك، إن استطعتَ أن تطلبَ منهُ عدم التصرّف هكذا فاطلب، ولكنْ توقّف عن إيذاءِ نفسكَ داخليًا.

 

 

٢٩٠: امنح الناس فائدة الشك

“كل شيء يعتمد على تصوراتك عنه، وهذا يعود إليك. يمكنك في أي لحظة أن تغير حكمك المتسرع، وكأنك تدير دفة السفينة بعيدًا عن الصخور، فتجد أمامك بحرًا هادئًا، وطقسًا صافياً، وميناءً آمنًا.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 1

 

ردّة الفعل الأولى لكلبك عندما تطأ على ذيله هي النباح، أو القفز، ولكنّهُ سُرعانَ ما يراك، يعودُ إلى هزِّ ذيله. الرجل الحكيم لا يحكم على عمًى، ولا يتصرّف مباشرة. فهوَ يفترض الأعذارَ للطرفِ الآخر ويتمهّل في حكمه. يقولُ لنفسه: “ربّما حصل حادث” “ربّما لم يعلم” “ربّما ظروفه التي شكّلته على ما هيته”

 

 

٢٩١: انشر الكلمة

“بعض الأشخاص ذوي العقول الاستثنائية يدركون الفضيلة بسرعة، أو ينتجونها داخل أنفسهم. لكن الأنواع الأخرى الكسولة والخافتة، التي تعوقها العادات السيئة، يجب أن يتم تنظيف أرواحها الصدئة باستمرار. . . . والفئات الأضعف سوف تساعد وتنتشل من آرائها السيئة إذا وضعناها في رعاية مبادئ الفلسفة. —سينيكا

 

الفلسفة الرواقية ليستْ ديانةً علينا اتّباعها، ولكنّها مبادئ فلسفية تُعيننا في حياتنا، والأفضلَ هوَ أنْ نُدرّسها لمن يحتاجها. وأفضل طريقة للتدريس هي بالمثال الحي، أنْ تتصرّف وتفعل لا أن تقولَ الفعل فقط. مثلما يتعلّم الأطفال بتقليدِ من هم أكبرَ منهم، فالكبارُ أيضًا يُقلدونَ من يتطلّعونَ إليه.

 

 

٢٩٢: فائدة اللطف

“يجب أن يُحفظ المعروف ككنزٍ مدفون، لا يُستخرج إلا عند الضرورة. . . . فقد أوجبت علينا الطبيعة أن نصنع الخير للجميع. . . . وحيثما وُجد إنسان، وُجدت فرصة لممارسة اللطف.”— سينيكا، عن الحياة السعيدة، 24.2–3

 

جرّب أن تفعلَ شيئًا جديدًا اليوم، وهوَ أنْ تُعامل الشخص التالي الذي تلتقيه بلطف. تفهم حاله، دوافعه، كيف يشعر اليوم، وتكونُ لطيفًا بقدرِ ما تستطيع، لأنّها ستعودُ عليكما الاثنانِ بالفائدة. وافعلها مع الشخص الذي يليه والذي يليه، وماذا لو لم تتلقّى مثلَ ما قدّمته؟ لا يهم. المهمُّ هوَ أنّ نتحكّم بما نستطيع التحكّم به، ألا وهوَ الإجابة بكلّ طيبة.

 

 

٢٩٣: الأصدقاء

“لا شيء أسوأ من ذئب يصادق الخراف. تجنب الصداقات الزائفة بأي ثمن. فإن كنت طيبًا ومستقيمًا وصاحب نية حسنة، فيجب أن يظهر ذلك في عينيك، ولا يخفى على أحد.”— ماركوس أوريليوس، التأملات، 11.15

 

تجنّب الأصدقاء ذوي الوجهين، الشريك الذي لا يوثق به، الوالدين النرجسيين، ستعرفهم من النظرة الأولى كما قال ماركوس أوريليوس. والأهمّ من هذا كلّه أن ننظر للأمر بالطريقةِ الأخرى، أيْ ننظر لأنفسنا نحن. هل نحنُ ذوي الوجيه المتعدّدة؟ لا يوثق بنا؟ نرجسيين؟ قبلَ أن تحكم على الآخرين (هذا ما علّمتنا الرواقية)، أنظر لنفسكَ أولًا وتأكد من خلوها من كلّ العيوب، قبلَ أن توبّخ أو تتجنّب من بهِ هذه الصفات.

 

 

٢٩٤: العادات الجيدة تطرد العادات السيئة

“بما أن العادة تملك تأثيرًا بالغ القوة، ولأننا اعتدنا على اتباع أهوائنا سعياً وراء المكاسب أو تجنبًا للخسائر دون وعي، فعلينا أن نخلق عادة معاكسة لذلك، وأن نستخدم قوة التدريب لمقاومة الإغراءات المتقلبة.”إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.12.6

 

مثلًا، لو كنتَ تؤجّل عمل اليوم، بدلًا من المقاومة، اضف لها عادةً جيّدة، مثلَ المشي لتصفية الذهن، ثمّ عد لتكمل العمل لاحقًا. ولو وجدتَ نفسك تتفوّه وتحدّثها بطريقة سلبية، فلا تلعنها وتذكّرها أن هذا خاطئ، بل غيّر الطريقة التي تحدّث بها بنفسك بكلّ لطافة، وكلّما حدّثتها بوعيَ، ستجد نفسك قلّلتَ من الكلام السلبي.

حارب العادة السيئة بإضافة عادة جيّدة معها، شيئًا فشيئًا حتّى تختفي العادة السيئة.

 

 

٢٩٥: علامات الحياة الطيبة

“لقد جُبت الدنيا بحثًا عن فن العيش، ولم أجده في المنطق، ولا في الثروة، ولا في الشهرة، ولا في اللذات. إذن، أين يكون؟ في فعل ما تقتضيه الطبيعة الإنسانية. وكيف يفعل الإنسان ذلك؟ بأن تكون مبادئه مصدر رغباته وأفعاله. وما هذه المبادئ؟ إنها تتعلق بالخير والشر، وبالاعتقاد بأنه لا يوجد خير حقيقي للإنسان إلا ما يرسّخ العدل والانضباط والشجاعة والحرية، ولا شر حقيقي إلا ما يهدم هذه الفضائل.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 8.1

 

رايان هوليداي يقول أنّ الأسئلة التي تراودنا مُتفكّرةً عن سبب وجودنا كثيرة جدّا: لماذا وُلدت؟ لماذا أتيتُ لهذه الحياة؟ ما هوَ هدفي؟ يرى الرواقيون أنّ المعنى للحقيقي للحياة هوَ اكتساب الفضيلة والعيش على مبادئها. أيْ الخيرَ والعدل في هذا العالم. ويرى رايان أنّنا لنْ نجدَ أنفسنا في ما تمليهِ علينا الكتب، أو أيَّ شيءٍ خارجي، بل هوَ موجودٌ بداخلنا. علينا أنْ نبحث ونكتشف من نحن بأنفسنا، عن طريقِ أفعالنا وعن طريقِ الحياة التي نعيشها.

 

 

٢٩٦: الأبطال، هنا والآن

“يا له من سلوك عجيب! فالناس لا يريدون الإشادة بمن يعيشون بينهم، لكنهم يتطلعون لنيل الثناء من أجيال قادمة لن يلتقوا بها أبدًا! يشبه هذا تمامًا الشعور بالأسى لأن الأجيال السابقة لم تمدحك!”ماركوس أوريليوس، التأملات، 6.18

 

أليكساندر العظيم، لازالت المدينة التي أسّسها تحملُ أسمه. (الاسكندرية). كم من الرائع، وحتّى بعدَ ٢٣٠٠ سنة، أن تكونَ مدينتك باسمك، رائع؟ غير صحيح. حتّى إن أنجزتَ مثلَ هذا الإنجاز، ستكونُ ميّتًا كأليكساندر العظيم، لن تستمتع بإرثٍ وأنتَ غيرُ موجود. وكم من الحروب التي لا فائدة منها خاضها في سبيلِ هذه المدينة وهذا الإرث؟ أليكساندر كانَ عصبي الطباع، إذ قتلَ صديقه المفضّل عندما كانَ سكرانًا.

بدلًا من أنْ نعملَ في بناءٍ إرثٍ يُعجب ونهتم برأي الذينَ سيأتوا من بعدنا، فلنعمل لأُناسنا الحاليين، وأنفسنا، في هذه اللحظة.

