Skip to main content

أدرك بكلّ حواسك التي وهبها لك الله، أنّ اللحظة الحالية هيَ كلُّ ما تملك، واجعلها محورًا وأساسًا في حياتك

 

قوة الآن والحضور

وجودك في اللحظة الحالية يُخلّصك من الأفكار المتطايرة، والمشاكل التي يصنعها عقلك، ويساعدك الحضور بأن تكونَ بأعلى تركيز، لأنّ الوعيَ حاضر. أيكهارت تولي مؤلّف الكتاب يحكي قصّته حينما كانَ بعمر ال٢٩، شعرَ بضياعٍ ووصلَ حدّهُ في العيَشِ مع نفسه، وظلّّ يُردّد أنّهُ لا يُطيق العيشَ مع نفسه، عدّة مرّات ثم ظهرَ التساؤل: لا أُطيق العيشَ مع نفسي؟ هل نحنُ اثنان؟

وكانت هذه اللحظة التي غيّرت مجرى حياته وبعدها اكتشفَ تلكَ الحالة الغريبة والتي يكونُ فيها موجودٌ في اللحظة الحالية وبدونِ تدخّل العقل اللاواعي. يصِفُها بأنّها الشيء الذي يبحثُ عنهُ الناس. شعورٌ من السعادة والرضى والتركيز الكامل بعيدًا عن الأصوات والإزعاج التي اعتادَ عليها داخلَ رأسه. ومع مرورِ الوقت كانَ الناس يسألونَ ما لديه. فقال لهم أنّهمْ يمتلكونهُ بالفعل، ولكنْ العقل مُزعِج ولا يسمح لهم بالعيَشِ في “الآن”

 

٨ أفكار أساسية من الكتاب:

١: الاستجابة VS ردة الفعل

لو سألتُك عن علاقتك الزوجية بعدَ أنْ شكوتَ لي عن سوءِ حالها، هل كانتْ خياراتك كلّها استجاباتْ واعية أمْ ردّات فعل تلقائية؟ سأشرح:

أتيتَ لتشتكي لي عن المشاكل التي بينَك وبينَ منِ اعتقدتَّ أنّك أحببتها، ولكنْ مع مرورِ السنين وتربية الأولاد، بدأتَ تكتشف أنّها لم تكن الشخص المناسب، إذًا هل تغيّرت هيَ؟ لا لم تتغيّر معشوقتك، ولكنّكَ كُنتَ تعمل على وضعِ الطيار الآلي ولم تتّخذْ قرارات واعية منذ البداية.

 

إنّ قراراتك كانتْ بناءً على زخمٍ من الماضي، أيْ ردّات فعل. مثال لما حصلَ في بداية حياتك:

تعرّفتما ثمّ خرجتما معًا. لأنّكما كنتما تطيلانِ الحديث عبر الرسائل النصيّة، فتراهُ كاستثمارِ وقتك، وأنّ الأمرَ يستحق أنْ يُحرز تقدمًا. ثمّ اتفقتما على الزواج لأنّكما قضيتما وقتًا سويًا في السابق وشعرتما بنشوة شعور الحب التي ستزول مع الوقت. ثمّ لأنّكما متزوجان ستُنجِبان، وستُربّيانِ الأطفالَ لأنّهما أطفالكما. هل لاحظتَ ما أقصد؟ كلّ قرارٍ اتّخذتهُ كانَ بناءً على قرارتٍ مُتّخذة في الماضي، ردّات فعل وليسَ استجابات.

نسختك الواعية، والتي تعتمد على الاستجابات؛ ستحدد النقاط الأساسية لمناقشتها مع شريك حياتك منذ البداية، لتجنب أي أعلام حمراء مسبقًا.

 

٢: كلّ ما تحتاجه هوَ موجودٌ بداخلك

مرّ رجلٌ بشحاذ جالسٌ على نفسِ الصندوق لمدّة ٣٠ سنة. مدّ الشحاذ يدهُ كما يفعل عادةً، فسألهُ الرجل ماذا تريد؟ قالَ أريدُ مالًا. ردّ عليه بأنّ الصندوق الذي هوَ جالسٌ فوقه، فيهِ كلّ شيء يحتاجه. فلمّا فتحهُ الشحاذ وجدَهُ مليئًا بالذهب.

المقصدْ هوَ أنّ ما نحتاجه في حياتنا موجودٌ بالفعل لو نظرنا وتعمّقنا في أنفسنا، فالذهب هوَ اللحظة الحالية. هنالكَ طريقة تُستعمَل لتكتشف حقًا ما تريده وتتسائل عن ما تؤمن به، وهذه الطريقة هيَ بسؤال لماذا ٣ مرات.

