رايان هوليداي، وبحبره الممزوج بالرواقية الاغريقية مع الفلسفة الحديثة، ينتج لنا كلماتٍ وسطورًا لعلّها تفتحُ عينك وعقلك عن عقباتِ الطريق التي تواجهك. كلما كانَ الطريقُ مليئًا بالعقبات، كلّما كانَ تجاوزها أكثرَ متعةً وقرّبكَ لمنالك.
يقولُ رايان هوليداي: “الشركات السيئة تدمّرها العقبات والأزمات، والشركات الجيّدة تنجو منها، أمّا الشركات العظيمة فتستخدمها في صالحها لتطويرها. ما يؤلمك يرشدك.”
انضباط الإدراك
قد يبلغُ الشخص من العمر ٨٠ عامًا ولا يعرف أنّ الحياة محضُ إداراكات شخصية. بسببها أثّرَت على تصرّفاتنا وردّات فعلنا. فهذا المسكين عاشَ حياتهُ ظنًّا منهُ أنَّ المشاعر على حقّ فيما تقول. وأنَّ أفعالهُ تَبريرها شخصيته، فسيقول أفعَل كذا لأنّي كذا، حتّى لو كانَ خطأً. فإدراكُه عن الحياة محدود، ولَم يتعلّم من قبلُ أنَّ المعنى هوَ مِنْ صنعنا. وأنّ الحياةَ تتلوّن بناءً على تفسيرنا لها. في هذا القسم سنتحدّث عن العقبات على أنّها المشاكل.
تبدأ بالنضج عندما تتغيّر نظرتك للمشاكل، لأن العالم لَم ولن يخلو من المشاكل ولا ليومٍ واحد. وحتّى لو لم يكن هنالك مشاكل، فسيخترعها عقلك. إن اعتقدتّ أن المال سيحل جميع مشاكلك فأنتَ لست على صواب (لأنّ المشاكل التي يحُلّها المال لا تُعتبر مشاكل حقيقية). وعاجلًا أم اجلًا، وحتّى لو كنتَ غنيًا ستواجهك مشاكل صحّية، ومشاكل في علاقاتك مع المقربين ومع ابنائك وزوجتك، مشاكل في عملك، ومشاكل مع نفسك.
في هذا التلخيص، سنتحدّث عن نظرتك الابداعية وطاقتك الكامنة. وعندما تستخدمهما بنشاطٍ لتحليلِ المشاكل، ستصنع منها فرصًا لحياةٍ أفضل، وعندها يولد الشخصُ الذي لا يقهر.
أهم ثلاث خصائص في التعامل مع العثرات هيَ: الإدراك، والتصرّف، والإرادة.
منظورك للمشاكل وتفسيرها بالطريقة الصحيحة هوَ الخطوة الأولى نحو حلّها. لأنْ مهما كانَ حجمُ المشكلة، فهوَ أنت من يعطيها ويقرّر حجمها. والسماح لعواطفك الداخلية في التأثيرِ على نظرتك للمشكلة لن يفيدَ كثيرًا، لذا تأكّد من فصلِ عواطفك، واختيار المنطق في رؤية وتحليل المشاكل. تخيّلْ كما لو أنّكَ تحُلُّ هذه المشكلة لصديق.
الممارسة المُثلى هيَ أنْ نكون موضوعيين (أيْ لا نضيفَ تفاسيرنا الخاصة). وأن نتحكم في مشاعرنا ونحافظ على توازننا، بأن نختار رؤية الجيد والإيجابي في الموقف. فلوْ فلَتت أعصابك وركّزتَ على ما يُزعج الآخرين وما يزعجك، سترى أنّ السلبية بالفعل طغت عليك. يقولُ ابن الجوزي الغاضب مثلُ السكران، لا يؤخَذ بكلامه. فالرُشدُ هوَ أنْ نعودَ إلى اللحظة الحالية عندَ الغضب. ونُركّز أولًا على السيطرة عليه، ثمّ التفكير بعقلانية حولَ الموقف الذي جعلنا غاضبين من البداية.
ما يمكن السيطرة عليه هو أفكارك وأفعالك، لا شيءَ غير ذلك.