 

 

٢٩٧: من السهل أن تتحسن. ولكن أفضل في ماذا؟

“قد يكون أحدهم بارعًا في إسقاط خصومه، لكن هذا لا يجعله أكثر التزامًا بروح الجماعة، أو أكثر تواضعًا، أو أكثر استعدادًا لأي ظرف، أو أكثر تسامحًا مع أخطاء الآخرين.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 7.52

 

تطوير الذات هوَ هدفٌ نبيل. لا ضررَ في أنّكَ تريد بناءَ عضلاتِ بطنٍ وجسمٍ رشيق، لكن هل تريدُ هذه العضلاتِ لأنّكَ تحدّيتَ نفسك؟ أم تريدُ أن يُعجبَ بكَ الناس عندما تخلع قميصك؟

هل تركض الماراثون لأجلِ اللياقة البدنية ؟ أم لأجلِ الهروب من مسؤولياتِ بيتك؟

هنالكَ فرقٌ بينَ أن نكونَ أفضل في أشياء وأنْ نكونَ أفضل كأشخاص. فما الفائدة عندما يعترف الناس بإنجازاتك في العمل، وأنتَ زوجٌ سيء؟ صديقٌ لا يعتمد عليه؟ مواطنٌ فاسد؟

 

 

٢٩٨: أظهر الصفات التي خلقت من أجلها

“إذا لم يكن الناس مبهورين بحدة ذهنك، فليكن. لكن لديك العديد من الفضائل الأخرى التي لا يمكنك الادعاء بأنك حُرمت منها عند ولادتك. أظهر هذه الصفات إذن: الصدق، الكرامة، الصبر، العفة، القناعة، البساطة، اللطف، الحرية، الإصرار، تجنب النميمة، والسخاء.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 5.5

 

الكثيرُ من الناس يشتكونَ من مزايا جينية لم يولدوا بها. البعض يشتكي من قِصرِ قامتهم، لونهم، جنسيتهم، معدّل ذكائهم، وأشياءً لا يمكنهم تغييرها. ولكنّهم يمتلكون الخيار في بناءِ صفاتٍ لا تتعلّق بالجينات:

إنك تملك الخيار في أن تكون صادقاً، كريماً. إنك تملك الخيار في أن تتحمل. إنك تملك الخيار في أن تكون سعيداً، عفيفاً، مقتصداً، لطيفاً مع الآخرين، حراً. إنك تملك الخيار في أن تستمر في الحياة رغم كل الظروف الصعبة. إنك تملك الخيار في أن تتجنب الإتجار بالقيل والقال. إنك تملك الخيار في أن تكون كريماً. ولكن بصراحة، أليست الصفات التي تكتسبها نتيجة للجهد والمهارة أكثر إثارة للإعجاب من التي تأتيكَ عند الولادة؟

 

 

٢٩٩: ينبوع الخير

“احفر عميقًا داخل نفسك، فهناك نبع من الخير لا ينضب، فقط استمر في الحفر.”— ماركوس أوريليوس، التأملات، 7.59

 

الخيرُ ليسَ طائرًا سحريًا يأتينا أينما كنّا. من المحزن أن نقعُ في دوّامةِ الانتظار، لأخبارٍ مُفرحة، لطقسٍ جميل، لحظٍ سعيد. ولكنّ ينبوع الخير يصبُّ في داخلنا، وسنجدهُ في أفكارنا، وأفعالنا، وروحنا الطاهرة.

 

٣٠٠: مهمتان

“ما الذي يجعل الإنسان حرًا ومستقلًا في قراره؟ ليس المال، ولا المنصب، ولا حتى المملكة—بل شيء آخر يجب أن نجده… في حالة الحياة، هو معرفة كيف نعيش.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 4.1.62–64

 

أهمّ شيئين كما يقول إبيكتيتوس في هذه الحياة هما: أنْ نكونَ أشخاصًا صالحين، وأن نمارسَ مهنةً نُحبها. وكلّ شيء آخر هوَ إهدار للوقت والطاقة. كيف ذلك؟ بكلّ بساطة: قل لا للمشتتات، لا للعواطف المدمّرة والضغوطات الخارجية. وابحث عن إجاباتٍ لأسئلة: ما هوَ أفضل طريقة استفيدُ بها من وقتي المحدود على هذا الكوكب؟ ما الذي يمكنني فعله أفضل من الآخرين؟ عامِل الناس بالطريقة التي تُحب أن يعاملوكَ بها. وطوّر نفسك على الدوام لتحترف كيفَ تعيش.

 

٣٠١: ثلاثة أجزاء، هدف واحد

“أفضل وأعظم الفلاسفة أكدوا أن الفلسفة تتكون من ثلاثة فروع: الأخلاق، والطبيعة، والمنطق. الأول ينظم الروح، والثاني يتعمق في فهم نظام الكون، أما الثالث، فيحقق في معاني الكلمات وترتيبها ودلائلها لمنع تسلل الباطل محل الحقيقة.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 89.9

 

هذه الثلاث أجزاء، تمتلك هدفًا واحدًا، وهيَ مساعدتك لتعيشَ حياةً طيّبة. ليسَ للمستقبل، بل الآن.

 

٣٠٢: نحن نحصد ما نزرع

“الجرائم غالبًا ما تعود إلى مُعلّمها.”— سينيكا، ثيستيس، 311

فكّر قليلًا قبلَ أنْ تُعلّم شخصًا طريقة غير أخلاقية. فمثلًا لو علّمتَ عميلًا خدعة يتفادى بها تسديد مبلغ، فربّما يُطبقّها فيك. نفس الشيء لو علّمتَ أطفالك طرقًا إجرامية فقد لا تنجو منها مستقبلًا. انتبه وكن مثالًا حسنًا للآخرين. فسينيكا أعدِمَ من قِبَل تلميذه الامبراطور لأنّهُ كانَ مرشدًا لهُ في النفاق.

 

 

٣٠٣: لقد خُلِقنا لبعضنا البعض

“ستجد من الأسهل أن تحجب شيئًا أرضيًا عن الأرض، أكثر من أن تفصل الإنسان عن أخيه الإنسان.”ماركوس أوريليوس، التأملات، 9.9.3

 

لم يدرس ماركوس أوريليوس قوانينَ نيوتن ولكنّ اقتباسه يحتوي عليه. ما طارَ في الهواء، أتى ساقطًا. ويقصد أنّ علاقتنا بالبشر أقوى من قانون الجاذبية. فنحنُ مخلوقاتٌ اجتماعية، لن نستطيع العيش بدونِ بعضنا البعض.

 

 

٣٠٤: الشخصية هي القدر

“يكتسب كل شخص شخصيته، لكن أدواره الرسمية تحددها الصدفة. يجب أن تدعو البعض إلى مائدتك لأنهم يستحقون ذلك، وآخرين لأنهم قد يصبحون مستحقين.”— سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 47.15

 

في عملية التوظيف، يُنظر إلى الجامعة التي التحقَ بها المتقدّم، والوظائف السابقة. لأنّ النجاح في الماضي قد يكون مؤشر على نجاح مستقبلي. لكنْ هنالكَ الكثير من من نجحوا بسبب الحظ، والذينَ التحقوا بالجامعاتِ بسببِ والديهم. إذًا هل هذا يعني أنّ من لم يلتحق بالجامعة فاشل؟ وإن لم يستطع بناءَ نجاح، لا طائلَ منه؟ بالطبعِ لا.

ولهذا السبب فإن الشخصية هي مقياس أفضل بكثير للرجل أو المرأة. ليس فقط للوظائف، ولكن للصداقات، والعلاقات، ولكل شيء. قال هيراقليتس “الشخصية هي القدر”. فعندما تسعى إلى تعزيز مكانتك في الحياة، فإن الشخصية هي أفضل وسيلة لتحقيق ذلك ــ ربما ليس في الأمد القريب، ولكن بالتأكيد على الأمد البعيد. وينطبق نفس الشيء على الأشخاص الذين تدعوهم إلى حياتك.

 

 

٣٠٥: من يحصل على نصيب الأسد؟

“ألا تشعر بالخجل لأنك تخصص للحكمة فقط ما تبقى من حياتك، ولا تمنحها إلا الوقت الذي لا يمكن استغلاله في عمل آخر؟”— سينيكا، عن قصر الحياة، 3.5

 

يقولُ سينيكا لو كنّا مهتمّينَ حقّا بدراسة الفلسفة، فلماذا إذًا نُعطيها القليل من وقتنا؟ الدقائق الأخيرة قبلَ النوم؟ لماذا نُغلق على أنفسنا لمدّة ١٠ ساعات في اليوم بحجّة العمل في المكتب؟

وغالبيّة الناس يقضونَ أسبوعيًا ٢٨ ساعة على الأقل أمام الشاشات، ولو سألتهم لماذا لا تطوّر ذاتك أو تدرس الفلسفة؟ سيردّ عليكَ بأنّهُ لا يمتلك الوقت.

 

 

٣٠٦: لقد ولدت جيدًا

“الإنسان يولد وهو مائل إلى الفضيلة بطبيعته.”— موسونيوس روفوس، المحاضرات، 2.7.1–2

 

بعض الكفّار يزعمونَ أنّ الإنسان يولد مُذنبًا. ولكنّ الرواقية تؤمن بأنّ الإنسانَ يولد وهوَ يميلُ إلى العدل والصدق والشجاعة.

قالَ رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام أنّ الإنسانَ يولد على الفطرة.

وتدعو الرواقية إلى مساعدة بعضنا البعض في هذه الحياة.

 

القبول

٣٠٧: قبول ما هو موجود

“لا تسعَ لأن يحدث كل شيء كما تشتهي، بل اشتهِ أن يحدث كل شيء كما يحدث بالفعل—عندها ستنساب حياتك بسلاسة.” — إبيكتيتوس، دليل الحياة، 8

 

عندما يحدث شيء في الماضي، وتكرهه وتتمنّى أنّهُ لم يحدث، ما هوَ الفعل الأسهل والأعقل لنا: أن تتمنّى عدم حدوثه؟ أو أنْ ترغب في تغييره؟ أم تغيّر نظرتك على الحدث نفسه؟ تقبل ما حدث وغيّر رغبتك في عدم حدوثه. يطلق الرواقيون على هذا “فن الاستسلام” – قبول كل شيء بدلاً من محاربته. وبعض الرواقيون لا يقبلونَ فقط ما حدث، بل يستمتعونَ به. هذا ليسَ مجرّد قبول لما حدث، بل حبُّ كلّ ما حدث ويحدث.

بعد قرون عديدة، صاغ نيتشه التعبير المثالي لالتقاط هذه الفكرة: amor fati (حب القدر).