كلّنا نريدُ المال، ولوَ سألتَ شخصًا لماذا تريدُ المال؟ سيقول ليحصل على الحرّية ولا يضطر إلى العمل مجدًدا. لما لا تريدْ العمل مجدّدا؟ حتّى يقضي وقتًا أطول مع عائلته ومن يحب. لماذا تريدُ أن تقضي وقتًا أكثر مع من تحب؟ حتّى يكونَ في هذه اللحظة. وبإمكانه أن يكونَ في هذه اللحظة أي وقتٍ يريد.

 

مثال أخر: الرجل الذي كانَ يصطاد بقاربه، وأتاهُ رائد أعمل ينصح بزيادة ساعات عمله وثمّ يشتري قاربًأ أخر ثمّ يشتري اسطول ليشغّلهُ تحتَ إمرته ويكسب مالًا أكثر. فردّ الصياد، ولكنّني أُفضّل قضاءَ وقت المساء مع عائلتي وأشرب وأغنّي برفقة اصدقائي. فردّ رائد الأعمال قائلًا لو عمِلتَ بجُهدٍ لبِضعِ سنين ستتعاقد مبكّرًا. وماذا سأفعل بعدها؟ فردّ رجل الأعمال بأنّهُ سيتسنّى لهُ قضاء الوقت مع عائلته وأصدقائه. نظرَ الصياد لرجل الأعمال بنظرةِ ال”هل استوعبت ماذا أفعل كلّ يوم؟” ثمّ عادَ الصياد ليقضي وقته برفقة عائلته وأصدقائه. فهوَ لا يحتاج مقايضة العشر سنين القادمة لأجلِ أن يفعلَ نفس الشيء الذي يفعله كلّ يوم.

 

٣: الماضي والمستقبل مجرّد وهم

هذه من أصدَق الأشياء التي كلّما أدركتها مُبكّرًا، كلّما عِشتَ واستفدتَ من حاضِركْ أكثر. لأنّ هذه الثواني والدقائق والساعات الضائعة في الانغماسِ مع زلّاتِ الماضي، أوْ التفكير في المستقبلِ المشرق الذي تظُنُّ أنّهُ سيكونُ مشرقْ، ولكنّكَ تُضيّع حاضرك في التفكيرِ فيهْ دونَ العمل لِتجعلهُ مُشرقًا.

شخصيًا بدأتْ نظرتي تتغيّر عنِ الماضي من ناحيتين: الأولى وهيَ عن الأشياء السيئة التي حصلتْ في حياتي. مررتُ بالكثيرِ من الفترات والمواقف الصعبة في حياتي، وأدركتُ (بعد التعلّم) أنْ مهما فكّرنا في مآسي الماضي، لن نستطيعَ تغييرها ولكنْ نستطيعُ تغييرَ تفسيرها الذي بدورِه يغيّر الشعور المرتبط بهذه التجربة من جيّد إلى ما أردتَ.

 

مثال: كرَهتُ نفسي بسبب فشلي المستمر في الحياة، وكلّما بدأتُ شيءْ، تركته واتّخذتُ مجالًا مختلفًا. هذا ما كنتُ أفسّره لنفسي. والآن وبعدَ الإدراك والوعي، كلّما مرّت هذه الأفكار في عقلي، أُخبِر نفسي أنّهُ بدونِ كلّ هذه التجارب الفاشلة، لن أصِل لما أنا عليهِ الآن، فكلّها كانتْ للخير. ثمّ مباشرةً يتغيّر الشعور من خيبةْ أمل وكُره الذات، إلى الشعورْ بالإيجابية وحُبّ الشيء الذي أفعلهُ الآن.

الناحية الثانية وهيَ إنْ لمْ تؤثّر عليّ التجربة في الماضي في تحسينِ حاضري ودفعيِ لبناء مستقبلٍ أفضل، فلا أُفكّر فيها.

واستخدم التفكير في المستقبل ليدفعني للعمل أكثر في حاضري. الإنسانْ ما هوَ إلّا مجموعُ أفعاله الصغيرة في اللحظة الحالية.

 

٤: فليَكن عملك مليئًا بالإنسيابية (Flow State)

“الانسيابية” أو “المنطقة” تُشير إلى الحالة العالية من التركيز باندماجِ العقل والجسد في مهمّة معيّنة. من شروطها أنْ يكونَ العمل ليسَ صعبًا جدًّا ولا سهلًا، شيئًا مِثلَ التحدّي. الانسيابية هيَ من أعلى درجاتِ العيَشِ في الحاضر وفي اللحظة.