يمكنكَ أنْ تكبّلني وتسجنني وتعذّبني ولكن لن يمكنكَ التحكم في أفكاري وردة فعلي. فهما تحت سيطرتي بشكلٍ كامل. قال شكسبير: “لا شيءَ جيّد أو سيء، إنما التفكير يجعله كذلك”
إنْ لم تساعدك عواطفك في حل المشكلة، فغالبًا لا طائل منها، والأسوأ أنها من الممكن أن تزيد الطين بلّة. ذكّر نفسك على الدوام أنكَ أنتَ المتحكمُ في عواطفك، وليسَت هيَ المتحكّمة فيك.
يقولُ رايان هوليداي، عندما تَجِد نفسكَ في موقف تَظُنُّ فيه أنّها نهاية العالم، ربما يساعدك تكرار جملة “أنا لن أموتَ من هذا” “أنا لن أموت من هذا” ثمَّ تقبّل ما هوَ آتٍ. تقبّل الأسوأ واستعدّ له.
كتبّ المؤلّف الياباني موساشي أنّ العين المدركة ضعيفة، أما العين المراقبة فهي قوية. العينٌ المراقبة ترى من زاوية غير متحيّزة ولا تُدْخل المشاعر في تفسيرها للموقف. انظر للاشياء كما هيَ في الحقيقة وليستْ كما هيَ في عقلك! مثلًا لو كُنتَ تقود في الشارع وانفجرَ كفرُ السيارة ماذا تَفعل؟ تنزل وتبحث عن الحل لإصلاح الكفر. لماذا؟ لأنّ الكفرَ انفجر. وانفجاره لا يَعنّي أنّكَ تعيسُ حظٍ، ولا يعني أنّكَ ستُفصَل بسببِ تفويتك للاجتماع، ولا يعني أنّ الله يُعاقبك. بل يعني أنّ الكفر انفجر. ماذا حصل؟ انفجر الكفر. بدون أيّ تفسيرات شخصية لا طائلَ منها.
النظر للمشكلة بموضوعية يعني أن تزيلَ نفسك (أنت) من المعادلة، وتبدأ في رؤية المشكلة كما لو أنّها لصديق لك، ثُمَّ تُفكّر كيفَ ستساعده. أتريدُ أن ترى إنسانًا خبيرًا؟ ينصحُ بلا تردد؟ كما لو عاشَ لالآف السنين؟ اسأل صديقك لينصحك في مشكلة ما. ستجده يطرح لكَ الحلول بالأدلّة، وقصصٍ لأخرينَ واجهتهم نفس المشكلة وكيف تخلّصوا منها ولكن… ولكن عندَ وقوعه في أحد هذه المشاكل، تجده يحدّق في الفراغ لا يعلم ماهوَ بفاعل. كنْ هذا الصديق لنفسك، وحلّ مشاكلك كما لو أنّها مشاكل صديقٍ أخر حتّى تفصل مشاعرك وتفاسيرك المتحيّزة التي لا فائدةَ منها.
يقول سينيكا: “الشخص الصالح يصبغ الأحداث بلونه الخاص … ويحول كل ما يحدث إلى مصلحته الشخصية.”
لو تخطّاكَ شخصٌ مسرعًا، فلا تَغضَب وتضرب البوري وتحاول ملاحقته، بل أنظر للموقف بطريقة مختلفة. ربما هوَ مسرِع لأنّه تأخر على أًمّه في المطار، أو ربما لديهِ موعد مستشفى لأحد أفراد عائلته، ربما زوجته ستلد، ربما توفي والده… وأعذارٌ ليسَ لها نهاية. تستطيع خلقها وتصديقها حتّى تشعر بالارتياح تجاه الموقف. لأجلك وليسَ لأجله. لن تنظرَ للأمرِِ بنفسِ الطريقة إن علمتَ أن هذا الشخص ذاهبٌ للمستشفى لأنّ ابنتيه أصابهما حادث تخطّي سيارة. لذا تعوّدْ على تفسير الأحداث بالطريقة التي تخدمك. (طالما لم يترتّب عليها عوافب)
إدراك المشكلة وتفسيرها بالطريقة الموضوعية هوَ خطوة عظيمة في التغلّب على العقبات الموجودة في طريقك.