 

 

٣٠٨: ربط رغباتنا بما سيكون

“من السهل أن تمتدح العناية الإلهية في كل ما يحدث إذا امتلكت أمرين: رؤية شاملة لما يجري، وشعورًا بالامتنان. فما فائدة الرؤية دون امتنان، وما جدوى الامتنان دون رؤية؟” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 1.6.1–2

 

يدعونا إبيكتيتوس بالتسليم وقبول أيّ شيء يكتبهُ اللهُ لنا. وأن نرفض (حتّى لو تمنّيناهُ لأنفسنا) ونتخلّى عن رغبةِ كلّ شيءٍ لم يكتبهُ اللهُ لنا. فلتُحبّ قدرك كما هوَ وترضى على ما كتبهُ اللهُ لك. لكن هذا لا يعني القنوط والتوقّف عن الدعاء والسعي، بل بالعكس، بقبولك على ما حصل، ستشعر براحة ربّانية، وتزدادُ ثقةً بالله. لأنّهُ لم يرفض لكَ دعاءً إلّا ليختبرك، أو يُبعدَ عنكَ شرًا، أو يحفظها لكَ مستقبلًا.

“لم تُعاق إرادتي يومًا، ولم أُجبر على شيء يخالفها. وكيف يكون ذلك؟ لأنني جعلت اختياراتي مرتبطة بمشيئة الله. فإن أراد الله أن أمرض، فأنا أريد ذلك. وإن أراد أن أختار شيئًا، فأنا أختاره. وإن أراد أن يُعطيني أو يمنع عني، فأنا أرغب في الأمر ذاته. وما لم يرده الله، لا أريده أنا.”— إبيكتيتوس، المحاضرات،

 

 

٣٠٩: إتباع أوامر الطبيب

“تمامًا كما يوصي الأطباء أحيانًا بالعلاج عن طريق المشي حافيًا أو الاستحمام بالماء البارد، كذلك الطبيعة تُقدّر لبعض الناس المرض أو المعاناة. الطبيب يصف العلاج ليشفي الجسد، أما الطبيعة فتقدّر المصاعب لتصقل المصير.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 5.8

 

يقولُ ماركوس أوريليوس أنّ كلّ ما يحدث لك هوَ في الحقيقة من الله ليساعدك ويعالجك في حياتك.

قد يوصف لكَ الطبيب أيّ دواءٍ وستأخذه بدونِ تردّد، لأنّكَ تثق به. إذا لما لا نثق بالأشياء التي تحصل لنا في حياتنا؟ لأنّها هيَ الأفضل وهيَ التي ستساعدنا، وأنتَ أيضًا على علمٍ تام بأنّها من تقدير العزيز العليم؟

 

 

٣١٠: ليس جيدًا ولا سيئًا

“ليس هناك شر في التغيير، كما أنه لا يوجد خير في البقاء على حال جديد إلى الأبد.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 4.42

 

يربطُ الناس التغيير على أنّهُ شيءٌ سيء، ويواسونَ الآخرين أو أنفسهم بأنّهُ شيءٌ جيّد، لأنّها مواساة. ولكن التغيير ليسَ جيّدًا ولا سيئًا، إنّما هوَ تغيير لا أكثر. تذكّر أنْ ترى الأشياءَ بموضوعية، وبدونِ إضافة تفاسيرك الخاصة.

 

 

٣١١: قوة أعلى

“ما يجعل الإنسان سعيدًا هو أن تكون حياته متناغمة مع الروح الإلهية بداخله ومع الإرادة الكونية التي تدير الكون.” — خريسبيوس، منقولًا عن ديوجين اللايرتي، حياة الفلاسفة البارزين، 7.1.88

 

حتّى وإن لم تكُن تؤمن بقوة أعظم وقوة إلهية، عليكَ فقط أن تؤمن أنكّ لستَ المتحكّم والذي يديرُ شؤون الكون، عليكَ بنفسك فقط. ولله الحمد في ديننا الإسلامي نعرف أنّ مدبّر الكون هوَ الخالق الأعظم سبحانه، ولا نحتاجُ لأنْ نخاف.

 

 

٣١٢: شخص آخر يقوم بتدوير الخيط

“إذا استيقظ المرء فخورًا بنفسه عند بزوغ الفجر، فقد يكون عند غروب الشمس في الحضيض. فلا أحد يثق في الانتصار كثيرًا، ولا أحد ييأس من أن تنقلب الأقدار لصالحه. فالحظ يتقلب مثل عجلة تدور بلا توقف.”سينيكا، ثيستيس، 613

 

سينيكا يتحدّث عن إله أعظم هوَ الذي يحدّد الأقدارَ سيئًة كانت أو جيّدة.

 

 

٣١٣: كيف تكون قويًا

“لا تثق في سمعتك أو أموالك أو منصبك، بل في القوة التي تمتلكها – أي أحكامك على الأشياء التي تتحكم فيها والتي لا تتحكم فيها. لأن هذا وحده هو ما يجعلنا أحرارًا وغير مقيدين، والذي يرفعنا من أعناقنا من الأعماق ويرفعنا وجهاً لوجه مع الأغنياء والأقوياء.” —إبيكتيتوس،

 

في رواية فضائل الحرب، أليكساندر العظيم أرادَ أن يعبرَ جسرًا ولكنّهُ التقى برجلٍ فيلسوف يأبى أنْ يتحرّك. صرخَ أحدُ رجال أليكساندر: “هذا الرجل غزا وتغلّب على العالم! مالذي فعلتهُ أنت؟” ردّ الفيلسوف: “تغلّبتُ على رغبةِ التغلّب على العالم”

التغلّب على النفس والجهاد ضدّها من أشدّ الأشياء علينا، ولكن بتغلّبك على رغبتك، فستصبحْ حرًا غيرَ مُقيّد.

 

 

٣١٤: الممثلون في المسرحية

“تذكَّر أنك ممثل في مسرحية، تؤدي دورك وفقًا لإرادة الكاتب. إذا كانت المسرحية قصيرة، فأدِّها ببراعة كما لو كانت طويلة. إذا طُلب منك لعب دور المتسوّل، فأدِّه بإتقان، كما لو كان دور حاكم أو شخص عادي. فواجبك هو أن تؤدي الشخصية التي أُسندت إليك بإحكام. أما اختيار الدور، فليس لك فيه شيء.”إبيكتيتوس، دليل الحياة، 17

 

تدعونا الرواقية إلى قبولِ الدور الذي نلعبه في هذه الحياة، مهما كان، وأنّ نؤدّي عملنا على أكمل وجه. لا يهمّ إنْ كُنتَ عاملَ اسطبل، أو كنتَ مُنظِّفَ شوارع. فلتعمل حتّى يُكتبَ أنّكَ أفضل من عملَ مهنته في هذه الحياة الدنيا. لا تتشكّى إلّا لله.

 

 

٣١٥: كل شيء متغير

“الكون كله في تغيّرٌ مستمر. والحياة ليست سوى انعكاسٍ لرؤيتنا للأشياء.”— ماركوس أوريليوس، التأملات، 4.3.4

 

لو تمعّنتَ قليلًا، فسترى أنّ الحياة في تغيّر مستمر، فالحكومات تتغيّر مما تؤثّر على الدولة والشعب. أظافرك تطول وتقصّها وتنمو غيرها، وجلدك يتغيّر، وحتّى الناسَ والأحداث من حولك في تغيّرٍ مستمر. ورأينا هوَ رأينا. رأينا على الأشياء هوَ رأي سريع الزوال، بحكمِ التغيّر المستمر من حولنا.

 

 

٣١٦: نفس الشيء دائمًا

تأمل في عصر فيسباسيان، وسترى كل هذه الأمور: الزواج، تربية الأطفال، المرض، الموت، الحروب، الاحتفالات، التجارة، الزراعة، النفاق، الرياء، الشك، التآمر، التضرّع لموت الآخرين، التذمر من الحظ، الوقوع في الحب، جمع الثروات، السعي إلى السلطة… والآن، ذهب كل ذلك وانقضى. ثم جاء عصر تراجان، وحدثت نفس الأمور…”— ماركوس أوريليوس، التأملات، 4.32

 

لآلاف السنين أتوا البشر إلى هذه الأرض وعاشوا وماتوا وأتت أجيالٌ من بعدهم وفعلوا نفسَ الشيء. امتلأت حياتهم بنفسِ التي نعيشها حاليًا (غيرَ التطوّر التيكنلوجي)، فكانتْ الزواجات موجودة ومشاعر الحب والاحتفال بالأعياد ولا ننسى الحروب، فكلّها تتكرّر مع الزمن ولن تتوقّف في زمننا الحالي وستتكرّر مستقبلًا ولازالتِ الأرضُ تدوّر والشمسُ تجربي لمستقرٍّ لها. فنحنُ لسنا مميزون، بل مجرّد عابرونَ في هذه الدنيا أتينا سريعًا وسنغادرٌ سريعًا.

 

 

٣١٧: الأمر لا يتعلق بالشيء، بل بما نصنعه منه

“عندما تشعر بالضيق بسبب أمرٍ خارجي، فتذكَّر أنه ليس الحدث نفسه هو ما يزعجك، بل تفسيرك له. ويمكنك تغيير هذا التفسير في لحظة.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 8.47

 

نحنُ الذينَ نختارُ المعنى للأحداثِ في حياتنا. ولوَ اخترتَ أنْ تكونَ ضحيةً لبيئتك، فستكونُ ضحيّةٍ لبيئتك، وتتصرّف كالضحية، وتوقّع ماذا أيضًا؟ نتائجَ أفعالك ستكونُ نتائج الضحية.