بينَ العامي ٢٠١٦ و٢٠٢٢ مارستُ رياضة تنس الريشة بشكلٍ مكثّف في الصين، ولأنّني كُنتُ أحبّ الرياضة لدرجة ممارستها أسبوعيًا وبالساعات، تطوّر مستوايَ فيها. كُنتُ استمتع لدرجة كبيرة جدًا، وأخبر صديقي أنّني واللهِ لا أشعرُ بالوقت، ولا أعرف كمِ الساعة، ولا أعرف اليومْ الذي نحنُ فيه، وانسى كلّ مشاكلي وهمومي، وجسدي وعقلي مركّزان كلّ التركيز في المباراة التي أنا فيها. وثمّ بعدَ مرورِ السنين، اكتشفتُ أنّ هذه هيَ الانسيابية. الانغماس العميق في اللحظة.

نصيحتي لكْ هيَ أنْ تجدَ الانسيابية في عملك، حتّى تستمتع بكلّ لحظة تمرّ فيه.

 

٥: أنتَ لستَ الإيقو الخاص بك

الإيقو هوَ ما نعتقدْ أنهُ هويتنا. ذكرتُ في تلخيص كتاب السيطرة على عواطفك أنّ الإيقو تشكّل عبرَ السنين، وهيَ هويتك. سواءً من اسمك وشكلك وجسمك و وجنسك وجنسيتك ودينك واعتقاداتك وإيمانياتك وثقافتك وأصدقائك وأهلك وقصتك ومشاكلك وعملك وممتلكاتك. الإيقو مغرور ويحمي نفسه كما الدماغ. هويتك التي تدفعك للحصول على كلّ شيء من شهرة واعتراف من من حولك بقدراتك، وحتّى السعي لنيل حبّ زوجتك، لأنّ الإيقو لا يستحمل الوحدة.

فمثلًا لو كانَ صديقك نباتيًا ومناصرًا لأرواحِ الحيوانات، فسيغضبْ من أيّ شخصْ يدّعي أنّ أرواح الحيوانات لا تساوي شيئًا، وأنّ علينا التخلّص من كلّ ما هوَ ضارْ علينا وعلى الكوكب. لن ينظر لرأي الشخص على أنّهُ رأي، بل سينظر إليه على أنّهُ يهاجمُ قضيةً هوَ مُناصرٌ ليها، ممّا يعني أنّهُ يهاجمه مباشرة.

 

مثلًا، حاولْ أنْ تتجرأ وتخبر شخصًا أنَّ فريقَ كُرة القدم الذي يشجّعه هوَ فاشل ولم يستطع إحراز أيّ بطولات في الآونة الأخيرة. ردّة فعله لن تسرّك، وبالذاتْ لو كانَ متعصّبًا، وارتبط الإيقو بتشجيع وحبّ هذا الفريق، فيظنّك تُهاجمه. نفس الشيء ينطبق على المسلسلات والأفلام والألعاب والهوايات. فلوْ استهزأ أحدٌ بما نحب، ترانا ننفعل ونغضب. في مراهقتي، كُنتُ أردُّ على كلّ من يقول الانمي للأطفال، أو أنّهُ كارتون، ذلك بسبب ارتباط الإيقو لحُبّي للأنمي بشكلٍ كبير. ولكنّنا نتعلّم مع الزمن.

 

الإيقو يريدْ الفوز، وهوَ فخور بنفسه، ويكره الذلّة والمذلّة وسيفعل أيّ شيء ليَظهر بالشكل المثالي ولا يتقبّل ايّ اتّهامات خارجية، وبالذاتِ لو كانتْ تُخبره أنّه على خطأ، أو أنّهُ فعلَ شيئًا خاطئًا.

الهدف ليسَ أنْ تتخلّص من الإيقو، الهدف هوَ أنْ تحدّدْ ما هوَ في صميمك.

 

٦: مارِس عدمَ الحُكم

هلْ سمِعتَ بمثال الراكب والفيل؟

أنتَ الراكب (الوعي) والفيل هوَ العقل الباطن والدماغ الذي يفعلْ ما تعوّد عليه. فلنفترض أنّكَ تتّبعْ حمية غذائية، وكلّ يوم تحافظ على جودة أكلك وحتّى عندَ عودتك إلى المنزل في ال٨ مساءً، حيثُ التعبْ أنهكك، والآن حانَ وقتُ الراحة ومشاهدة فلم كلاسيكي كما تعوّدت. في هذا الوقت الراكب تِعب (انتهت قوة الإرادة)، فيتحكّم الفيل بالجسد ويفعلْ ما كانَ يفعله في السابق، يتّخذ الطريقْ الأقلّ مقاومة. فيذهب ليحضر آيسكريم باسكن روبنز من الثلاجة، مع مشروبك المفضّل لِيَلْتَهِمَ كلّ هذا بعد البيتزا التي طلبها. الفيل هوَ الطيّار الآلي الذي يمسك زِمامَ الأمور عندما يتعب الراكب.

