جيم كولينز وفريقه قاموا بدراسة وتحليل أكثر من ١٥٠٠ شركة لمدّة ١٥ سنة ليستخرجوا أيّ الشركات تطوّرت من جيّدة لتصبح عظيمة. وجدوا خلالَ فترة بحثهم ١١ شركة قفزت من كونها جيّدة لعظيمة. وأيضًا اكتشفوا أنّ هنالكَ ثلاث عوامل ومفاهيم رئيسية لابدّ أن تتحلّى بها الشركات لتنجح على المدى البعيد.
- أولًا مفهوم القنفذ. هل تمتلك الشركة عقلية القنفذ في التفكير وتنفيذ عملها؟
- ثانيًا، الباص. ما هوَ نظام الشركة في التوظيف؟ وهل الناس الصحيحة جالسة في أماكنها الصحيحة؟
- وأخيرًا والأهمْ هوَ وجود القائد من المستوى الخامس. القبطان الذي يعرف ما هوَ أفضل للشركة ويعرف كيفَ يغيّر الاتجاه، وكيفَ يتعامل مع الناس ويتخلّى من الناس الخطأ في المقاعد الخطأ.
مفهوم عقلية القنفذ
يقارن كولينز القنفذ بالثعلب. فالثعلب يعرف الكثير، والقنفذ يعرف شيئًا واحدًا. فالثعلب يختارُ طريقة جديدة كلّ مرة ليصطادَ فريسته. يغيّر الطريق، ويأتي في الليل مرة وفي الصباح مرة، لكنّهُ لا يتّبع استراتيجية معيّنة. وبالنسبة للشركات، فهذا ما تعاني منها الجيّدة أو السيئة أيضًا. إذْ تَتْبع أعينهم الأشياء المشعّة. فتجدهم يتبعونَ الترندات الجديدة. يغيّروا من أهدافهم ومنتجاتهم كلّ سنّة. حالمين في استغلال فجوات السوق التي تظهر كلّ فترة.
في حينْ أنّ القنفذ، تجدهُ يسلُك طريقًا واحدًا ووسيلته للدفاع عن نفسه واحدة. فعندما يسيرُ القنفذ في طريقه المعتاد، والثعلب يترصّدهُ منذ فترة. فيجرّب الثعلب طريقةً جديدة للتغلّب عليه لأنّ ال١٠٠ طريقة المختلفة في السابق لم تنجح. فينقضّ الثعلب عليه والقنفذ قد اعتادَ على حيَل الثعلب الرخيصة فيدافع بطريقته المعتادة. يكوّر جسمه على شكل كرة شوكية تردع الثعلب وتجعلهُ يعودُ خائبًا لجُحره ليرسمَ خطّةً جديدة، في الغالبِ لن تنجح.
الشركات التي تمتلك عقلية القنفذ تركّز على استراتيجية واحدة وومنتج واحد على مرّ السنين بدون تعبِ ولا كلل. وإنّما تطوّر جودة خدمتها لتقديمها بالشكل المثالي لشريحة عملائهم الذينَ يعرفونهم حقّ المعرفة. لا داعي لدراسة كلّ شريحة من جديد، وتقديم منتجات جديدة يضيّعونَ فيها وقتًا كانَ من الأفضل استثماره في تطوير نفس الخدمة الموجودة.
لا تصل الشركات لهذه المرحلة إلّا بعدَ سنين وسنين متواصلة من تقديم نفسِ الخدمة. فالفشل المتكرر والشكاوي من العملاء الغاضبين تُظهِر لهم المشاكل ونقاطِ ضعفِ منتجهم، ثمّ بالبيانات اللازمة يعملوا حتّى يجدوا ماهم أفضلْ لتحسينِ المنتج والخدمة.
الثلاثْ أسئلة المهمّة لعقلية القنفذ:
مالذي نجيده أكثر من أيّ شيء آخر؟ وما الشيء الذي لا نجيده؟
تعرف الشركات العظيمة الأشياء التي يجب عليهم تجنّبها وهيَ التي لا يجيدونها. بدلَ ذلك، يركّزونَ فقط على ما يجيدونه وبَرِعوا فيه على مرّ السنين.
كيفَ نزيدُ أرباحنا من هذه الخدمة أو المنتج؟
بالتركيزْ على تقديم منتج واحد سيتسنّى لكَ وضع جهوداتك الأخرى في ما يهم. مثلَ التسويق الأفضل والوصول لعملاء أكثر. وتحسين المنتج نفسه وجعل تجربة العميل رائعة أكثر من ما هيَ عليه. وحتّى تقليل التكلفة إن كانَ هذا سيساعد بدون دفع الثمن في جودة أقل.
هل نحنُ شغوفون في تقديمِ هذا المنتج؟
هلِ المنتج يساعد حقًّا في حياة عملائنا؟ في تحقيق أهدافهم؟ إنْ لمْ يكُن كذلك، فإيمانك فيما تبيع لن يكونَ قويًا أو صادقًا لدرجة عالية. العمل بعقلية أنّكَ تخلُقُ فرقًا في حياةِ غيركْ هوَ محفّزٌ كافٍ للاستيقاظِ كلّ صباح بعقلية إيجابية ونشاط حولَ عملك.