روزفيلت الرئيس الأمريكي ال٣٢ وبالرغمِ من تشخصيه بمرضِ شلل الأطفال حينها لم يتوقّف نحوَ حلمهُ في أنْ يُصبحَ رئيسًا لأمريكا. لم يستسلم لظروفه الخارجية بل وكما قالَ ماركوس أوريليوس، محاها مباشرةً واستمّر في مجاله السياسي بدونِ عوائق ذهنية.

 

 

٣١٨: الأقوياء يقبلون المسؤولية

“إذا حكمنا على الخير والشر وفقًا لما هو في نطاق إرادتنا فقط، فلن يكون هناك مجال لِلّوم على الإله أو للعداء تجاه الآخرين.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 6.41

 

نمتلكُ خيارَ إلقاء اللوم على أنفسنا بدلًا من الآخرين، لأنّ لومَ الآخرينَ لن يعودَ علينا بفائدة. سلوكك تجاه الاشياء التي هيَ خارج دائرة تحكّمك لا يجب أن يضايقك، وتركيزك يجب أنْ يُصبّ على ما تستطيع التحكّم فيه وداخل دائرتك.

 

 

٣١٩: لا تشتكي أبدًا، ولا تشرح أبدًا

*”لا تسمح لنفسك بأن يُسمع صوتك بعد الآن وأنت تتذمر من الحياة العامة، حتى بأذنيك!” —*ماركوس أوريليوس،

 

التشكّي والتذمّر لن يُنجزَ أيّ شيء، بل سيضعك في هاوية الضحايا. ولوَ رأيتَ نفسكَ كضحيّة، ستتصرّف كالضحية. لا تشتكي من أيّ ظرف، لكنْ إنِ استطعتَ تغييره، فغيّره. لا تشتكي من ما هوَ خارج دائرة تحكّمك.

 

 

٣٢٠: أنت تختار النتيجة

“لقد أُرسل إلى السجن (حدث). لكن الملاحظة “لقد عانى من الشر” هي إضافة صادرة منك.” —إبيكتيتوس،

 

يقصد إبيكتيتوس أنْ حتّى لو زُجَّ بكَ إلى السجن، فهذا حدث موضوعي، ولكنْ بتفسيرك “عانى من الشر” ما هوَ إلّا تفسير شخصي. لأنّهُ من الممكن أنْ تدخل السجن وبدونَ أنْ تُعاني. السجنُ غيّر الكثيرين. مالكوم اكس دخلَ مجرمًا وخرجَ متعلّمًا ومتديّنًا. فهوَ اختارَ الجانب الجيّد من العزلة. سلوكك وتفسيرك هوَ الذي يحدّد معاناتك.

 

 

٣٢١: كل شيء يتغير

“تأمل كثيرًا في السرعة التي يجرف بها الزمن كل شيء. فالمادة تجري مثل تيارٍ لا ينتهي، والأحداث تتغير باستمرار، والأسباب تتبدل بلا انقطاع، حتى يكاد لا يبقى شيء ثابت.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 5.23

 

قالَ هيرقلس: لا يطأ رجلُ على نفسِ النهر مرّتين. لأنّ ماءَ النهر في تغيّر مستمر، وكذلك الرجل.

الحياة في حالة تغير مستمر. ونحن كذلك. فالإنزعاج من الأشياء هو افتراض خاطئ بأنها ستدوم. ولوم أنفسنا أو إلقاء اللوم على الآخرين هو مضيعة للوقتِ والطاقة. والاستياء من التغيير هو افتراض خاطئ بأن لديك خيارًا في الأمر. كل شيء يتغير، تقبّل ذلكَ وانسجم معه.

 

 

٣٢٢: الأمل والخوف هما نفس الشيء

“يقول هكاتو: ‘توقف عن التمني، وستتوقف عن الخوف.’… فالمصدر الأساسي لهذين الهمّين هو أننا، بدلًا من أن نكيّف أنفسنا مع الواقع، نبعث بأذهاننا بعيدًا نحو المستقبل.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 5.7–8

 

الخوف والتمنّي عدوانِ اللحظة. فهم يسلباننا من الآن، ويجعلاننا نفكّر في المستقبل، ونرغب في أشياء ونقلق من أشياء، والحلْ يكمن في التخلّص من الأمل. لأنّ الرغبة هيَ المتسبّبة في ظهور القلق. هذه كلّها اشياء خارجَ إرادتنا، ابتعد عن ما لا تستطيع التحكّم فيه، وركّز على ما تستطيع التحكّم فيه.

 

 

٣٢٣: لا تحكم، لئلا . . .

“حين تمارس الفلسفة بغرور وعناد، فإنها تؤدي إلى هلاك الكثيرين. اجعل الفلسفة تُزيل عيوبك، بدلاً من أن تكون وسيلتك لتوجيه النقد إلى الآخرين.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 103.4–5

 

تركيز الفلسفة الرواقية داخلي، ولا يركّز على ما هوَ خارجي. فتعلّمنا التحكّم في أنفسنا وترك الآخرين بأخطائهم كما يفعلون. فلا تعلّمنا الرواقية أن نحكمَ عليهم، ولا على أفعالهم. بل تقبّلها لأنّكَ بالمثلِ تمتلكُ الكثيرَ من الأخطاء، ومنْ أنتَ لتحكمَ عليهم؟ ربنا سبحانه وتعالى لا يحكم على الرجل إلّا في يومِ الدّين. فكلّ ما تستطيع فعله هوَ النصيحة، أو اصمت.

 

 

٣٢٤: أربع عادات للعقل الرواقي

“تتحرك طبيعتنا العقلانية بحرية للأمام في انطباعاتها عندما:

  1. لا تقبل أي شيء زائف أو غير مؤكد؛
  2. توجه دوافعها فقط إلى الأعمال من أجل الصالح العام؛
  3. تحد رغباتها ونفورها فقط بما في وسعها؛
  4. *تحتضن كل ما توكله لها الطبيعة.” —*ماركوس أوريليوس
  5. نقبل فقط ما هو صحيح.
  6. نعمل من أجل الصالح العام.
  7. نوفّق بين احتياجاتنا ورغباتنا وما هو تحت سيطرتنا.
  8. نتقبّلْ ما كتبهُ لنا القدر.

 

 

٣٢٥: أقوال مأثورة من ثلاثة حكماء

“في أي تحدٍ يجب أن نضع ثلاثة أفكار في اعتبارنا: “أن نسير على خطى الله والقدر، نحو الهدف الذي حُدد لي منذ زمن بعيد.

سأتبع ولن أتعثر؛ حتى لو كانت إرادتي ضعيفة، فسأواصل المسير.”

كليانثيس

“كل من يتبنى الضرورة يُعَد حكيمًا، وماهرًا في الأمور الإلهية.” —يوربيديس

“إذا كان الأمر يرضي الإله، فليكن. قد يقتلونني، لكنهم لا يستطيعون إيذائي.” — أفلاطون

 

علينا أنْ نتقبّل القدرَ، بابتلائه وبِنعمه. كلّ حدث في حياتك، أُنظر لهُ على أنّهُ كانَ لابدّ لهُ أن يحدث. الاقتباسات الثلاثة جمّعها إبيكتيتوس، وتحمل بينَ سطورها الدعوة للمرونة في الأحداث المتغيّرة، ووالتحمّل للشدائد، والقبولَ لكلّ ما هوَ مكتوب.

 

 

٣٢٦: انظر، الآن كما في أي وقت مضى

“إذا رأيت الحاضر، فقد رأيت كل شيء، منذ الأزل إلى الأبد. فكل ما يحدث مرتبط ومتماثل.” —ماركوس أوريليوس

 

الأحداث التي تحدث اليوم، ستحدث غدًا وحدثت في الماضي. ستعيش الحيوانات وتموت، وتُزرع وتحصد النباتات. سيهطل المطر وتدورُ الفصولَ بنفسِ الترتيب. لا داعي لتقلق أو تشعر بعدم أهمّية وأنكَ لستَ مميّزًا ولكنّها الحقيقة، شئنا أم أبينا. أتى قبلنا مليارات البشر، وعاشوا وماتوا وحانَ دورنا سنعيشُ كما عاشوا وسنموت وتستمرُّ الدائرة حتّى قيامِ الساعة.

 

 

٣٢٧: مرة واحدة تكفي، مرة واحدة إلى الأبد

*”إن الخير لا يزيد بمرور الوقت، ولكن إذا كان الإنسان حكيماً ولو للحظة واحدة، فلن يكون أقل سعادة من الشخص الذي يمارس الفضيلة طوال الوقت ويقضي حياته فيها بسعادة.” —*كريسيبوس

 

الشخص الذي يشعر بشعورِ الفوز بميدالية ذهبية في الأوليمبياد، لن يستطيعَ أحدٌ سلبهُ هذا الشعور. نفسُ الشيء مع الشخص الذي يشعر بالفضيلة أو السعادة حتّى ولو كانتْ لفترة قليلة، فلن يكونَ أقلّ سعادةً من الشخص الذي يمارسها طول الوقت. لأنّهُ جرّب هذا الشعور.

 

 

٣٢٨: الزجاج مكسور بالفعل

“تقع المصائب بقسوة على من لم يتوقعها. أما من ظلَّ متأهبًا، فبإمكانه تحمُّلها بسهولة.” — سينيكا، العزاء إلى هلفيا، 5.3

 

هنالكَ قصة عن معلّم هندوسي تقولُ أنهُ امتلكَ كأسًا ثمينًا، وكانَ يردّد: إنّ الكأسَ مكسورٌ بالفعل، إنّ الكأسَ مكسور بالفعل” حتّى أتى اليومْ الذي كُسرَ فيه فقال: “بالطبعِ هذا ما قلته”. لا يرتبط الرواقيون عاطفيًا مع أشيائهم أو ممتلكاتهم. عندما سُرقت لمبة إبيكتيتوس، بدّلها بلمة أرخص، حتّى تؤثّر فيه عندما تُسرق مجدّدًا.