الحلّ يكونْ بالوعي وعدم مقاومة أفعال الفيلْ لأنّكَ لن تستطيع هزيمته، فهوَ أقوى منك، ولكنْ يُمكنك أن تؤثّر عليه وتغيّر تصرفاته مع مرور الوقت. ابدأ بمراقبة تصرّفاته والأفكار التي تراوده بشكل مستمر وبدونِ الحكم عليها، حتّى السلبية منها. أنتَ (الراكب) لستَ أفكارك، وإنّما هذه أفكار الفيل. انظر إليها، تقبّلها، وكُن واعيًا بها، لأنّكَ مع مرورِ الوقت ستعرف كيفَ تُعالجها.

 

٧: لا تنتظر لتعيش

سأشعر بالسعادة عندما أجني المال.. عندما تُحبّني معشوقتي.. عندما أحقّق ما أسعى إليه. لن أبدأ المشروع إلّا في الوقتِ المناسب.

لا تشترط لتعيش. لنْ يحينَ الوقت المناسب ابدًا، ابدأ الآن بما تملكه بينَ يديك. إن لم تكُن سعيدًا الآن، فلن تكونَ سعيدًا وأنتَ غني. إنْ لمْ تستطع العيشَ والتعايش بمستوى وعيكْ الحالي وفي أيّ حالةٍ كُنت، فلن تستطيع العيش وأنتَ بأفضل حالاتك المادّية. فلوَ كُنتَ قلقًا ومضطربًا في فقرك، فستكونْ قلقًا ومضطربًا في غناك. فعقلك الذي يخلقْ لكَ المشاكل، هوَ الذي سيخلقها طالما كنتَ بنفسِ مستوى الوعي.

كلّ دقيقة تمرُّ وأنتَ تنتظر، فهيَ دقيقة ضائعة.

لا تتعذّر لتعيش، ولا تتشرّط لحالاتٍ معيشية تعتمد على أشياءٍ أنتَ لا تستطيع التحكّم فيها. ابدأ الآن، وبما تستطيع التحكّم فيه.

 

٨: اسأل وتساءل

نموّك وتطوّرك في الحياة يعتمد بشكلٍ كبير على وعيك وإدراكك لما يحصل في حاضرك (ليسَ ماضيك ولا مستقبلك). التساؤل يجعلكْ تتفكّر حتّى في أصغرِ أفعالك اليومية. لماذا أولَ ما ألقي عليه نظرة هوَ جوّالي في الصباح؟ لماذا اشتري مشروبًا غازيًا كلّ ما مررتُ بهذه البقالة؟ لماذا تضيعُ منّي ساعة كاملة بمجرّد استخدامِ هذا التطبيق؟ وربّما تكونُ الأسئلة كبيرة مثل: هل هذه الوظيفة هيَ ما ستغيّرني للأفضل بعد ٥ سنوات؟ هل وجودي في هذه البيئة (مكان معيشة، واصدقاء محيطين بك، وكلّ ما تستهلكه) يُحفزّ من إنتاجيتي ويُلهمني نحوَ أهدافي؟ هل شريكي سيكونْ الخيار المناسب لأقضي معهُ بقيّة حياتي؟

اسألْ كلّ سؤال يمرّ عليك، حتّى لو لم تجد الإجابة الآن، فالهدف هوَ الوعي أولًا، فبالوعي ستُوضَحْ الصورة أكثر وتبدأ في إيجادِ الطريق الصحيح.

 

 

تلخيص الكتاب:

أنتَ لستَ عقلك

منذُ نعومة أظافري وحتّى عمر ال٢٥ لم يُخبرني أحدْ أنّني لستُ عقلي، وأنّ عقلي (ودماغي) هُم أدواتْ أستطيعُ استخدامهم في صالحي. تكمن المشكلة في أنّ العقلَ هوَ الذي يستخدمنا طوال اليوم وبشكلٍ مستمر ونظنُّ نحنُ أنّ هذا نحن! ولكنّنا لسنا العقل. العقل أداة صمّمتْ لتساعدنا على البقاء، وتفعل كلّ ما بوسعها لتحرص على تجنّبك للمخاطر وإبعادك من الموت. أنتَ (الوعي) تريدُ شيء، والعقلُ يريدُ شيئًا مختلفًا تمامًا. ولأنّهُ أقوى منّا، فيستعملْ الحيَل ليوهمنا أنّنا كيانٌ واحد، والحقيقة هيَ أنّكما كيانانِ مُختلفان.