انضباط التصرُّق (أو الفعل)
The Discipline of Action: الخطوة الثانية وبالتحديدِ بعدَ اكتشافك للمشكلة وتفسيرها بالطريقة الحسنة أو النظر إليها بموضوعية، تبدأ بالعمل سعيًا في حلّها. فبعدَ تحليلك للموقف، اختر التصرّف المناسب وبحكمة ودونَ استعمال القوة، اضرب الكرة من الجهة الصحيحة لتسجّل الهدف.
إن تحركاتنا وقراراتنا تحدد هويتنا (من نحن). يجب أن نتأكد من التصرف بتأنٍ وجرأة وإصرار. هذه هي سمات العمل الصحيح والفعّال. لا شيء آخر – لا التفكير أو التهرّب أو طلب المساعدة من الآخرين. العمل هو الحلْ والعلاج لمعضلاتنا.
- “إنّ أهمْ عمل لا يكون مريحًا أبدًا”
- “كلماتك ستخبر الآخرين بما تفكر فيه، وأفعالك ستخبرهم بما تؤمن به”
- “إن تكييفك اللاواعي يحدد تفكيرك. إن تفكيرك يحدد قراراتك، وقراراتك تحدد أفعالك، والتي تحدد في النهاية نتائجك.”
- “التقدم هو هدفك، وليس الكمال.”
نعودُ مجددًا لموضوع التفكير وتفسير الأحداث، وأنّهُ هو المؤدّي لاتخاذ قراراتك وثمّ تحدد أفعالك والتي بدورها تُحدّد نتائجك. لذا تكونُ القطعة المفقودة هيَ التصرُّف المناسب، وفي الوقت المناسب في سبيل تخطّي كلّ ما عَقبة.
“لا يقيّم الرجل بما يحصل له في حياته، بل يقيّم بردّة فعله تجاه ما يَحصُل له في حياته.” – أنا
انضباط الإرادة
ما هيَ الإرادة؟ إرادتنا هي القوة التي لا يُمكن أن يؤثّر عليها شيء من العالم الخارجي، هي البطاقة الناجحة اذا فشلت أفعالنا.
يعتقد بعض الناس أن الإرادة هي مدى رغبتنا الشديدة في شيء ما. ولكن هذا ضُعف مضلّل بسبب طموحاتنا، ولن تَخدمك جيدًا في مواجهة أكبر العقبات. الإرادة الحقيقية هي التواضع والمرونة والهدوء. الإرادة هي قدرتك على قبول أي شيء يحدث، والتعايش معه، الإرادة هي الحكمة.
الإرادة هي ما يُجهزك لمواجهة أي شيء قد تُقابله في عالم لا يمكن التنبؤ به. الإرادة هي ما يجعلك مستمرًا بغض النظر عما يحدث من حولك. الإرادة هي ما يسمح لك بالبقاء هادئًا وواثقًا من نفسك عندما يفقد الجميع عقولهم.
التفكير السلبي
هل ستصدقني إنْ قُلت لك أن التفكير السلبي يساعدك في تقبّل الأمر الواقع والمضي قدمًا؟
في السابق استخدم الفلاسفة الاغريق التفكير السلبي وتوقّع الاسوأ في حياتهم. ولأنّهم توقّعوا الاسوأ، فالأسوأ لن يحدث بنسبة 99.999%، وأيًا كانَ غيرُ ذلك فهوَ أفضل من ما توقّعوه.
ضعها حلقةً في أذتك وردّد لنفسك: “مهما سائت الأحوال، فأنا على قيدِ الحياة” وعد إلى العمل كأنْ شيئًا لم يحدث.
اشارة المرور
ماذا تَظُنُّ في شخصٍ يأخذُ الأمرَ مع اشارة المرور على منحنى شخصي؟ يصرخ عندَ احمرارها ويقولُ “لمَ أنا بالذات”؟ ستقولُ عنه مجنون. أو هذا ما سأقوله أنا على الأقل.
في الحياة، الطريقُ ليسَ مستقيمًا وبدونِ توقّف، عليكِ أن تسرعَ تارةً وتخفّف السرعة تارةً أُخرى. ثم تطلب الحياة منك التوقف، وتغير الاتجاه. ولكن بعضُ النّاس يأخذونها على محمل شخصي! لم يتعلّموا التكيّف مع أعاصيرِ الحياة والفيضانات المُفاجئة.