ماركوس أوريليوس قال: “كُنتُ معجبًا بالكأس قبلَ أن يُكسر، والآن بعدما كُسر، لم أعد مُعجبًا به” كأنّ الكأس اختفى من الوجود. ربطَ إعجابه مع الكأس السليم، لكن عندما اصبحَ غيرُ سليم، تغيّرتْ نظرته له.

 

 

٣٢٩: التعلّق هو العدو

“بإيجاز، تذكَّر هذا: إن كنت تعتزُّ وتتعلّق بأي شيء خارج نطاق إرادتك الواعية، فقد دمّرت قدرتك على الاختيار.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 4.4.23

 

قالَ أنطوني دي ميلو، أنّ هنالكَ شيئًا واحدًا يسبب التعاسة (عدم السعادة)، ألا وهوَ التعلّق والارتباط.

التعلّق بصورة شخص كما هيَ، التعلّق بوظيفة أو منصب، التعلّق بأسلوبِ حياتنا وشخصيتنا، التعلّق بأحبابنا، التعلّق بممتلكاتنا.

كلّها خطرة علينا، لماذا؟ لأنّنا لا نستطيع التحكّم فيها. تعلّقنا بالأشياء يجعلنا نرفض التغيير، نُصبح عبيدًا لنُحافظ على الوضع كما هوَ.

علينا تقبّل حقيقة التغيّير المستمر، وأنّ كلّ الاشياء التي تعلّقنا بها، سنخسرها عاجلًا أم آجلًا، حتّى أحبابنا. كلّما استوعبتَ هذا الشيء مبكّرًا، كلّما تجنّبتَ التعاسة في حياتك.

 

 

٣٣٠: تدرب على التخلي عما ليس لك

“كلما شعرت بوخز الفقدان، لا تتعامل مع ما فقدته كجزء منك، بل كزجاج هش، فإذا سقط، تذكرت هشاشته ولم تضطرب. وبالمثل، حين تقبّل طفلك أو أخاك أو صديقك، لا تفرط في المشاعر، بل تذكّر كما يذكّر الجنود المنتصرون القادة بأنهم بشرٌ فانون. ذكر نفسك أن من تحب ليس ملكًا لك، بل هو نعمة مؤقتة، وليس شيئًا تدوم لك ملكيته للأبد…” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.24.84–86

 

لمْ ينجو أحدٌ منّا مِن مرضِ التعلّق، بشيءٍ يمتلكه، أو بشخصٍ يُحبّه. على الرُغمِ مِن علمنا أنّها لن تدومَ لنا، بل وسنفقدها يومًا ما. يقولُ الرواقيّون أنْ نهمِسْ لأنْفسنا كلّ مرّة حولَ احتمالية فقدان ذاك الشيء. فطفلك الذي تراهُ سعيدًا الآن، قد تفقدهُ في يومٍ من الأيام، وعليكَ أنْ تُذكّر نفسك مرارًا وتكرارًا، وإلّا ألمُ الفَقدِ سيكونُ أعظمَ من ما تستطيعُ تحمّله.

 

 

٣٣١: من المضحك كيف تسير الأمور

“أما أنا، فأفضل المرض على حياة الترف، لأن المرض يؤذي الجسد فحسب، أما الترف فيُضعف الجسد والروح معًا، فيجعل الجسد واهنًا عاجزًا، ويزرع في النفس الجشع والجبن. والأسوأ من ذلك، أن الترف يُنبت الظلم لأنه يغذّي الطمع.” — موسونيوس روفوس، المحاضرات، 20.95.14–17

 

يقول رايان هوليداي أنّ الكثيرَ من الفائزين باليانصيب دُمّرت حياتهم بعدَ سنواتٍ قليلة. فيدخُلونَ في ديونٍ ويخسرونَ أصحابهم وأزواجهم. لأنّ المالَ كما قالَ موسوفيوسروفوس، لا يؤذي الجسد فقط، فالشخصُ الضعيف والجاهل ستُتركَ روحهُ متأذّية.

 

 

٣٣٢: مذبح اللافرق

“نحن مثل حبّات بخور كثيرة تسقط على المبخر نفسه. البعض ينهار عاجلا والبعض الآخر آجلا، لكن ذلك لا يشكل فرقا”. —ماركوس أوريليوس

 

ما هوَ الفرق بينك وبينَ اغنى رجل؟ المل. بينك وبينَ أكبر رجل؟ العمر. أسرع؟ أقوى؟ أوسم؟ كلّها صفاتٌ تجعلنا نقارنُ أنفسنا مع الآخرين، مما يجعلُ تقبّلنا لأنفسنا صعب. ولكنْ يقولُ ماركوس أوريليوس، أنّنا مثلُ حبّاتِ البخور، في النهاية سيأتي دورنا. يعني أنّنا سنُغادرُ هذه الحياة الدنيا شئنا أم أبينا، كلّنا بنفسِ الطريق: الموت.

 

 

٣٣٣: متعة التخلص من الأمور السلبية

“ما أروع أن نطرد أي انطباع مزعج أو غريب، ونجد راحة البال فورًا في كل الأمور!” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 5.2

 

يدعونا ماركوس أوريليوس إلى تجنّب كلّ ما يزعجنا ويضايقنا. إن كانَ الحديث في السياسة يسبّبُ الشجارَ على طاولة الطعام فلماذا تجلبه؟ إنِ انزعجَ أخيكَ من تدخّلك في اتّخاذِ قرارتِ حياته فلماذا تتدخّل؟ توقّف عن التفوّه بما تعرفُ أنّهُ سيجعلكَ غاضبًا. إنّها علامة على قوةِ إرادة، وأنّكَ اخترتَ راحةَ البالِ لنفسك.

 

 

٣٣٤: الأمر لا يتعلق بهم، بل يتعلق بك

“إن رأيت أحدهم يرتكب خطأ، فقم بتصحيحه بلطف ووضّح له ما فاته. وإن لم تستطع، فَلُم نفسك، أو لا تَلُم أحدًا.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 10.4

 

إن رأيتَ شخصًا على خطأ، فنبّهُ وساعده، لأنّهُ ربما لا يعلم، أو لم يلحظ. إذا لم تفعل ذلك، فانسى الأمر، أو القي اللومَ على نفسكْ لأنّكَ لم تتشجّع كفايةً لتساعده.

 

 

٣٣٥: ستكون بخير

“لا تتحسَّر، ولا تنزعج.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 7.43

 

عندما يحصل شيء في حياتنا، نتسخّط ونتذمّر ونرى كأنّ الدنيا أُغلِقت في وجهنا، ونفقدُ الأمل لكلِّ شيءٍ أخر. لكنْ الرواقي لا يُركّز كثيرًا مع ما حصل، ولكن في ما سيحصل وكيفَ يُحسّنه للأفضل. وحتّى لو ولّتْ الأمور لأصعب من الوضع الحالي، فمالذي تستطيعُ فعله؟ لا تجعل الأحداث الخارجية والتي لا تستطيع أن تتحكّم فيها وتغيّرها تُغيّرك! فذو العقل الرواقي لا يستسلم للعدو أنْ يدخُلَ قلعته بسهولة.

 

 

٣٣٦: اتبع المنطق

“الشخص الذي يتبع المنطق في كل شيء سيكون لديه كل من الراحة والاستعداد للعمل – فهو في نفس الوقت مبتهج وهادئ.” —ماركوس أوريليوس

 

شبّه الرواقيون حياتنا مثلَ الكلب المربوط بعربة، أينما تذهب العربة هوَ يتبعها. لكن الحبل طويلٌ كفاية ليسمحَ لنا الاستكشاف في محيطٍ معيّن، ثمّ يكونُ لنا الخيار، إذا ما سنركض خلف العربة مباشرة أو إذا ما سنُجرّ على الأرضِ معها.

 

 

 

التأمل في الموت

٣٣٧: تظاهر بأن اليوم هو النهاية

“فلنهيئ أذهاننا كما لو كنا على أعتاب الحياة الأخيرة. لا نؤجّل شيئًا. ولنوازن حسابات حياتنا كل يوم… فالذي يُنهي يومه وكأنه يُتم آخر لمسة في حياته، لن يعاني أبدًا من نقصٍ في الوقت.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 101.7–8

 

كانَ ستيف جوبز ينظر لنفسه في المرآة كلّ صباح ويقول: “لو كانَ هذا أخر يوم في حياتي، هل سأفعل ما سأفعله اليوم؟”

“عش كلّ يوم كأنهُ أخر يوم في حياتك” جملة مبتذلة قليلًا، والقليلُ القلّة هم الذينَ يعيشونَ بها.

كُن كالجندي الذاهب إلى المعركة، لا يعلم إذا ما سيعودُ منها أم لا. فقبلَ المغادرة يُخبر زوجته وأولاده كم يحبهم، ولا يتجادل حولَ المسائل الصغيرة، يُنجز عمله على أكملِ وجه، بدونِ مماطلة ولا تأجيل. هل يمكنك أن تكونَ مثلَ هذا الجندي؟ كلّ يوم؟ لبقيّة حياتك؟

 

 

٣٣٨: لا تنتبه لي، أنا أموت ببطء

“دع كل شيء تفعله أو تقوله أو تنوي القيام به يكون مثل فعلِ الشخص الذي يحتضر.” —ماركوس أوريليوس،

 

الموتُ قادم لكلّ شخصٍ في هذه الحياة، ولا يهتم للعمر. كلّ ثانية تمر في يومك، هيَ ثانية لن تحصل عليها مجددًا. الموتُ كما قالَ الكاتب إدموند ويلسون: “نبوءةُ لن تُخلف” أيْ أنّها آتية لا محالة. ابدأ بوعيكَ أنْ ربّما هذا يومُك الأخير، حتّى ولو لم يكن.