 

 

كُن المراقب

من علاماتِ النضجِ هوَ أنْ تعرف أنّكَ لستَ الأصوات التي في رأسك ولا الأفكار، أنتَ المستمع والمتلقّي. وبسببِ جهلنا لسنين وسنين، ربطنا أفكارنا بنا، فعندما تراودكَ فكرةٌ سلبية، تجد نفسك تكره وتشمئز من قباحة تفكيرك. الحقيقة هيَ أنّ هذه الأفكار تتولّد تلقائيًا، وليسَ لكَ يدٌ تسيطرُ عليها ولكنْ تستطيع التأثير عليها.

الأفكار هيَ ما يُساعدنا على اتّخاذِ القرار، لأنّكَ لن تقرّر شيئًا ما لم تُفكّر فيه. والأفكار تتولّد بناءً على بيئتك، وبرمجتك العقلية. فالطريقة التي تحدّث فيها نفسك على مرّ السنين، والطريقة التي تُحدّثُ بها أيضًا لهُما تأثيرٌ كبير على أفكارك.

خُذْ كُرسيًا واجلسْ أمامَ هذه الأفكار وراقبها بدونِ الحكمِ عليها أو مقاومتها، راقب نمطَ تفكيرك، هل هوَ مليء بالإيجابية أمْ سلبي؟ في اليومِ الواحد تراودنا أكثر من [٦٠ ألف فكرة]

 

افصل عقلكَ الواعي عن عقلك بالتركيزِ في اللحظة الحالية. أخرج من دوامة التفكير في الماضي أو المستقبل وركّز في اللحظة الحالية. جرّب بالشهيق ببطئ والزفير كما لوَ أنّ همومك كلّها خارجة من جسدك. لو أسكتَّ عقلك لبضعِ ثوانٍ ووجدتَ نفسك تعيشُ اللحظة، فستشعر بشعور من الراحة العقلية أولًا، وشعور يوحي بأنّكَ لا تمتلك أيّ مشكلة في هذا العالم، وهذا صحيح، لأنّكَ في هذه اللحظة لا تمتلك أيّ مشاكل، فلو امتلكتَ مشاكل، لذهبتَ لتحُلّها.

مع تكرارك لمشاهدة أفكارك دونَ أن تربطَ نفسك (وعيكْ) بها، وانغماسك في اللحظة الحالية كلّ فترة وفترة، ستجد نفسكْ لا تؤثّر عليكَ تلكَ الأفكار العشوائية بل وقد تبتسم إذا ما راودتكَ فكرة سلبية أنتَ تعرف أنّها ليستْ من صُنعِكْ. من تجربة شخصية كُنتُ أضحكْ على عقلي لمثلِ هذه الألاعيب.

 

 

راقب مشاعرك ولا تُقاومها

نشعُر بالأفكار في عقلنا، ولكنْ المشاعر وبشكلٍ واضح تشعر بها في جسدك. فهيَ فكرة قوّية أثّرتْ على كيمياء الجسد وجعلته يتفاعل معها ليُنتجَ إحساسًا مميّز لكلّ عاطفة ومشاعر. شعور الخوف مختلف عن الغضب، والغضب مختلف عن السعادة الخ. والخطأ الذيَ كنّا واقعينَ فيه هوَ تعريفْ المشاعر على أنّها نحن. والحقيقة هيَ أنّ المشاعر كالأفكار، تأتي بدونْ تحكّمك الكامل. فلو تعلّمتَ شيئًا واحدًا من هذا الكتاب، فليكنْ: أنتَ لستَ أفكارك، وأنتَ بالطبعْ لستَ مشاعرك!

فالمشاعر تأتي وتذهب، وما هيَ إلّا تفسيرٌ للحالة التي أنتَ فيها. ستتعرّق ويرتفع مستوى الأدرينالين لديكْ حينما ترى أسدًا على بُعدِ ٧ أمتار منك. فالعقل يُرسل إشارة للجسم بالخطر الذي يراه، فيشعر الجسم بالخوف، ومع الأعراض الأخرى ستتصرّف أنتَ سريعًا بالجري والهروب من هذا الموقف، لأنّ شعورَ الخوف الشديد فسّرَ لكَ الموقف على أنّ حياتك في خطر.

 

 

الوعي هو السبيل للخروج من الألم

لا وجودَ للألم في اللحظة الحالية (الآن)، ولكن العقل يحاول الهروب من اللحظة الحالية على الدوام. بالقلقِ بشأنِ المستقبل القريب والبعيد، وبالتحسّر والندم على أخطاءِ الماضي. وكلّما عرّفتَ نفسكْ بأنّكَ العقل، فستُعاني وتتألّم أكثر. لأنّ العقلَ يهرب من الآن، وفي الآن توجد السكينة ولا مكانَ للمشاكل.