الباص (من هم الركّاب)؟
الشركات العظيمة تعرف كيفَ تضع الأشخاص الصحيحة في الأماكن الصحيحة. في غالبِ الأحيان تجدْ:
- أشخاصًا صحيحة ولكنْ في الأماكن الخاطئة.
- وأشخاصًا خاطئة في الأماكن الصحيحة.
- وأشخاصًا خاطئة في الأماكن الخاطئة.
بالنسبةِ للجماعة الأخيرة، فالباصُ سيتوقّف عندَ المحطّة القادمة، نتمنّى لكم حياةً سعيدة ورافقتكم السلامة. (يتم التخلّص منهم). أمّا بالنسبةِ للأشخاص الصحيحة في الأماكن الخاطئة بكلّ سهولة تنقلهم من مقاعدهم الحالية لمكان يناسب قدراتهم. والناس الخاطئة في الأماكن الصحيحة لن يفيدْ تغيير مكانهم، فأفضل حلْ للشركة هوَ الطرد.
يُقصد بالأشخاص الصحيحة همُ الناس الذي يؤمنونَ بقيَم الشركة ومهمتها ورؤيتها. همُ الذينَ لا يحتاجونْ لتحفيزٍ من من هوَ أعلى منهم. ويمتلكون احتمالية عالية ليصبحوا قادة بأنفسهم. ولم يركبوا الباص بسببِ الهدف الذي تم تحديده في البداية، لأنّ الطريق قد يتغيّر مع الزمن. ولكنْ الناس الصحيحة همُ الذينَ ركبوا في الباص بسبب الناسِ الذينَ كانوا على متنه. لا يهمّ أينَ يتجَه الباص، وبأيّ سرعة. ما يهمّهم هوَ القيامِ بمهامهم على أكملْ وجه والإيمان بالسائق ومَن معه.
يقسّم الباص إلى قِسمين:
القسم الأمامي: ويحتوي على خيرة الشركة ويكون عملهم مرتكزْ على تطوير الشركة واكتشاف الطرق التيْ تُربح وتعودُ على الشركة بأفضل النتائج.
القسم الخلفي: ويحتوي على المسؤولين عن إصلاح المشاكل والحفاظ على الشركة بأفضل حالْ كما هي.
اكتشف كولينز وفريقه أنّ أغلب الشركات العظيمة كانوا بالفعل قد امتلكوا أناسًا على متنهم لسنينَ طويلة. فالشخص إمّا ركِبَ الباص واستمتع بالرحلة ولَمْ يرد النزول. وإمّا ركِبَ ونزلَ على عجلة.
القائد من المستوى الخامس
كلّ الشركات العظيمة امتلكت قادة من المستوى الخامس. قسّم كولينز القادة لخمس مستويات أساسية. اكتشفَ أنّ من أسباب نجاح الشركة كانتْ في أنّ القائد عَرِفَ أهمّية وجود الناس الصحيحة على متن الباص. وإنزال كلّ منْ هوَ خاطئ من الباص. لأنّهمْ آمنوا أنّ سؤال “من؟” قبلَ سؤال “ماذا؟” أو “كيف؟”. ومعرفة من سيركب الباص يأتي قبلَ رؤية الشركة ومهمتها.
القائد العظيم هوَ المتواضع الذي لا يتباهى أمام الآخرين بل يعطي كلّنْ حقّه. هوَ الذي يواجه الحقائق ويرسم الطريق بالأسئلة الحاسمة والمهمّة. ويستخدم طريقة سقراط في السؤال. ولا يتوقّف حتّى يبني شركةً عظيمة.
القائد العظيم لا يحتاج ليحفّزَ الناس ومن حوله. وكما يقول كولينز، هوَ القادر على تشريح الجثث بدون إلقاء اللوم على أحد. لو أنّ من حولك هم الناس الصحيحة، فلن تحتاج للومِ أحد. بل ستخلق بيئة تشجّع الجميع في مشاركة الحقائق بدون الخوف من العواقب. كلّهُ في سبيلِ تطويرِ الشركة أكثر.
في وقتِ النجاح، ينظر القائد لمن حولَه وينسب التقدير لهم. فتراهُ يقول: “بدونهم، لما وصلنا إلى ما نحنُ عليه”. لكنْ في وقتِ الفشل، فتراهُ يُلقي اللومَ على نفسه بدلًا من الآخرين.
الخاتمة وكلمة معتصم
كتاب جيّد إلى عظيم يعطيكَ نظرة عن الشركات التي نجحت ولكن الأهمّ كيف نجحت؟ إنْ كنتَ رائدَ أعمالٍ صاعد، فهذا الكتاب لك. تغوصُ فيه مع كولينز في رحلة بحث ودراسة دامت ١٥ سنة. وجدوا فيها الصفات المشتركة للعظماء. مما يعطيكَ ميزة متقدّمة عن الآخرين الذينَ لم يعرفوا من قبل بعقلية القنفذ أو أهمّية ركّاب الباص. بالنسبة للقيادة فالكل يعرف أهمّيتها ولكنّك الآن تعرف شدّة أهميتها. انصح بقراءة الكتاب على الأقلْ مرّة لتأخذ فكرة عامّة عن أهمّية الأعمدة الثلاثة في إدارة وزيادة نسبة البقاء للشركة.