 

 

٣٣٩: الفيلسوف كصانع الحياة والموت

“الفلسفة لا تدّعي أنها تمنح الإنسان أي ممتلكات خارجية، فهذا ليس من شأنها. وكما أن الخشب هو مادة النجار، والبرونز هو مادة النحات، فإن حياتنا نفسها هي المادة الخام لفن العيش.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 1.15.2

 

الفلسفة الرواقية ليستْ شيء نضيفهُ لممتلكاتنا، إنّما هوَ علمٌ نستفيدُ منه داخليًا، في تشكيلِ تجارب حياتنا وفي النهاية موتنا. تساعدنا في تخطّي مصاعب الحياة، والعيشَ على الفضيلة.

 

 

٣٤٠: أنت لا تملك ذلك

“كل ما يمكن منعه أو أخذه أو إجبار المرء عليه، ليس ملكًا له، أما ما لا يمكن مصادرته، فهو حقًا ما يملكه.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.24.3

 

يقولُ ماركوس أوريليوس، حتّى حياتنا ليست مُلكًا لنا، فهيَ شيءٌ مؤقت.

لقد حان الوقت لتنظرَ لأشيائك، أحبابك، حتّى وظيفتك ومنصبك أنّها كلّها لا تملكها ولن تملكها. قد تختفي منكَ في أيّ لحظة، حتّى صحتك وجسدك. في الحقيقة أنتَ لا تمتلك شيئًا في هذه الدنيا غيرُ حياتك التي أيضًا ستفقدها يومًا ما. كُن واعيًا أنّ كل ما تمتلكهُ حاليًا قد يُسلب منك. حتّى العلم والمعرفة التانِ جمعتهما خلالَ سنينِ حياتك، قد تفقد ذاكرتك وتودّعهما.

 

 

٣٤١: فوائد الأفكار الرصينة

“اجعل الموت نصب عينيك كل يوم، إلى جانب كل ما يبدو مرعبًا—فبذلك لن تراودك أفكارٌ دنيئة، ولن تعاني من رغباتٍ جامحة.” — إبيكتيتوس، دليل الحياة، 21

 

ليسَ فقط الموت الذي يأتي مفاجئًا. ولكنْ تقلّباتِ المزاجِ لدى الرؤساء قد يقلبُ حياتنا وحرّيتنا رأسًا على عقب أيضًا. خططك العادية في حياتك العملية والعائلية قدْ تدمّر من ملايين الأشياء الخارجية. توقّع كلّ ما هوَ سيء وغيرُ متوقّع.

 

 

٣٤٢: السيف يتدلى فوقك

“لا تتصرف وكأنك ستعيش إلى الأبد. فالموت مُحدق بك. فطالما أنك على قيد الحياة وقادرٌ على التحسن، فكن صالحًا الآن.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 4.17

 

الموتُ كسيفٍ معلّق فوق رقبتك ومربوطٌ بشعرة، في أيّ لحظة قد تُقطع هذه الشعرة وتودّع حياتك. الناسُ نوعان، نوعٌ عرِفَ أنّ الموتَ آتيه لا محالة فيخاف ويقلق، ونوعٌ اتّخذَ هذه المعلومة على أنّها حافزٌ يساعده في عيشِ الحياة التي يريدها والأهمّ هوَ أن يكونَ صالحًا. فالنوع الأول سيأجّل كلّ مرة إلى أن تنقطع الشعرة وهوَ يقولُ لنفسه أنّهُ سيُصبح صالحًا في ما بعد.

 

 

٣٤٣: البطاقات التي نتعامل معها

“اعتبر أن حياتك الماضية قد انتهت، وعِش ما تبقى منها كهدية إضافية تتماشى مع قوانين الطبيعة. أحبّ اليد التي رسمت قدرك، وتعامل معها وكأنها يدك أنت، فما الذي قد يكون أكثر انسجامًا؟” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 7.56–57

 

قالَ رايان هوليداي أنّنا نمتلك خوفًا غير عقلاني حينما يتعلّق الأمر بموتنا، فلا نريد الاعتراف به. ولكن بدلًا من أن يخيفك الموت، استعملهُ كدافع لأنْ تُصبحَ شخصًا أفضل.

فعندما يقترب الموعد النهائي لتسليمِ المشروع المهم، تجدك تقضي كلّ وقتك وجهدك محاولًا الوصول لأفضل نتيجة. كذا تعامل مع الموت، تخيّل أنّكَ ستسلّم عملَ حياتك وُتسألْ عن كلّ الوقت والساعات والثواني فيما قضيتها، والتسليم سيكونُ عشوائيًا وفي أيّ لحظة ولن ينتظرك لتبرر. وهذه الحقيقة المطلقة.

 

 

٣٤٤: لا تختبئ من مشاعرك

*”التغلب على الحزن خير من خداعه.” —*سينيكا

 

بالتأكيدِ مررت من قبل بفقدان حبيبِ أو صديق أو فرد من العائلة. وأثناءَ انعزالك، أتاكَ شخصٌ ليلطّف الجوّ ويواسيك، وساعدك ذلك لفترة قصيرة، ثمّ سرعان ما يُعاود شعور بالحزن بالسيطرةِ عليك، والغمامة السوداء تغطّي نظرك. سينيكا يخبرنا أن لا نهرب من حزننا، بل أن نواجهه. قم بمعالجة وتحليل ما تشعر به. أزِل كلّ التوقّعات، ويُفضّل أنْ تتوقّع الأسوأ. انظر للجانب المشرق، بدونِ الهرب من الألم، بل عليكَ تقبّله، وتذكّر أنّهُ جزءٌ من حياتك. هكذا تتغلّب على حزنك.

 

 

٣٤٥: اقضِ وقتا طويلا

“حتى لو اجتمع كل عباقرة التاريخ وركّزوا على هذا الموضوع وحده، فلن يتمكنوا أبدًا من وصف مدى ظلام العقل البشري. فلا أحد يتنازل عن شبرٍ من أرضه دون قتال، وأي نزاع بسيط مع الجيران قد يؤدي إلى مشكلات لا تنتهي، ومع ذلك، كم من الناس يسمحون للآخرين بالتعدي على حياتهم الخاصة؟ بل إن البعض يعبّد الطريق بنفسه لمن يغزو وقته! نحن بخلاء في المال والممتلكات، ولكننا مفرطون في التبذير في ما هو أثمن من ذلك كله—وقتنا.” — سينيكا، قصر عمر الإنسان، 3.1–2

 

اتصالات، ايميلات، اجتماعات، زيارات، حفلات، ندوات، محادثات، والكثيرُ الكثير من مُضيّعات الوقتِ والمشتَتاتِ من حولنا. وكما قالَ سينيكا، نهتّمُّ بممتلكاتنا بشكلٍ كبيرٍ جدًّا، ونبخلُ في مشاركتها مع الآخرين، لكنْ لا نفعلُ المثل حينما يتعلّق الأمرُ بوقتنا، بالرغمِ من أنّهُ العملة الأكثر قيمة من بينهم كلّهم.

نستطيعُ امتلاك المزيد من الأموال والممتلكات، ولكن لن نستطيعَ أنْ نشتري الوقت الشخصي. ضيّع وقتكَ بوعي.

 

 

٣٤٦: لا تبيع نفسك بثمن بخس

“أقول لك، لا تدع أحدًا يسرق منك يومًا واحدًا، إلا إن كان سيعوضك عنه بملء قيمته.” — سينيكا، عن هدوء العقل، 1.11

 

نظنّ أن أيامنا طويلة، والمتبقي من أعمارنا على الأقل نصف قرن، ولكن الحقيقة لا أحد يعرف. هل تُعامل أيامك كما تُعامل أموالك؟ حريصًا على صرفها لأنّها محدودة؟

قبلَ أن توافق على قضاءِ يومٍ كامل أو نصفِ يوم مع ذلكَ الشخص، واجه نفسك، هل العائد يستحقّ؟ هل يُغطّي خسارةَ يومٍ كامل؟ ومالذي تستطيعُ فعلهُ في يومٍ كامل من الأساس؟ ما هيَ قيمة يومٍ من حياتك؟

 

 

٣٤٧: الكرامة والشجاعة

كما يقول شيشرون، نحن نكره المصارعين إذا سارعوا إلى إنقاذ حياتهم بأي وسيلة؛ نحن نفضلهم إذا أظهروا ازدراء لحياتهم. —سينيكا،

 

من المفترض أنْ لا ننخرط في أعمالِ عنفٍ متجاهلينَ سلامتنا من أجلِ أنْ نكونَ شُجعانًا. ولكنْ لا يُحترم الجبان. لا أحد يحبّ من يتهرّب من واجباته، ولا الذي يُفضّل راحته. هذهِ هيَ مفارقة الجُبن. فبينما هوَ يهدف لحماية الذات، ولكنّ الثمن باهظ، نظرة الناس وكرامتك.

كُنْ شُجاعًا، وكن ذا كرامة.