لماذا لا يريدُ العقلَ أنْ يعيشَ في اللحظة الحالية؟ ببساطة لأنّهُ لا يمتلكْ أيّ سيطرة في “الآن”، وسيّطرتهُ تكونُ في التفكيرِ في الماضي والمستقبل.

سيقاومك العقل في كلّ مرّةٍ تحاولُ الاستمتاعَ فيها باللحظة الحالية. راقب الطرق والحيَل التي يلعبها عليك، فبالوعي ستعرف كيفَ تتعاملْ معها، وتركّز أكثر كيفَ تعودْ باستمرار إلى اللحظة الحالية.

لا تفكّر في التغيّر الآن، لأنكَ ستُخيف العقل بأنَّ هناكَ خطبٌ ما. فهوَ مصمّمٌ لتكرارِ نفس الشيء الذي تعوّدَ عليه وبشكلٍ يومي (العادة). فإذا ما أردتَ أنْ تُغيّرَ سيطرة العقلِ عليك، يُمكنكْ أنْ تبدأ بالتأمّل اليومي، ومن ٥ إلى ١٠ دقائق. مع الوقت ستفهم أنّ الأفكار لا تتوقّف، وأنّكَ دائمَ التفكير في الماضي والمستقبل، وأنكَ لستَ هذا الشخص الذي يولّد الأفكار ويفكّر في الماضي والمستقبل، أنتَ الراكب والمستمع، أنت الروح والوعي، ومعركتك مع العقل ستستمّر طالما حيّيت. كما قال بوذا: “إنّ من ينتصر على نفسه هو بطل أعظم بكثير من من يهزم ألف رجل ألف مرّة.”

 

 

الغوص بعمق نحو الحاضر (الآن)

الماضي يحدّد من نحن، وكيفَ هوَ سلوكنا ونظرتنا للحياة. وأهدافنا المستقبلية هيَ التي تحدّد أفعالنا في الحاضر. عقلك لن يفهمْ هذه الجملتين، أنتَ فقط القادر على فهمهما. عليكَ أنْ تفهم وتقتنع اقتناعًا كاملًا أنّ لا شيءً يحصل في الماضي، ولا شيءَ يحصل في المستقبل، فكلّها تحصُل الآن وفي هذه اللحظة. الماضي هوَ مجرّد ذكريات مُخزّنة كانتْ لحظات “الآن” سابقة. والمستقبل ما هوَ إلّا تخيّل من صُنعِ العقل، وعندما يأتي المستقبل، يتغيّر إلى “الآن”. وعندما تفكّر في المستقبل، فأنتَ تُفكّر فيهِ الآن!

 

يقولُ إيكهارت تولي أنّ الماضي والمستقبل لا واقعَ لهما. كالقمر الذي يعكسُ ضوءَ الشمس لأنّهُ لا يمتلك نورٌ بنفسه. فالمستقبل والماضي يستعيرانِ وجودهما من الآن واللحظة الحالية. ولو تكلّما بالمنطق، فلا وجودَ للماضي ولا المستقبلْ خارج اللحظة الحالية.

في “الآن” لا توجد أيّ معاناة، لأنّ المعاناة تحتاجُ العقلَ لِتُصنع. وطالما أنتَ الوعي، تعيشُ في هذه اللحظة، متخلًصًا من ارتباطك بالعقل، فلن تُعاني.

لاحظْ عقلك عندما يأخذكَ في رحلة التفكير في المستقبل، فإمّا يُريكَ مستقبلًا مشرقًا مليئًا بنجاحك، وهذا بدورِه يرفع آمالك في حاضرك، وإمّا يريكَ الفشل والمعاناة، وهذا يُقلقك ويأثّر على حاضرك وفي كِلا السيناريوهين، ما هوَ إلّا مستقبلٌ تخيّلي ليسَ لهُ وجود، و٩٠ بالمائة من مشاكلك هيَ من صُنْعِ عقلك، وليستْ حقيقية.

كُن حاضرًا مراقبًا لعقلك ولأفكارك ولمشاعرك، فكلّها ليستْ أنت. وكلّما أدركتَ أنّكَ لستَ حاضرًا في “الآن”، فأنتَ حاضرٌ في “الآن”

الجملة التالية هيَ كلّ ما تحتاج. اقرأها وافهمها واكتبها وطبّقها ودرّسها وعش ومُتْ معها: إن اللحظة الحالية هي كل ما تملكه. لن يكون هناك وقت لا تكون فيه حياتك “هذه اللحظة”.

ردّدها لنفسك كلّ يوم، لتعيدك إلى “الآن”، لأنّكَ لن تكونَ أيّ شيء آخر، فأنتَ لستَ ماضيك ولستَ مستقبلك. فكّر واسرح في الماضي في حالة أنّهما مُساعِدانِ لكَ في تحسينِ حاضرك.