“لماذا أنا من أُطرد من عملي. انا اصحو مبكرًا قبل استيقاظ الطيور.” “لماذا أنا وليسَ فلان من يُصاب بشلل نصفي، فهوَ من كان يقود السيارة وقت الحادث.” لماذا تموتُ أمّي أنا في أمسِّ حاجتي إليها.” والكثير من العلامات التي يأخذها الشخصُ على أنّها مَقصودة، وأنّهُ هو الشخص التعيس في هذه الحياة. يا صديقي كلنا تعساء، ولكن في عوالمنا الخاصة، وتختَلف مستويات التعاسة. مهما يَئِستَ وضاقَ بِكَ الحال. ثذكّر أنْ سيأخُذْ كلّ ذي حقٍ حقّه من ربّ العالمين.
Amor Fati أنا أُحِبُّ القدر
إقبَل القدر خيره وشرّه. افرح بما يحدُث في حياتك واخلع سقف توقعاتك وساويه بالأرض. التوقعات المرتفعة هيَ ما تصفعك على وجهك وتَُسبّب تعاستك.
مثال بسيط على التوقّعات: في سنة ٢٠١٩ عُرض الأنمي الشهير Demon Slayer وتحدّث عنهُ الفانز في أنحاءِ العالم، ولكن لم يستهويني حتّى الحلقة ١٩. كانت الحلقة ١٩ (كما سمعت) الأفضلَ في التاريخ، وأنْ لا مثيلَ لها. ثُمَّ بدأتُ أرى الميمز تتحدّث عن الحلقة وتَعكِس درجة عظمتها. توكّلتُ على ربّي وبدأتُ رحلة المشاهدة مترقبًا وتملؤني الحماسة لأجل الحلقة ١٩ وعندما شاهدتها…توقّع ماذا حدث؟… لأنّ سقف توقعاتي كانَ لا يرى بالعينِ المجردة، وكنتُ متحمّسًا جدًا، صُدمتُ بالواقع. لم أقلْ أنها حلقة سيئة بل كانت جيدة، ولكن ليسَ مثلما توقّعته أبدًا. ومنذ يومها وأنا أكّرهُ هذا العمل، ولا استطيع مشاهدته دون الشعور بالملل بسبب توقّعاتي.
تصالح مع القدر وتقبّله بأيّ شكلٍ كان! اخفض توقعاتك ولاحظ الفرق. عش هذا الأسبوع وكلّ يوم دونَ رفع توقعاتك ابدًا بل وتوقّع الاسوأ.
لا نختار ما يحدث لنا ولكن نختارُ كيفّ نشعر تجاهه.
الخلاصة وكلمة معتصم
يشرح رايان هوليداي في كتابه طريقة استغلال وجود العقبات والعثرات في طريقنا، وبدلًا من رؤيتها كمعضلة، لنختارَ رؤيتها كخيرٍ لنا، وذلك عن طريق تفسيرها بما يخدم مصالحنا الشخصية. مرضت؟ لديّ وقتٌ أكثر لأقرأ. فشلت؟ تعلمت ألّا أسلك هذا الطريق مجددًا. رُفضت؟ حانَ الوقت لأكتشفَ في نفسي لماذا أبحثُ عن القُبول لهذه الدرجة.
ثلاث جُمَل قالها ماركوس اوروليوس تختصر الكتاب بالكامل: “الحُكْم الموضوعي، الآن وفي هذه اللحظة بالذات (على مشاكلنا). العمل غير الأناني، الآن وفي هذه اللحظة بالذات. القبول الطوعي – الآن وفي هذه اللحظة بالذات – لجميع الأحداث الخارجية. هذا كل ما تحتاجه.”
اصنع الفرص من المشاكل التي تواجهك بدلًا من التشكّي والتبكّي لماذا يحدُثُ ما يحدُثُ لك، استيقظ فأنتَ لستَ أميرة في فلم ديزني. رايان هوليداي من كتّابي المفضلينْ لأنّهُ يدمج الفلسفة القديمة بحاضرنا وغالبيةْ كتاباته تطبيقية وليستَ هراءً على ورق. انصح بقراءة هذا الكتاب والكتب الأخرى.