 

 

٣٤٨: الإيقاع مستمر

“سر عبر ممر التاريخ الطويل، حيث تتعاقب الممالك والإمبراطوريات بلا توقف. وسترى المستقبل أيضًا، فهو لن يكون سوى تكرارٍ للماضي، يسير بنفس الإيقاع. سواء عشت أربعين عامًا أو ألف عام، فماذا هناك لترى غير ذلك؟” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 7.49

 

كلّ الاشياء ستموت. ولا ينحصر الأمر على البشر فقط، بل على الممالك والدول والشركات والحضارات والكثير من الأديان. (إلّا دين الإسلام ولله الحمد)

كلّهُ فاني، وأنت ستموتُ أيضًا، لا تتجاهل هذه الحقيقة.

 

 

٣٤٩: إنه مجرد رقم

“هل يزعجك أنك تزن مقدارًا معينًا، وليس ضعف هذا الوزن؟ فلماذا تنزعج إذن من أن حياتك حددت بمدة معينة ولم تُمنح أكثر؟ وكما ترضى بوزنك الطبيعي، فكن راضيًا عن عمرك المحدد.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 6.49

 

يكذب النساء حيالَ أعمارهم، ويزيدُ رجال الأعمال الشبّان أعمارهم ليبدوا أكبر.

قالَ سينيكا: “الحياة طويلة إذا عرفت كيف تستغلّها.”

وقتك محدود، ولكن الغالبية لا تستوعب هذا الشيء إلّا بعدَ انقضاء الكثير من أعمارهم، ثمّ يحاولونَ التعويض، ولكن بعدَ فواتِ الأوان. استعمل هذا اليوم فيما يُظهر فارقًا، وغدًا، وبعد غد. استفد من كلّ يومٍ في حياتك.

 

 

٣٥٠: ما يجب أن نعرفه في النهاية

“قريبًا ستموت، وما زلت غير صادق مع نفسك، قلقًا، خائفًا من أن تؤذيك الأمور الخارجية، وغير كريم مع الآخرين، رغم أن الحكمة والعدل هما الشيء ذاته.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 4.37

 

تذكّر عزيزي القارئ أنّ كلّ اقتباس تقرأه لماركوس أوريليوس هوَ في الحقيقة يُخاطب نفسه، لأنّها كلّها كانتْ مكتوبة لنفسه في دفتر يومياته، ونُشرت بعدَ موته.

هنا يُخاطب نفسه ويخبرها أنّها ستموتُ قريبًا، وقيلَ أنّهُ كتبها حينَ مرضه. ماركوس أوريليوس متيقّنًا موته المحتوم، ومتقبّلًا لسوءِ الظروف والمنقلب. كلّما تيقّنتَ من موتك، فستتحرر من الشك والقلق والخوف من عدم اعتراف الآخرين بك.

 

 

٣٥١: طريقة بسيطة لقياس أيامنا

“هذه علامة كمال الشخصية أن تقضي كل يوم كما لو كان آخر يوم لك، دون جنون أو كسل أو أي تظاهر.” —ماركوس أوريليوس،

 

لم يؤمن الرواقيون بفكرة الشخصية المثالية لأنها مستحيلة. ولكنّ ماركوس أوريليوس هُنا يصف أقرب شيء للشخصية المثالية هوَ أنّ نفعل كلّ ما بوسعنا كلّ يوم، بدونِ أيّ أعذارٍ واهية. هل ستستطيع المحاول كلّ يوم؟ إنْ حاولَ فلاسفة الرواقيون، فلمَ لا نستطيع المحاولة أيضًا؟

 

 

٣٥٢: صحة جيدة تدوم إلى الأبد

*”أقول لك، ما عليك سوى أن تتعلم كيف تعيش كما يعيش الشخص السليم. . . العيش بثقة كاملة. ما الثقة؟ الشيء الوحيد الذي يستحق التمسك به، فيما هو جدير بالثقة، دون عوائق، ولا يمكن سلبه – هو اختيارك المنطقي. —*إبيكتيتوس

 

يكرّر الرواقيّون خطرَ الإيمانِ بما لا نستطيع تحكّمه، ولكن اختيارك المنطقي هوَ تحتَ تحكّمك بالكامل. الشخص السليم هوَ الشخص الواثق الذي يعرف أنّ ليسَ كلّ شيء تحتَ تحكّمه، فقط اختياره المنطقي.

 

 

٣٥٣: اعرف نفسك—قبل فوات الأوان

“الموت يثقل كاهل من كان معروفًا جدًا بين الناس، لكنه مات غريبًا عن نفسه.” — سينيكا، ثيستيس، 400

 

سينيكا يقول أنّ الموتُ مؤلمٌ على الشخص الذي لا يعرف نفسه، لكنّه معروفٌ من الجميع. ربما رؤساء الدول والمشاهير مشغولونَ جدًا بحياتهم ولم يمتلكوا الوقتَ لإجابة الاسئلة: من أنا؟ وماذا أفعل هنا؟ ما المهم بالنسبةِ لي وماذا أحب؟

لكنّني وأنت نمتلكُ الوعي الكافي لنسأل أنفسنا هذه الاسئلة، حتّى لا يأتينا الموتُ على غفلة، ونحنُ لا نعلمُ حقيقةَ أنفسنا. لديكَ الوقت لتتعلّم عن نفسك وعقلك وجسدك، قبلَ أن يُصبحَ الوقتُ مُستحيلًا.

 

 

٣٥٤: ما يأتي إلينا جميعًا

“كلٌّ من الإسكندر الأكبر وسائس بغاله انتهى بهما الموت إلى نفس المصير—إما أنهما استُقبِلا في العقل الكلي الخلّاق، أو تفرقا بين الذرات.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 6.24

 

سواءَ كُنتَ تغزو العالم، أو كُنتَ تلمّع حذاء من يغزو العالم، فمصيرك الحتمي هوَ الموت. كلّما شعرتَ بالعظمة وتكبّرت، أو حتّى شعرتَ بالوهن والضعف، تذكّر أنّ الموتَ هو نهاية الجميع، متكبّر أو متواضع، ستموت.

 

 

٣٥٥: المقياس البشري

“تأمل الكون بأسره، وكم هو ضئيل نصيبك منه. تأمل امتداد الزمن، وكم هو قصير—يكاد يكون لحظة—ذلك الجزء الذي خُصص لك. فكر في مجريات القدر، وكم هو تافه دورك فيها.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 5.24

 

ذكّر نفسكَ بمدى صُغرك في هذا الكون. نحنُ في كوكبٍ متناهي الصغر مقارنةً بالمجرّات واتّساع الكون المستمر. ذكّر نفسكَ بمدى صغرك وأنّكَ مجرّد شخص مقابلَ مليارات، يقومُ بدوره في هذه الحياة.

 

 

٣٥٦: الخوف من الموت

“هل تأملت أن أعظم الشرور البشرية، وأوضح علامة على الجُبن والوضاعة، ليس الموت، بل الخوف من الموت؟ أدعوك إلى أن تُروض نفسك ضد هذا الخوف، وأن توجّه تفكيرك، وتدريباتك، وقراءتك لهذا الهدف—وحينها فقط، ستدرك السبيل الوحيد إلى الحرية الحقيقية.” — إبيكتيتوس، المحاضرات، 3.26.38–39

 

قالَ الفلاسفة الرواقيّون أنّ لو كانَ الموت هو النهاية، فلماذا الخوفُ إذن؟ معهُ سينتهي كلّ شيء. ولكنْ في ديننا نعلمُ أنّ الموتَ هوَ مجرّد البداية. إذا كانَ الخوفُ من الموت مفيدًا لكَ بحيثُ يدفعك إلى التوبة والعبادة فهذا جيّد. ولكن لا تدع الخوف يسلبك من حاضرك، لأنّكَ حينَ تُفكّر وتخاف من الموت، فتلكَ اللحظات والثواني والدقائق تُسلب منك، وتؤّثّر على نفسيتك سلبًا، كُن واعيًا عند الخوف، وركّز واعرف ما تُسلب.

 

 

٣٥٧: ما الذي عليك إظهاره لسنواتك؟

“كثيرًا ما يكون الشيخ المسنّ بلا دليل على طول عمره سوى سنواته.” — سينيكا، عن هدوء العقل، 3.8

 

خُذ عدد السنين التي عشتها واضربها في ٣٦٥، ثم في ٢٤، ماذا لديكَ لتُريه عن هذه الساعات التي قضّيتها؟ ما هيَ إنجازاتك؟

كم عدد الساعات التي ضاعت في مشاهدة افلام رديئة، كُتب محشوة تفاهات، جلوس في المكتب بدونِ نتائج لا عمل. لا يدعو الرواقيّون إلى الإنجازات الملموسة فقط، بل إلى إنجازات الحكمة، ومعرفة النفس، والعيش بدونَ المعاناة التي نُسبّبها لأنفسنا.

سيكونُ من الجميل عندما ننظر لحياتنا ونقول، يالها من سنينِ قضّيناها في الخدمةِ والإنجاز، نحنُ راضونَ عن كلّ ما حصلَ فيها وعن النقطة التي أوصلتنا لها.

 

 

٣٥٨: اطالب بحقك

“ما أشنع أن يكون المرء مسنًا أو على مشارف الشيخوخة، لكنه لا يملك سوى المعرفة المحفوظة في دفاتره. زينون قال كذا… لكن ماذا تقول أنت؟ كليانثيس قال كذا… لكن ماذا تقول أنت؟ إلى متى ستُسيَّر بأقوال الآخرين؟ تحمّل مسؤوليتك وارسم مسارك الخاص—شيءٌ يستحق أن يُحفظ في دفاتر الأجيال القادمة.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 33.7

 

قالَ رالف والدو إيميرسون أنّهُ مشمئزٌ من الذينَ يقتبسونَ أقوال الحكماء فقط، وليسَ لديهم ما يكتبونهُ بأنفسهم. سينيكا يقول أنْ لا نعيشَ فقط على اقتباسات الآخرين، وأنّ نعيشَ باقتباساتنا الشخصية، التي ربما يستعملها الأجيالُ القادمة.