مستقبلك سيكونْ تكرار لماضيك. لو افترضنا أنّكَ نفس الشخص وبنفسِ الأفكار والعادات. ولكنْ لو قرّرتَ التغيّر؟ أينَ ستكونْ العملية؟ في “الآن” واللحظة الحالية بالطبع! لأنّكَ لن تستطيع التغيّر لا في ماضي ولا في مستقبل. والتغيّرْ يحتاجْ إلى وعي عالٍ منّا، لأنكَ إنْ كُنتَ واعٍ لتصرّفاتك اليومية، فستعرِف كيفَ تُحسّنها. إذًا كيفَ نعرف درجة وعْيِنا؟ الجواب: بالحضور وأنّ نعيشَ في اللحظة الحالية.

ذكرَ الكاتِب أنّنا لو كنّا في موقف حياة أو موت، لن يخلُقَ العقل مشكلة، بل ستجد نفسكَ حاضرًا تمامًا. بعضُ التقارير سجّلت حالاتٍ كانَ الناسُ فيها قادرين على فِعْلِ المستحيل لأجلِ أنْ ينجوا بحياتهم.

 

 

استراتيجيات عقلك لتجنّبك العيش في الحاضر

عقلك عن عقلي عن عقله يختلف، وبالذات في الطريقة التي يُجنّبنا من الحضور في “الآن. فالعقل لا يتعب مثلَ وعيِك. فهوَ يعمل على الدوام ويحاول ضمانَ سيرِ الأمور على ما يراهُ مناسبًا، ألا وهوَ غريزة البقاء. ولِتُحافظْ على حياةِ مخلوق، فيجب أنْ تُخيفه على الدوام، حتّى لا يفعل ما يضرّه. ولكن العقل لا يستطيع تحديدَ المخاطر بالضبط، فهوَ يتوقّع أنّ كُلّ شيءٍ جديد في حياة الشخص ربّما يبعثُ الخطر، لذا يُحاول أن يعيشَ نفسَ اليوم بشكلٍ متكرّر. والعقل يسرقُ منكَ اللحظة الحالية بجعلك تُفكّر (مثلًا) في الأشياء التي ستفعلها لاحقًا، في مهامك التي لمْ تُكملها، في رأي الناسِ عنك، وكلّ شيءٍ يجعلُكَ تُفكّر وتسرح عنِ الشيء الواقعي الوحيدْ وهوَ “الآن”.

الخطوة الأولى لتعرَف كيفَ يعملْ عقلك هيَ بالمراقبة والإحساس عنِ الحالة الحالية لجسدك وعقلك. بماذا أشعر؟ ما هذه الأفكار؟ هل هيَ سلبية أم إيجابية؟ (بدون الحكم عليها). هل عقلي يحاولُ تخويفي؟ هل يخلق مُستقبلًا كئيبًا؟ أم يريني ذكرياتي ومواقفي الحرجة؟.

كما قلنا كُنِ المراقب في بداية الأمر، ولا تحاول تغيرَ كلّ شيءٍ دفعةً واحدة. فالتغيير الوحيد يكونُ والإنسانُ واعيًا، والوعي يزداد بإزديادِ لحظاتِ “الآن” التي تعيشها في يومك، ولن تصِلَ لمرحلة متقدّمة من العيشِ في “الآن” بدونِ معرفتك للطرقْ التي يسلِبُ فيها عقلك اللحظة الحالية.

 

 

الأفكار السلبية

ما هيَ ردّة فعلك عندما تجد نفسك تحملُ جمرة؟ من الطبيعي أنّكَ سترميها. إذًا لماذا لا تتخلّص من الأفكارِ السلبية التي تؤذيك؟ عليكَ أنْ تُدرِكْ أنّ هذه الأفكار ليست أنت كما قلنا، وإنْ لم تستطع التخلّص منها على الأقل راقب وجودها بدونِ أن تجعلها تؤثّر عليك. وفي الواقع، هذه الأفكار لن يكونَ لها وجود لو انغمستَ وعِشتَ في “الآن”.

جرّب الآن: خذ نفسًا عميقًا، شهيق لمدّة ٤ ثوانٍ ثمّ احبسهُ لمدّة ٨ ثوانٍ وفي هذه الأثناء أُنقُلْ كلّ تركيزك على المناطق التي يلتمسْ فيها جسدك مع محيطه. مثلَ جلوسك على الكرسي، اشعر بأردافك تتصل بالسطح المريح وأقدامك وهيَ تلامس الأرض وظهرك أيضًا. أشعر بالمحيطِ وانظر للأشياء وتخيّل القطع التي رُكّبت منها كما لوْ كُنتَ مهندسًا يتخيّل كيفَ سيعيد صناعة قطعة الأثاث. ثمّ زفير لمدّة أربع ثوان.