كيفَ تعتقد أنّ هذه الاقتباسات كُتبت منذ البداية؟ أنتَ تمتلك تجارب لها قيمتها الخاصّة، وحكمتك تراكمت على مرّ السنين. فاترك بصمتك الخاصّة في هذا العالم، عن طريقِ الكلمات، وعن طريقِ المثالِ أيضًا.

 

 

٣٥٩: ماذا تفعل؟ خائف من الخسارة؟

“أنت تخشى الموت، لكن تمهل، كيف يكون ما تعيشه الآن سوى موت بطيء؟” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 77.18

 

الكثيرُ منّا خائفٌ من الموت يقولُ سينيكا، ولكن هذا الموتُ الذي نخافُ منه.. أهوَ أفضل من الحياة التي نعيشها الآن؟ المليئة بالكراهية والحقد والنميمة والقيل والقال؟ تخافُ من الموت لتحمي هذه الصفات؟ أو لتحمي ساعاتِ التلفازِ الضائعة، وسنين العمل المملة؟ وفُرص ضائعة؟ أهيَ التي نخافُ أنْ نخسرها؟!

 

 

٣٦٠: لا معنى لها… مثل النبيذ الفاخر

“تعرف طعم النبيذ والمشروبات، فماذا يهم إن مرّ عبر مثانتك مئة أو ألف زجاجة؟ أنت لست أكثر من مرشِّحٍ لها!” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 77.16

 

يخاطب سينيكا الذينَ يشربون من أجلِ المتعة، يقولُ مهما شربت وشربت وشربت، ففي النهاية أنتَ مجرّد وعاء تعبر منه هذه السوائل. وفي نهاية الحياة لن تحصل على جوائز للكمية التي شربتها. هذه المُتع والشهوة تجاهها ما هيَ إلّا لحظية.

 

 

٣٦١: لا تحرق الشمعة من كلا الطرفين

“العقل بحاجة إلى راحة—فهو يعود أكثر صفاءً وحدةً بعد استراحة جيدة. وكما أن الحقول الخصبة تفقد خصوبتها إن زُرِعت دون توقف، فإن العمل المستمر على سندان الفكر قد يُضعف حدته. لكنه يستعيد طاقته إذا ما أُطلِق سراحه واستراح لبعض الوقت. فالإرهاق المستمر يولّد نوعًا من الخمول والضعف في الروح العاقلة.” — سينيكا، عن هدوء العقل، 17.5

 

العقل كالعضلة، يُمكن إجهادها، وبعدَ تمرينها تحتاج إلى راحة، واسترخاء، حتّى تقومَ بالعمل المطلوب مجدّدًا. والجسد أيضًا يُمكن إجهادك وإيذائه بالعادات السيئة وقلّة الراحة. ستختبرك الحياة، معنويًا وجسديًّا، واستعدادك الوحيد هوَ بتدريبِ عقلك وجسدك وجعلهما يتحمّلانِ ضُغوطَ الحياة.

 

 

٣٦٢: الحياة طويلة – إذا كنت تعرف كيفية استغلالها

“المشكلة ليست في أن حياتنا قصيرة، بل أننا نهدر جزءًا كبيرًا منها. الحياة طويلةٌ بما يكفي، وتُمنَح بقدرٍ يكفي لتحقيق أمورٍ عظيمة، إن أحسنّا استثمارها. لكن حين نبددها في الترف والإهمال، وننفقها دون هدف، نجد أنفسنا في النهاية ندرك أنها مرت من بين أيدينا دون أن نشعر بها. وهكذا، نحن لا نُمنح حياة قصيرة، بل نجعلها كذلك.” — سينيكا، عن قصر عمر الإنسان، 1.3–4

 

الشيء الوحيد المتأكدينَ منه هوَ أنّنا ضيّعنا الكثيرَ في حياتنا، خلفَ الاشياء الخاطئة، وخلفَ الاحلام الواهية، ولازلنا سنضيّف جزءًا كبيرًا منها. الحقيقة أنّ الحياةَ طويلة، ولكنّنا لا نستخدمها بالطريقة الصحيحة. في المرة القادمة التي تقبض على نفسك تتعذّر بأنهُ ليسَ لديكَ الوقت الكافي، هل هذا صحيح؟ أمْ أنّكَ تُضيّع وقتك بالالتزام بأشياءٍ غيرِ ضرورية؟ الكثير منها؟

استخدم حياتك بالطريقة الصحيحة، وستكتشف أنّ الحياةَ طويلة، وأنَّ باستطاعتك أن تُنجِزَ الكثير.

 

 

٣٦٣: لا تدع روحك تذهب أولاً

“من العار أن تنهار الروح أولًا بينما لا يزال الجسد يقاوم.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 6.29

 

عاشَ ماركوس أوريليوس حياةً صعبة مليئة بالمئآسي. بالرغمِ من كونِه الإمبراطور وأقوى رجل في العالم وقتها، لكنْ فترة حكمه لمْ تكُن فترة سلام. كانَ بإمكانه وفي أيّ لحظة أن يستسلم وينسحب، بالمالِ الوفير الذي امتلكه، لكنّهُ صمد حتّى استسلمَ جسده أخيرًا وماتَ عام ١٨٠ ميلادي.

 

 

٣٦٤: في التذكر

“كل شيء لا يدوم سوى يومٍ واحد، سواء من يتذكر أو من يُتَذكَّر.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 4.35

 

ماركوس أوريليوس، في هذا الاقتباس من التأملات، يلفت انتباهنا إلى زوال كل شيء في الحياة، سواء الأشخاص أنفسهم أو حتى ذكراهم عند الآخرين.

“كل شيء لا يدوم سوى يومٍ واحد” تعبير مجازي يعكس فكرة أن الحياة قصيرة وزائلة، ليس فقط على المستوى الفردي ولكن حتى فيما يتعلق بالشهرة أو الذكرى التي نتركها بعد رحيلنا. لا أحد يبقى للأبد، ولا حتى من يتذكرنا، لأن الزمن يطوي الجميع في النهاية.

 

 

٣٦٥: اشكر

“في كل شيء، ينبغي أن نجعل أنفسنا ممتنين قدر المستطاع، لأن الامتنان أمرٌ يعود علينا بالنفع، على عكس العدل، الذي يُعتقد أنه يعود بالنفع على الآخرين. فالامتنان يُكافئ صاحبه بأضعاف مضاعفة.” — سينيكا، الرسائل الأخلاقية، 81.19

 

امتنّ كلّ صباح على قدرتك للاستيقاظ من النوم. امتنّ لكوبِ الماء الذي يروي عطشك. امتنّ للجدّة التي شكرتكَ لمساعدتها. امتنّ لوجود أفرادِ عائلتك في حياتك. اجعلِ الامتنان عادةً يومية، فهوَ طاقةٌ إيجابية تُحرّكك طوالَ اليوم. امتنّ لكلّ ما هوَ موجودٌ في حياتك وامتنّ لقدرك كما هوَ وامتنّ أن الله نزعَ منكَ رغبة كلّ شيء، والرضى بالقليل.

 

 

٣٦٦: كن نشطًا في إنقاذك الخاص

“كُفّ عن التسكع! من غير المحتمل أن تقرأ دفاترك أو كتب التاريخ القديمة أو المختارات التي جمعتها لتستمتع بها في شيخوختك. اشغل نفسك بهدف الحياة، تخلَّ عن الآمال الفارغة، أنقذ نفسك—إن كنت تبالي بها—وافعل ذلك بينما لا يزال لديك وقت.” — ماركوس أوريليوس، التأملات، 3.14

 

ماركوس أوريليوس، يدعو إلى العيش بوعي، واتخاذ إجراءات فورية، والتخلي عن الأوهام والتأجيل. الحياة قصيرة، والمستقبل غير مضمون، لذا يجب على الإنسان أن يتحرك الآن، إن كان حقًا يقدر ذاته ويريد تحقيق شيء ذو معنى.

الخلاصة وكلمة معتصم

الحمدللهِ أولًا وآخرًا، والشكر والامتنان يعودْ لرايان هوليداي لتجميعه هذه الاقتباسات القيّمة والتي قد يستغرق بعضها سنينًا من الممارسة حتّى نستطيعَ تطبيقها وملاحظة أثرها في حياتنا اليومية. والشكر الخالص لكلّ فيلسوف رواقي أسهمَ في هذه الاقتباسات وعلّمنا وعلّمَ آجيالِ من قبلنا. نسألُ الله أن يكونَ هذا العلم شاهدًا لنا ولا علينا، ونسألُ الله اليُسرَ والتيسير في تطبيقِ هذه الممارسات الجيّد منها والابتعادِ عن ما يملؤهُ الشك. وكانَ الله الموفّق والحافظ لي ولكم.

 

Mutasim Eltayeb

رائد الأعمال المدمن على خلقِ القيمة لأمثاله الساعين في تنمية ذاتهم وبناء أعمالهم الخاصة. هنا تجد كلّ ما يخصّ التنمية البشرية وبناء العادات والتسويق وكتب الأعمال، وبالإضافة إلى الفلسفة كدروعنا الخفيفة والصلبة.

Leave a Reply

Close Menu
لرائدي الأعمال وكلّ من يسعى لتطوير نفسه