مجددًا: شهيق لمدّة ٤ ثوانٍ ثمّ حبس نفس لمدّة ٨ ثوانٍ مع الإحساس والتخيّل ثمّ زفير.

وكلّما لاحظتَ الأفكار السلبية تحلّق في عقلك خُذ كُرسيًا واجلس وراقب كالطفل الفضولي حيالَ الأشباح التي يعتقد أنّها ستؤذيه لكنّها لن تستطيع إلّا في خياله.

 

 

الانتظار

عرّفَ إيكهارت تولي الانتظار بأنّهُ عدم الرغبة بما لديكَ الآن والرغبة في ما لا تملكه، ومكانه المستقبل. الانتظار هوَ حالة عقلية يحصُلْ فيها تضارب بينَ مكانك الحالي، ”الآن”، وبين ذلكَ المكان الذي تريده، في المستقبل. وهذا يؤثّر سلبًا عليكْ لأنّكَ تخسر اللحظة الحالية.

يقولُ أيضًا أنّهُ لا عيبَ في السعي نحوَ أهدافٍ وحياةٍ أفضل ولكنّ الحياة والوجود الداخلي هوَ مثالي وكامل (والكمال لله عزّ وجل). ما يُمكنك هوَ تحسين ظروف حياتك الخارجية. ولكنْ علينا أنْ لا نربطْ الظروف الخارجية بشعورنا الداخلي. يُمكننا الإحساس بالقناعة التّامة دونَ اشتراطِ وجودْ شيء خارجي. فهذا يجعلك كالذي يبني بُرجًا بدون التركيز على الأساس، ويصُبُّ كلّ تركيزه وميزانيته على بقيّة المبنى.

الكثيرُ من الناس ينتظرونَ المستقبل المُزدهر ولكنّهم ينسونَ أنّ اللحظة الحالية هيَ الواقع، وأنّ علينا الامتنان لما لدينا، وفي أيّ مرحلةٍ نحن، وتقبّل هويتنا كما هيَ والسّعيَ لشخصٍ أفضل.

 

 

الخلاصة وكلمة معتصم

كتاب قوة الآن من الكتب التي أضافتْ، أو أنارت بصيرتي بجعلي أُدرك أنّ الحضور الكامل في اللحظة الحالية يجلب معهُ شعورَ امتنانٍ معَ سعادةٍ داخلية ورضىً تام للمكانِ الذي أنا فيه مهما كانَ سيئًا. وبالطبع استغرقَ الأمرُ سنتين من الممارسة ولكنْ النتائج استحقّت الانتظار. من ذكرياتي الأولى بعدَ إدراكي لقوة الآن أصبحتُ استمتع باللعبِ مع أخي الصغير، والجلوسَ مع أهلي وتناول أطرافَ الحديثِ سويًا، واكتشفتُ أنّ الآن هوَ الملاذُ الذي نهرُبُ إليهِ من مشاكلنا وهمومنا والأصوات التي لا تتوقّف داخلَ عُقولِنا. انصح بقراءة الكتاب لأنَّهُ يُغطّي الكثيرَ عن ما يتعلّق اللحظة الحالية.

 

كيف تستفيد من قوة الآن؟

ركّز مع الحاضر، ركّز مع تصرّفاتك، وردّات فعلك، ومزاجك، وأفكارك، ومشاعرك، وخوفك، ورغباتك لأنّ كلُّ هذه تحصُل في الحاضر فقط. ماضيكْ هوَ الذي شكّلك لما أنت عليه. عاداتك قبلَ سنتين هي ما صنعتْ منكَ هذا الشخص. لتُصبحَ شخصًا أفضل، راقب كلّ ما يحصل في داخلك بدونِ الحكمِ عليه، ولكنْ بأخذِ الاجراءات اللازمة حتّى تُغيّر من نفسك شيئًا فشيئًا. لن تجد نفسك بالتفكيرِ في الماضي، ولكن ستجد نفسك بالحضورِ في “الآن”.

Mutasim Eltayeb

رائد الأعمال المدمن على خلقِ القيمة لأمثاله الساعين في تنمية ذاتهم وبناء أعمالهم الخاصة. هنا تجد كلّ ما يخصّ التنمية البشرية وبناء العادات والتسويق وكتب الأعمال، وبالإضافة إلى الفلسفة كدروعنا الخفيفة والصلبة.

Leave a Reply

Close Menu
لرائدي الأعمال وكلّ من يسعى لتطوير نفسه